قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم براك، إن بلاده تتابع التطورات في محافظة السويداء "بقدر من القلق والألم والرغبة في المساعدة"، واصفاً ما جرى في سوريا مؤخراً بأنه "أمر مروع".
وفي تصريحات له، شدد براك على ضرورة "تحمّل الحكومة السورية لمسؤوليتها، ومحاسبة من تسببوا في الانتهاكات"، معتبراً أن "دمج الأقليات في بنية السلطة هو أمر بالغ الأهمية من أجل مستقبل سوريا".
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة السويداء دخل حيز التنفيذ الكامل اليوم الاثنين، وذلك بعد ثمانية أيام من الاشتباكات العنيفة التي اندلعت في المحافظة منذ 13 يوليو/تموز الجاري.
وأوضح المرصد أن المواجهات أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين والمسلحين، حيث قُتل نحو 1120 شخصاً، من بينهم 194 حالة إعدام وتصفية ميدانية.
ووفق المرصد، فقد بدأ تنفيذ الاتفاق بمغادرة عائلات البدو "الراغبة" أراضي محافظة السويداء، في وقت يشهد فيه ريف المحافظة هدوءاً حذراً وسط ترقب لمدى التزام الأطراف ببنود الاتفاق.
ووصف المرصد اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء بأنه "أوّل عملية تهجير تجري برعاية الحكومة السورية بحق أبناء عشائر البدو".
ويتضمن الاتفاق خروج كامل المسلحين من أبناء العشائر الذين قدموا من عدة محافظات سورية، إلى جانب انسحاب جميع العناصر العسكرية الحكومية من كامل الحدود الإدارية للسويداء، مع منع دخول أي أرتال عسكرية إلى المحافظة مستقبلاً.
كما ينص الاتفاق على السماح بإدخال المساعدات الطبية والغذائية والصحية إلى داخل السويداء، وتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق حول ما جرى خلال فترة التصعيد، إضافة إلى التفاهم على فتح معابر دولية للسويداء ومنع دخول أي قوى أمنية أو عسكرية مجدداً تحت أي ذريعة.
ومن المقرر أن تُعرض تفاصيل إضافية لاحقاً ضمن ملحق للاتفاق، تشمل ملفات حساسة، أبرزها ترتيبات تبادل الأسرى الذين جرى احتجازهم خلال أيام الاقتتال.
من جهته قال قائد الأمن الداخلي في السويداء، العميد أحمد الدالاتي، في تصريح لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) إن "قواته ملتزمة بتأمين خروج من يرغب من المدنيين، مع توفير إمكانية العودة لاحقاً"، مشدداً على "مواصلة الجهود لترسيخ الاستقرار داخل المحافظة".
وأشار الدالاتي إلى فرض طوق أمني حول المدينة في محاولة لوقف الاقتتال، تمهيداً لمسار المصالحة.
وتأتي هذه التطورات في ظل أوضاع إنسانية متدهورة في السويداء، حيث تعاني المدينة من نقص حاد في المواد الإغاثية والخدمات الأساسية نتيجة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية.
وأعلنت وزارة الخارجية السورية استمرار تنسيقها مع الشركاء المحليين والدوليين، لتأمين المساعدات الإنسانية، وضمان عودة النازحين إلى منازلهم.
وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات إن "جزءاً من المساعدات دخل المحافظة بالتنسيق مع منظمات إنسانية، على أمل أن تستقر الأوضاع الأمنية، بما يسمح بدخول الوفد الحكومي وبقية المساعدات لاحقاً".
وأكد محافظ السويداء مصطفى البكور أن الأولوية حالياً هي الاستجابة للاحتياجات الإنسانية، مشيراً إلى استمرار التنسيق مع الجهات المعنية لإيصال المساعدات للمناطق المتضررة.
من جانبها، نددت وزارة الخارجية السورية بمنع دخول القوافل الإغاثية إلى السويداء، محذرة من تداعيات أمنية قد تعرقل استمرار العمل الإنساني.
وقال مسلحون من عشائر البدو لبي بي سي إنهم ملتزمون باتفاق وقف إطلاق النار، لكنهم لم يستبعدوا تجدد الاشتباكات.
وأفادت تقارير بأن مقاتلي العشائر انسحبوا من المدينة باتجاه القرى المحيطة، بينما تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن "هدوء حذر" في بعض المناطق.
ووثّق المرصد، ومقره المملكة المتحدة، وقوع هجمات جديدة على قرى، مشيراً إلى استمرار التوتر.
وتفيد شهادات من الميدان بأن عشرات من عناصر الأمن الحكومي انتشروا قرب بلدة المزرعة، لمنع دخول مقاتلين بدو إلى المدينة، بينما تجمّع عدد من المسلحين على الطريق المؤدي إلى السويداء، مطالبين بالإفراج عن جرحى من أبناء العشائر، قالوا إنهم ما زالوا داخل المدينة، واصفين إياهم بالرهائن.
وقال أحد شيوخ العشائر لبي بي سي: "نحن ملتزمون بالاتفاق... لكن إن لم يتم الإفراج عن جرحانا، سنعود حتى لو كانت السويداء مقبرتنا".
وأعلنت وزارة الداخلية السورية لاحقاً عبر منصة إكس أن الإفراج عن العائلات المحتجزة سيتم خلال ساعات، بعد جهود الوساطة الحكومية.
وتعود جذور التصعيد الأخير إلى حادثة اختطاف تاجر درزي على طريق دمشق، ما فجّر الاشتباكات بين مجموعات مسلحة من الدروز ومسلحين من البدو والقوات الحكومية.
وفي ظل هذه الأحداث، أعلنت الحكومة الانتقالية في سوريا برئاسة أحمد الشرع وقفاً لإطلاق النار وأرسلت قوات أمنية إلى المنطقة.
وقال المرصد السوري إن نحو 1,120 شخصاً قُتلوا خلال أسبوع من الاشتباكات، بينهم 427 مقاتلاً درزياً و298 مدنياً درزياً، أُعدم 194 منهم ميدانياً، حسب ما ورد في تقرير المرصد.
كذلك أشار المرصد إلى مقتل 354 عنصراً من القوات الحكومية، و21 من أبناء العشائر، بينهم ثلاثة مدنيين أُعدموا ميدانياً على يد مقاتلين دروز، وفقاً للتقرير. كما قُتل 15 عنصراً من القوات الحكومية في غارات إسرائيلية، قالت إسرائيل إنها نُفّذت لحماية أبناء الطائفة الدرزية.
وأعلنت منظمة الهجرة الدولية أن أكثر من 128 ألف شخص نزحوا نتيجة الاشتباكات، وسط نقص حاد في الإمدادات الطبية داخل السويداء.
وفيما وصلت أول قافلة مساعدات تابعة للهلال الأحمر العربي السوري إلى المدينة، أفادت تقارير إسرائيلية بإرسال مساعدات طبية إلى السكان الدروز.
دولياً، دعا وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى محاسبة جميع من ارتكبوا انتهاكات، بما في ذلك من ينتمون إلى أطراف رسمية، للحفاظ على إمكانية تحقيق سلام دائم في سوريا.