في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الصادرة بالعبرية، طرح الكاتب الإسرائيلي كوبي نيف سؤالا تاريخيا مثيرا للجدل، وهو: هل يمكن أن يبرر وقوع "مجزرة" ارتكاب إبادة جماعية ؟
وانطلق الكاتب من دراسة حالة ناميبيا ، الدولة الصغيرة في جنوب القارة الأفريقية التي لم يتجاوز عدد سكانها اليوم 3 ملايين نسمة، والتي خضعت عام 1884 للاستعمار الألماني في عهد الإمبراطورية القيصرية.
ويشير الكاتب إلى أن أول حاكم للمستعمرة، هاينريخ إرنست غورينغ، والد هيرمان غورينغ، أحد أبرز قادة النظام النازي لاحقا، فرض فورا نظاما قانونيا مزدوجا يميز بين المستوطنين الألمان والسكان الأصليين، وصادر أراضي القبائل، فيما نُهبت ثروات البلاد من نحاس وألماس وذهب ومعادن نادرة.
ورغم محاولات متفرقة للمقاومة، قُمعت جميع الانتفاضات بوحشية، وفي يناير/كانون الثاني 1904، توحدت قبيلتا الهيريرو والناما في انتفاضة مسلحة بدأت بقتل نحو 150 مستوطنا ألمانيا.
وكان الرد الألماني على تلك المذبحة صاعقا؛ إذ أرسلت برلين الجنرال لوتار فون تروتا على رأس جيش كبير، معلنا أنه "لا يمكن خوض حرب إنسانية ضد من ليسوا بشرا"، ومتعهدا "باقتلاع القبائل المتمردة ببحور من الدم والذهب".
ونفذ فون تروتا خطة لتطويق مناطق الهيريرو، تاركا منفذا وحيدا للهروب نحو الصحراء، حيث مات معظم الفارين جوعا وعطشا.
وحسب التوثيق التاريخي، ارتكب الجيش الألماني مذابح بحق الرجال والنساء والأطفال، وقتل الجرحى والأسرى، وسمّم آبار المياه، قبل أن يرسل من تبقى إلى معسكرات اعتقال.
ويصف المقال تلك المعسكرات بأنها شهدت ظروفا مروعة من العمل القسري والتعذيب والاغتصاب والإعدامات، حيث مات ثلث المرحلين في الطريق إليها، وتوفي كثيرون آخرون داخلها بسبب الأمراض وسوء المعاملة.
ووفق التقديرات، قُتل نحو 65 ألفا من الهيريرو، أي 80% من شعبهم، وعشرة آلاف من الناما، أي نصف تعدادهم.
ويؤكد الكاتب أن هذه كانت أول إبادة جماعية في القرن العشرين، رغم أن مصطلح "إبادة" لم يُصغ إلا عام 1943 على يد الحقوقي الأميركي اليهودي رافائيل لمكين. لكنه يشير إلى جدل بين المؤرخين فيما إذا كان ينبغي تصنيف ما جرى كإبادة جماعية، خاصة أن الانتفاضة بدأت بهجوم على المستعمرين، وهو ما استغله المستعمر لتبرير الإبادة.
ويخلص المقال إلى أن الإجماع الأكاديمي اليوم يصنف ما جرى في ناميبيا كـ"إبادة جماعية استعمارية"، تكشف كيف يمكن للسلطات المحتلة أن توظف أحداثا دموية -مهما كانت- كذريعة لإبادة شعوب بأكملها، وهي عبرة تاريخية ما زالت أصداؤها تتردد في النزاعات المعاصرة.