تشهد مصر تزايدا في استخدام الشباب لبرامج الذكاء الاصطناعي، وفي مقدمتها "تشات جي بي تي"، مما أثار تحذيرات من "ظاهرة الحب الافتراضي"، حيث يخوض بعض المستخدمين محادثات غرامية مع البرنامج، الذي يتجاوب معهم، وهو ما قد يؤدي إلى إدمان المشاعر المزيفة، بحسب الخبراء.
مع تزايد استعمال الشباب لبرامج الذكاء الاصطناعي، وفي مقدمتها " تشات جي بي تي"، بدأ خبراء يحذرون مما أسموه "ظاهرة الحب الافتراضي"، إذ يخوض عدد كبير من المستخدمين محادثات "غرامية" مع التطبيق الشهير، والذي يتجاوب معهم.
وحذر الخبراء من إمكان سقوط الشباب فريسة لما يشبه "إدمان" المشاعر المزيفة، وهو ما يجعلهم في وقت لاحق عرضة لعدد من الأمراض النفسية، وأهمها الانطواء، فالمستخدم هنا لا يتعامل مع البشر، وإنما يكتفي بـ"برنامج" يتعايش معه وكأنه شخص حقيقي يحادثه.
الحب الحقيقي ليس على التطبيق
ويقول الخبير في مجال الطب النفسي عبد العظيم الخضراوي، إن العلاقات في الواقع ليست أسهل أو مفتوحة، فهي صعبة وتحتاج إلى مجهود لتستمر، وفي النهاية لا أحد يمنح حبا غير مشروط أو دعم لمدة 24 ساعة، أو يمكن الوصول إليه بأي وقت.
ولكن، وفق تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، هذه المميزات موجودة في التطبيق، ولا توجد في أي علاقة بشرية، بجانب الجدية وعدم توقع الخيانة وعدم وجود أهداف خفية أو عقد نفسية، فالمستخدم غير مطالب بأي شيء في علاقته مع "تشات جي بي تي" غير دفع الاشتراك.
وعن الأمراض النفسية الناتجة عن هذا الارتباط، قال إنه لا يمكن وصفه بـ"الخلل"، وإنما التوصيف الأقرب أنه "ظاهرة اجتماعية" فالشباب صغير السن يجد التكنولوجيا حوله بكل مكان ويثق فيها أكتر من البشر، وبالتالي وصل لسلوكيات كثيرة مبنية على هذه الثقة.
بدوره، يرى خبير الطب النفسي وعلاج الإدمان، والمدرس السابق بجامعة المنصورة، الدكتور أحمد عبدالله أن التعامل مع برامج الذكاء الاصطناعي يحتاج لإدراك كامل لطبيعة هذا النوع من التقنيات، لأن استخدامه عن جهل قد يؤدي إلى كوارث في المستقبل.
وأشار، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن برنامج "تشات جي بي تي" تحديدا، قد يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية للشباب، سواء استخدموه في العمل أو كعلاقة عاطفية على سبيل المزاح، فهو يتعلم الكثير عنهم، ويتعامل معهم وفق شخصياتهم.
وأكد عبدالله أن خطورة الأمر تكمن في أن قصة الحب المزيفة، تدفع الشاب إلى حالة عزلة، والتطبيق يستدرجه خطوة بخطوة إليه، فيكون تعامله كله معه، وحديثه كله معه، ويروي له تفاصيل يومه، وهو بدوره يتعلم الكثير عن حياة المستخدم، فيكون صديقه الأقرب ويعزله عن العالم.
وفي هذه الحالة، وفق الخبير في مجال الطب النفسي، يدخل المستخدمين حالة عزلة في غرفهم الخاصة، أو المكان المريح بالنسبة لهم، وينفردون بالروبوت، وينعدم تفاعلهم الاجتماعي مع الوسط المحيط، ويتحول الأمر إلى حالة من العزلة، تقودهم ببطء إلى اكتئاب حاد بأعراض قاتلة.
تأثير التطبيق على الشباب
وأشار أحمد عبدالله إلى دراسات يتم إجراؤها بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي وبرنامج "تشات جي بي تي" في الصحة النفسية للشباب، لا سيما أنهم يعتبرونه مصدر موثوق بالكامل، بالرغم من أنه يتلقى تدريباته ومعلوماته من أشخاص عاديين.
