بلسان عربي مبين رغم أنها من أصول أجنبية تحدثت السيدة ألبينا أبو صفية كما تحب أن تعرف نفسها نسبة لزوجها الطبيب حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان المعتقل مؤخراً لبرنامج "غزة اليوم" المذاع على راديو بي بي سي، عن قصة حب جمعتها بزوجها في موطنها الأصلي كازاخستان.
قصة حب، دفعتها لترك بلادها والعيش معه في شمال قطاع غزة منذ عام 1996، لتشهد معه لحظات اقتحام المستشفى وإخلائه ومحاولات الدكتور حسام للقيام بواجبه الإنساني بأقل الإمكانات وحتى الرمق الأخير على حد وصفها.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة قد أصدرت بياناً صحفياً السبت 28 ديسمبر كانون الأول، أعلنت فيه عن قيام القوات الإسرائيلية باعتقال أبو صفية وعشرات آخرين من الكادر الطبي ونقلهم إلى منشأة من أجل استجوابهم.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن في وقت سابق الجمعة أنّه أطلق عملية عسكرية في محيط مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمالي القطاع، "لاستهداف عناصر من حماس"، وفقاً له. بينما نفت حركة حماس وجود مسلحين لها في المستشفى، واتهمت قوات الجيش الإسرائيلي باقتحام المنشأة.
بدأت ألبينا الحوار بالحديث عن ملابسات اعتقال زوجها والمرة الأخيرة التي شاهدته فيها قائلة: "لم أفارقه منذ بداية الحرب، وهو لم يفارق مستشفى كمال عدوان، حيث تمسك بوجوده فيه حرصاً منه على صالح الجرحى والمرضى، فظللنا بداخل المستشفى حتى النهاية حينما اقتحمت قوات من الجيش الإسرائيلي المستشفى وأمرونا بإخلائه وأخبرونا برغبتهم في غلق المستشفى".
ولفتت ألبينا إلى أنه منذ البداية رفض زوجها مغادرة المستشفى بحثاً عن أمانه الشخصي واقترح على الجيش الإسرائيلي أن يتم إخلاء المستشفى بالتدريج، المرضى والجرحى أولاً ثم أفراد الطاقم الطبي، ثم هو.
ومضت في قص ما جرى: لكننا فوجئنا بهم يقتحمون المستشفى بالقوة وأجبروا النساء على المغادرة بعد أن منحونا وعداً بأن جميع الرجال من أفراد الطاقم الطبي سيلحقون بنا إلى المستشفى الإندونيسي، وبالفعل صدقنا روايتهم وتحركت النساء باتجاه المستشفى الإندونيسي ووصلنا في حوالي العاشرة مساء لكن أحد من رجال الطاقم الطبي لم يلحق بنا، وعلمنا بنبأ اصطحابهم جميعا للتحقيق.
في العاشرة من صباح اليوم التالي تم الإفراج عن عدد من الكادر الطبي مع الإبقاء على الدكتور حسام أبو صفية وعشرة آخرين رهن التحقيق والاحتجاز، ومنذ لك الحين وأنا لا أعلم شيئا عن زوجي، ولا أعلم مكان احتجازه.
الناطق باسم الجيش الإسرائيلي قال إن عملية الإخلاء "تتم بالتعاون من قبل مديرية التنسيق والارتباط مع مسؤولي جهاز الصحة المحليين والمنظمات الدولية"، إلا أن رئيس قسم التمريض في المستشفى، عيد صباح، قال لبي بي سي، صباح الجمعة، إن الجيش منح إدارة المستشفى 15 دقيقة فقط لإخلاء المرضى والطواقم الطبية إلى ساحته.
وعن اللحظات التي سبقت اقتحام المستشفى واعتقال زوجها تقول ألبينا أبو صفية: اشتد القصف للغاية، فاحترق قسم الأرشيف والصيانة وساحة المستشفى وحتى غرفة العلميات، ما تسبب في العديد من حالات الاختناق جراء دخان القصف المتصاعد.
واستهدف القصف المنازل المجاورة للمستشفى لدرجة أننا كنا نسمع بوضوح استغاثات الناس من تحت الأنقاض ولا نقوى على مساعدتهم، فحينما خرج طاقم الإسعاف لمد يد العون تم استهدافهم بطائرة كواد كابتر وقُتلوا جميعاً.
لم تقف آثار القصف عند هذا الحد، فالروبوتات المتفجرة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في اقتحام المستشفى تطايرت شظايا منها وأصابت جريحاً كان على جهاز التنفس الصناعي بغرفة العناية المركزة بالإضافة للممرض الذي كان يرعاه، كان الوضع صعباً للغاية، تضيف ألبينا.
وعن ورود أي معلومات لها عما تعرض له زوجها الدكتور كمال أبو صفية أكدت ألبينا أنه لم تصلها أي معلومات لكن الأطباء المفرج عنهم أخبروها أنهم تعرضوا للضرب والتعذيب على حد وصفها، مجددة مطلبها بضرورة معرفة مكان احتجاز زوجها وحالته.
وبتوجيه سؤال افتراضي لها عن ماهية الرسالة التي تريد إيصالها لزوجها الطبيب المعتقل لو افترضنا أنه بإمكانه سماعها، تنهدت قليلاً ثم تساءلت في حيرة وعجز" إيش بدي أقوله! إيش بدي أقوله!" قبل أن تستدرك قائلة: "غزة كلها بدها ياه.. غزة كلها بدها ياه، الطاقم الطبي كله في انتظاره".
وعادت ألبينا لتؤكد أن زوجها لم يكن يهمه أي شيء يحدث خارج أسوار المستشفى، وكل جهده وتركيزه منذ بداية الحرب انصب على مساعدة الجرحى والمرضى وإنقاذ حياتهم، قائلة: أبو صفية قدم كل ما في وسعه لإنقاذ حياة المصابين رغم انعدام الإمكانات الطبية اللازمة لذلك، رأيت بنفسي مصابين تقطعت بعض أطرافهم لأشلاء ولعدم وجود عدد وافر من أطباء الجراحة لاستيعاب كل هذه الحالات كان زوجي وتخصصه طب أطفال بالإضافة لأطباء أمراض الباطنة يتطوعون لإجراء العمليات الجراحية ومساعدة الناس.
واختتمت ألبينا حديثها بالإشارة لقصة الحب التي جمعتها بزوجها الطبيب حسام أبو صفية الذي حضر إلى موطنها كازاخستان لدراسة الطب، فتعرفا وجمعتهما قصة حب دفعتها لترك كل شيء والانتقال للعيش معه في شمال غزة منذ عام 1996 وأنها منذ ذلك الحين لم تتخل عنه أو عن أهل غزة رغم أنها وأبناءها جميعاً يحملون جنسية أجنبية.
وجددت مطالبتها بالإفراج عن زوجها ليعودا كما كانا سوياً ولا يفترقا.
ولد حسام أبو صفية في الحادي والعشرين من نوفمبر عام 1973 بمخيم جباليا في محافظة شمال غزة، وتعود أصوله إلى عائلة تعرضت للتهجير عام 1948 من بلدة حمامة التي تقع في قضاء عسقلان، وهو أحد أبرز قادة الفرق الطبية في قطاع غزة، وحصل على شهادة البورد الفلسطيني في طب الأطفال وحديثي الولادة.