آخر الأخبار

كيف تحولت سلوفينيا لأحد أبرز منتقدي إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

ليوبلياناـ قبل سنوات قليلة فقط، لم يكن من المتوقع أن تتحول سلوفينيا ، ذلك البلد الأوروبي الصغير، إلى أحد أبرز الأصوات المناهضة لإسرائيل داخل القارة الأوروبية.

ففي المرحلة التي سبقت حكومة روبرت غولوب الحالية، كانت السلطة في يد يانيز يانشا، الزعيم اليميني المقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية- وخلال فترة حكم يانشا الأخيرة (مارس/آذار 2020-يونيو/حزيران 2022)، تبنى سياسات موالية لإسرائيل، تجلت أبرزها في جعل إسرائيل وجهته الأولى خارج الاتحاد الأوروبي في زيارة رسمية.

لكن مع وصول حكومة غولوب اليسارية الوسطية، تبدلت السياسة الخارجية لسلوفينيا بشكل جذري، لتصبح من أكثر الحكومات الأوروبية انتقادا لإسرائيل منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

خطوات غير مسبوقة

منذ اندلاع الحرب، برزت سلوفينيا بوصفها من أشد الأصوات الأوروبية إدانة للإبادة الجماعية في غزة، مع الدعوة إلى محاسبة إسرائيل على جرائمها، ولم تكتف حكومة غولوب بالتصريحات، بل أتبعت ذلك بإجراءات عملية، كان أبرزها فرض حظر شامل على تصدير واستيراد وعبور الأسلحة إلى إسرائيل، لتصبح أول دولة أوروبية تتخذ خطوة بهذا المستوى.

وجاء قرار الحظر عقب تلويح غولوب باتخاذ إجراءات منفردة بعيدا عن الاتحاد الأوروبي ، معتبرا أن التكتل "غير قادر على اتخاذ تدابير ملموسة"، وأكدت حكومته أنها لم تمنح أي تصاريح لتصدير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وسبقت هذه الخطوة إجراءات أوروبية غير مسبوقة أخرى. ففي يوليو/تموز الماضي، أعلنت سلوفينيا وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش شخصيتين "غير مرغوب فيهما"، بسبب تصريحاتهما الداعية إلى الإبادة والتحريض على العنف ضد الفلسطينيين.

إعلان

وفي يونيو/حزيران 2024، صادق البرلمان السلوفيني على الاعتراف بدولة فلسطين ، بعد خطوات مشابهة من إيرلندا والنرويج وإسبانيا.

ويقول جون كنوز، محرر الشؤون الدولية في صحيفة "فيتشير" السلوفينية، إن بلاده تنشط أيضا داخل الأمم المتحدة من خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن ، التي تنتهي نهاية هذا العام.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن التحركات السلوفينية تواجه عقبات أبرزها الفيتو الأميركي، إضافة إلى استحالة فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على إسرائيل بالإجماع في الظروف الحالية. ومع ذلك، أعرب عن تفاؤله بإمكانية التغيير بعد إعلان فرنسا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، متوقعاً أن تحذو دول أوروبية أخرى حذوها.

وحول الخطوات التصعيدية المحتملة، يرى كنوز أن ليوبليانا قد تنضم قريبا إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ، كما قد تتجه إلى حظر منتجات المستوطنات أو إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية. لكنه يقر بأن قدرة هذه الإجراءات على الضغط الفعلي على الحكومة الإسرائيلية محدودة، لأن سلوفينيا ليست شريكا اقتصاديا أساسيا لتل أبيب.

خلفيات التحول

يوضح فارس كوتشان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليوبليانا، للجزيرة نت أن حكومة غولوب الحالية يسار-وسط، تتكون من 3 مكونات رئيسية: حزب اليسار (ليفيتسا) المعارض الشرس للناتو والداعم القوي للحقوق الفلسطينية، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يرفع لواء الدفاع عن حق تقرير المصير ، وحركة الحرية التي تمثل المكون الأكبر وتميل إلى الولايات المتحدة "لكن ضمن حدود معينة".

ويشير كوتشان إلى أن حركة الحرية مضطرة إلى الاستماع إلى نبض الشارع السلوفيني المؤيد بشدة لحقوق الفلسطينيين، خصوصا مع اقتراب الانتخابات النيابية في أبريل/نيسان المقبل.

ويستشهد باستطلاع أجراه معهد "ميديانا"، أظهر أن أكثر من 66% من السلوفينيين يعتبرون ما يحدث في غزة إبادة جماعية . لذلك، يرى أن تبني الحكومة خطوات عملية ضد إسرائيل أصبح ضرورة سياسية لكسب الشارع.

خسارة اليمين

أما المحلل السياسي دينيس ستريكوفيتش، فيؤكد أن التحول الكبير في سياسات سلوفينيا جاء نتيجة خسارة اليمين المتطرف وتأثير اليسار في الحكومة، فضلا عن الرأي العام الرافض للإبادة مع اقتراب الانتخابات.

ويضيف ستريكوفيتش في حديثه للجزيرة نت أن خلفية رئيس الوزراء روبرت غولوب لعبت دورا أساسيا، فهو أول رئيس وزراء سلوفيني يأتي من عالم الأعمال، وتحديدا قطاع الطاقة، مما يجعله أقل ارتباطا بالحسابات السياسية التقليدية وأكثر انفتاحا على العالم العربي كمصدر رئيسي للطاقة.

ويشير إلى أن العلاقات مع الدول العربية آخذة في التوسع، حيث لم تكن لسلوفينيا قبل سنوات سوى سفارة واحدة في القاهرة، بينما تشهد المرحلة الحالية توجها متزايدا نحو تعزيز الحضور الدبلوماسي العربي وتمديد اتفاقيات توريد الغاز مع الجزائر.

ويرى ستريكوفيتش أن قرارات الحكومة لم تتعرض لضغوط كبيرة لأن نفوذ جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل ضعيف في سلوفينيا، ولأن البلاد لا تواجه ملفات دولية حساسة تحتاج لدعم خارجي. في حين يؤكد كوتشان أن السياسة الخارجية السلوفينية اليوم تستند إلى مبادئ القانون الدولي ومواثيق الاتحاد الأوروبي، ولا يمكنها التغاضي عن الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في غزة.

إعلان

في المقابل، يواصل يانيز يانشا، رئيس الحكومة السابق، قيادة المعارضة لهذه السياسات، ويرى ستريكوفيتش أن فوزه في الانتخابات المقبلة سيعني انقلابا كاملا على قرارات حكومة غولوب.



تعاطف شعبي متجذر

وعلى المستوى الشعبي، يوضح كوتشان أن السلوفينيين حساسون جدا لقضايا تقرير المصير نتيجة تجربتهم الخاصة، إذ كانت سلوفينيا أصغر جمهوريات يوغوسلافيا السابقة وأول من أعلن الاستقلال عام 1991.

ويضيف كوتشان أن جيل الشباب الذي لم يعاصر يوغوسلافيا تأثر بشكل كبير بصور الإبادة الجماعية والمجاعة في غزة، مما عزز التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين وجعل القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في الوعي السلوفيني المعاصر.

أما ستريكوفيتش فيشير إلى أن التعاطف مع فلسطين ظل خافتا في السابق، حتى بين صفوف اليسار، لأن الأحزاب السياسية كانت تركز على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ولم ترغب بإغضاب الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن "التأثير اليوغوسلافي" ظل حاضرا بين الأجيال التي عاصرت الحقبة الاشتراكية، حيث دعمت يوغوسلافيا تاريخيا الحقوق الفلسطينية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا