في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في وقتٍ لا تزال فيه نيران المواجهة على الحدود الجنوبية مشتعلة، وبين تصعيد ميداني تقوده إسرائيل ورسائل دبلوماسية أمريكية غاضبة، يبدو لبنان مرة أخرى أمام مفترق طرق خطير: إما الانصياع للضغوط الدولية بشأن سلاح حزب الله، أو الانزلاق إلى مواجهة عسكرية قد تكون الأخطر منذ عام 2006.
الورقة الأمريكية التي رفضت بوضوح من قبل حزب الله، دفعت بإسرائيل إلى إعلان عملية برية مركزة، وبتوازي ذلك غيّر المبعوث الأميركي توم براك لهجته من التهدئة إلى التحذير، متهمًا المسؤولين اللبنانيين بـ"المناورة والتسويف"، مشيرا إلى أن واشنطن "لن تنتظر حتى مايو" لتبدأ الدولة اللبنانية في خطوات حصر السلاح.
حزب الله.. بين "الجهوزية للحرب" وواقع العجز
في مقابلة متلفزة، ظهر الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، ليؤكد أن الحزب "جاهز لكل السيناريوهات"، بمن فيها الحرب الشاملة. إلا أنه أقرّ بأن الحزب لم يكن مستعدا تقنيًا وعسكريًا في 7 أكتوبر الماضي، يوم انطلاق التصعيد. الأخطر كان استخدام قاسم لمصطلح "خطر وجودي على الطائفة الشيعية"، وهو ما أثار تساؤلات واسعة حول دلالات هذا الخطاب وتوقيته.
خلال حديثه الى برنامج "التاسعة على سكاي نيوز عربية قدّم مدير تحرير موقع "أساس ميديا" محمد بركات قراءة صادمة لتصريحات قاسم. ففي رأيه، الخطر الوجودي على الشيعة لا يأتي من الخارج، بل من سياسات حزب الله التي "تجرّ الطائفة من حرب إلى أخرى"، دون أي اعتبار لمؤسسات الدولة أو لمصير أكثر من ستة ملايين لبناني.
وأكد أن الحزب يتخذ قرارات الحرب والسلم من داخل غرفه المغلقة، بالتنسيق مع إيران، دون الرجوع إلى مؤسسات الدولة أو الشراكة الوطنية.
واشنطن تمهل.. وتلوّح بالحرب
رغم التصعيد العسكري، تشير المعطيات إلى أن واشنطن لا تزال تمنح بيروت فرصة أخيرة. المبعوث الأمريكي براك، الذي كان من المتوقع أن يضغط بعصا غليظة، اختار خطابًا مختلفًا: حزب الله "مشكلة لبنانية"، والحل بيد اللبنانيين وحدهم. لكن الرسالة كانت واضحة: "لن ننتظر حتى الانتخابات"، وعلى الحكومة اللبنانية تقديم خطة تنفيذية لنزع السلاح قبل سبتمبر.
هذه المهلة، بحسب محمد بركات، تعد الفرصة الأخيرة. بعدها، سيتحول الضغط الدبلوماسي إلى ضغط عسكري، بتنسيق أمريكي إسرائيلي، يضع لبنان أمام سيناريو تصعيد مفتوح.
أزمة حزب الله.. مأزق مزدوج بين الداخل والخارج
تشير التقارير السياسية إلى أن حزب الله في حالة إنهاك غير مسبوقة. الفجوة التكنولوجية بينه وبين إسرائيل اتسعت، وبنيته الأمنية تلقت ضربات قاسية باغتيال قادة الصف الأول والثاني. كما أن الدعم المالي الإيراني تقلّص، ما جعله عاجزًا عن دفع الرواتب والتعويضات للمتضررين من الحرب الأخيرة.
الأزمة الأعمق، حسب بركات، تكمن في تآكل الحاضنة الشعبية الشيعية. فنتائج الانتخابات البلدية في الجنوب، ولا سيما في قضاء بنت جبيل، أظهرت تراجعًا واضحًا في نسب المشاركة، مع عزوف فئة كبيرة من الناخبين عن التصويت لصالح لوائح الحزب. هذه المؤشرات، مضافًا إليها ضعف القدرة على الحشد الشعبي، تكشف عن تصدّع داخلي يعصف بأسس النفوذ السياسي لحزب الله.
لا بديل شيعي حتى الآن.. ولكن
رغم هذا التراجع، لا يزال حزب الله يتمتع بهيكل تنظيمي ونفوذ أمني داخل الدولة. إلا أن الخطر الأكبر، كما يشير التحليل، يكمن في غياب أي بديل شيعي سياسي جدي يمكن أن يملأ الفراغ.
فبعد انهيار زعامة آل الحريري في الساحة السنية، وعدم وجود حاضنة إقليمية أو دولية لقوى المعارضة داخل الطائفة الشيعية، يبدو أن صياغة مشروع بديل يتطلب تضافر عناصر داخلية وخارجية، سياسية وشعبية، إقليمية ودولية.
هل تنفجر المواجهة بعد سبتمبر؟
السيناريوهات المطروحة في واشنطن وتل أبيب واضحة: إما تنفيذ خطة حصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية سبتمبر، أو تصعيد عسكري واسع قبل بداية 2026. وحسب بركات، فإن المجتمع الدولي لن يسمح بأن يُحوَّل ملف السلاح إلى ورقة انتخابية في مايو القادم.
بالتالي، فإن الأشهر القليلة المقبلة ستشهد اختبارًا حاسمًا لمستقبل لبنان: إما الانخراط في حل سياسي منظم، يبدأ بنزع سلاح حزب الله تدريجيًا، أو السقوط في حرب قد تكون الأعنف منذ 17 عامًا.
من يمسك بزمام المبادرة؟
الواضح من مجمل التصريحات والمعطيات أن القرار لم يعد بيد اللبنانيين وحدهم. فحزب الله يرفض التراجع، والدولة عاجزة عن فرض سلطتها، والولايات المتحدة تقترب من إنهاء صبرها، بينما إسرائيل لا تنتظر كثيرا.
وبين هذا وذاك، يظل المواطن اللبناني، وبالأخص أبناء الجنوب، هم الضحية الأبرز، الذين ترسم فوق رؤوسهم خرائط الحرب والسلم دون أن يُستشاروا.
في ظل هذا المشهد، يبقى السؤال الأهم مفتوحا: هل يملك لبنان حقًا قرار الحرب والسلم؟ أم أن القرار الحقيقي خرج من يده منذ زمن بعيد؟