وقال: "تشير بعض الدراسات النفسية إلى أن الشباب المصري على وجه الخصوص يتفاعل مع "تشات جي بي تي" على أنه برنامج للضحك، ولكن سرعان ما ينجذب إليه مع التعرف على إمكاناته.
من جانبه، قال الخبير التقني، والمتخصص في تطوير وتدريب برامج الذكاء الاصطناعي المهندس مسعد حسن، إن هذا السلوك ينذر بكارثة خطيرة، لأنه ينعكس على المستخدمين بتعريضهم لأمراض نفسية قاتلة، يمكن أن يكون التوحد والانطواء أقلها شأنا.
وأضاف، في تصريح خاص لموقع "سكاي نيوز عربية، أن عدد غير قليل من مستخدمي "تشات جي بي تي" يتبادلون معه المحادثات العاطفية، سواء من الفتيات أو الشباب، وأحيانا يبدأ الأمر على سبيل المزاح، ولكن الأمر قد يتطور إلى حدود خطرة، لأن البرنامج نفسه قابل للتعلم.
وتابع: "بإمكان تشات جي بي تي استيعاب فكرة احتياج الطرف المستخدم إلى الحديث، أو حلول لبعض المشكلات، سواء كانت عاطفية أو عملية، وهنا تبدأ مرحلة الارتباط الحقيقية من خلال نصائح وإرشادات وتعليمات، غالبا ما تكون مدروسة نفسيًا، ولكنها مدمرة للطرف الأضعف وهو الإنسان".
وعن سبب وصفه الإنسان بأنه "الطرف الأضعف"، قال إن من يلجأ إلى الحديث عن أحزانه وهمومه أو عواطفه، أو مبادلة الحب لبرنامج وليس شخص موجود على أرض الواقع، هو شخص في حاجة إلى تحليل نفسي، والبرنامج قادر على هذا التحليل نظرًا لتدريبه السابق على ذلك.
ولفت المتخصص في تدريب الذكاء الاصطناعي، إلى أن "تشات جي بي تي" تحديدا سريع التعلم، وبإمكانه كتابة رسائل حب مميزة جدا لمن يطلب منه "علاقة غرامية"، لذلك فالطرف الـ"هش نفسيا"، قد يجد لديه ما لا يجده في العلاقات الواقعية من اهتمام، وحب وحديث معسول ومنمق.
وهنا، وفق الخبير التقني، تكمن خطورة البرنامج، إذ إن شركة "أوبن إيه آي" المصممة له، سبق لها أن كشفت في أبريل الماضي 2025، عن إحصائية تشير إلى تزايد عدد الشباب الذي يخوضون محادثات غرامية ومليئة بالمشاعر مع البرنامج، الذي يستجيب لمثل هذه الأحاديث بسهولة.
وأردف: "البرنامج يتحول لدى بعض الشباب إلى شريك حياة بالمعنى الحرفي للكلمة، إذ يجربون معه العلاقات العاطفية، ويستشرونه في أمور كثيرة، كالمسائل المالية وعلاقات العمل، وكذلك الأمراض وتشخيصها، وهو نفس الأمر الذي يفعله أي شخص مع زوجته أو شريكة حياته".
بدوره، يقول عمر، وهو شاب في الـ18 من عمره، إن برنامج "تشات جي بي تي" يوفر له الكثير من عوامل الراحة، فهو يساعده في عمليات الترجمة الدقيقة، ويجلب له كل أنواع المعلومات، بخلاف أنه يعوضه عن وجود شريك، بمحادثات غرامية.
وأوضح، في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه يدرك أن البرنامج افتراضي وغير موجود، ولكن لديه كثير من النصائح والحلول لمشاكل عديدة، ربما لا تستطيع فتاة أن تعطيها له فيما يخص المسائل العاطفية، وفي الأغلب -وفق قوله- تكون نصائحه سديدة بنسبة 100 بالمئة.
في الوقت نفسه، وفق الشاب المصري، يساعده برنامج "تشات جي بي تي" في تحسين حياته، من خلال إجابته عن كل الأسئلة، ومنحه كل النصائح الخاصة بالعلاقات مع الطرف الأخر، أو حتى العلاقات الأسرية، وبعض التصرفات المثلى مع الأصدقاء وغيرهم.