أثارت الفيضانات المدمرة التي اندلعت خلال الساعات الماضية، والتي تسبب فيها خلل ناجم عن القتال حول سد جبل أولياء الواقع جنوب غرب العاصمة السودانية الخرطوم، مخاوف من التداعيات الكارثية للحرب المستمرة بين الجيش والدعم السريع في السودان منذ منتصف أبريل 2023، والتي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف حتى الآن.
وعرّضت الفيضانات التي تزايدت حدتها بشكل ملحوظ يوم الإثنين، حياة الملايين في مدن وقرى ولاية النيل الأبيض جنوب غرب السودان، لمخاطر كبيرة، حيث غمرت المياه قرى ومناطق بكاملها وأدت إلى موجة نزوح جديدة، تفاقم من حالة النزوح المستمرة منذ اندلاع الحرب التي أدت إلى تشريد نحو 15 مليون سوداني من منازلهم.
ومنذ أن سيطرت قوات الدعم السريع عليه في أكتوبر الماضي وما تبعه من قصف مستمر لطيران الجيش، ظل سد جبل أولياء الذي ينظم جريان مياه النيل الأبيض ويسهم في توليد نسبة من الإمداد الكهربائي، في قلب معركة السدود والجسور التي باتت جزءا من الحرب الحالية.
وعبر خبراء ومراقبون عن مخاوف كبيرة من أن تمتد الكارثة بشكل كبير، حيث يؤدي أي انفجار محتمل للسد لأضرار تؤثر على أكثر من 13 مليون سوداني يعيشون في نحو 100 قرية ومدينة.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من الجيش على الكارثة حتى الآن، لكن مستشار الدعم السريع الباشا طبيق حمل في تغريدة على حسابه في منصة "إكس"، الجيش مسؤولية فيضان النيل الأبيض، وقال إن قصف طيران الجيش المستمر على الخزان واستهداف بواباته أثر على تنظيم مياه السد وأدى إلى مقتل وجرح 4 من المهندسين الذين كانوا يتابعون عمليات تنظيم البوابات.
تداعيات كارثية
تسبب خلل في بوابات سد جبل أولياء في فيضانات كبيرة في النيل الأبيض، اجتاحت خلال الساعات الماضية عددا من المدن القرى والمناطق الزراعية.
ويعيش أهالي المدن والقرى التي اجتاحتها مياه الفيضانات الحالية، كارثة إنسانية كبيرة حيث غمرت المياه آلاف المساكن والمدارس والمواقع الخدمية، وسط انتشار واسع للأمراض ونقص كبير في الخدمات والمرافق الصحية، فيما فقد مئات المزارعين محاصيلهم وماشيتهم.
وتعتبر المناطق المحيطة بالسد من أكثر المناطق الحضرية والريفية كثافة سكانية حيث تمتد على طول المسافة بينه والعاصمة الخرطوم أكثر من 30 منطقة سكنية ذات كثافة عالية، أما إلى الجنوب منه فتقع على طول بحيرته الممتدة على مسافة 635 كيلومترا أكثر من 70 قرية ومدينة تقطنها مجموعات سكانية تعمل في الزراعة والتجارة والرعي وتضم مشروع النيل الأبيض الزراعي الذي يعتبر واحدا من أهم ثلاثة مشاريع زراعية في البلاد.
ووفقا للصحفي صديق السيد البشير، فإن الأوضاع الإنسانية تزداد سوءا بسبب الفيضانات الجديدة، في وقت يعاني فيه سكان المنطقة أصلا من التأثيرات الكبيرة للحرب.
وقال البشير لموقع "سكاي نيوز عربية": "يهدد فيضان النيل الأبيض الحالي مساحات شاسعة من المناطق السكنية والزراعية، ويمضي نحو التسبب في كارثة إنسانية قد تصعب معالجتها إذا لم تتدارك السلطات المختصة الموقف خصوصا في ظل الأوضاع الصحية والمعيشية المتردية ومخاطر فقدان المزارعين مصادر دخلهم الأساسية في منطقة يعتمد أكثر من 80 في المئة من سكانها على الزراعة والرعي".
مخاطر معارك الجسور
لأكثر من عام ظل السد يتعرض لضربات جوية من طيران الجيش وقصف مدفعي عنيف، في ظل تزايد ملحوظ في نقل المعارك إلى مناطق السدود والجسور الرابطة بين المدن.
ويتبادل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الاتهامات حول مسؤولية تدمير عدد من الجسور والمنشآت الحيوية، وسط تقارير تشير إلى خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
وإضافة إلى سد جبل أولياء والجسر الملحق به، تسببت الحرب في تدمير كلي وجزئي لعدد من الجسور من بينها جسر شمبات الرابط بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان، وجسر الحلفايا الرابط بين المدينتين أيضا، وسط مخاوف كبيرة من تعرض المزيد من الجسور للدمار.
وخلال الأشهر الماضية، دارت معارك شرسة بين الجيش وقوات الدعم السريع حول السد الذي يربطه جسر يعتبر المعبر الرئيسي بين ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض.
وبعد وصول المعارك إلى السد، انسحب عدد كبير من المهندسين والفنيين مما أدى إلى توقف معظم العمليات التشغيلية، وعقد ارتفاع مناسيب مياه النيل الأبيض خلال الفترة الأخيرة من القدرة على التحكم في انسياب المياه.
ويعود سبب احتدام المعارك حول منطقة السد إلى بعد عسكري يتمثل في أن السيطرة على المنطقة تعني التحكم بشكل كبير في جزء مهم من المداخل الجنوبية للعاصمة.
ووفقا لخبير السدود وأنظمة المياه أبوبكر مصطفى، فإن "فوضى الحرب الحالية جاءت لتضع السد في قلب أجندة القتال وتعرض بالتالي حياة الملايين لخطر الغرق، فبسبب القتال المستمر حول السد فر المهندسون من مواقع عملهم، كما تعرضت منشآت السد الأساسية لضربات متلاحقة".
وقال مصطفى لموقع "سكاي نيوز عربية": "حاول طيران الجيش في مرات عديدة قصف جسر السد وأثر ذلك على منشآت أساسية، مما زاد من الخلل الذي يعانيه أصلا بسبب قدم منشآت السد التي بدأ تشغيلها في العام 1937 بتقنيات قديمة لم تعد تناسب المتغيرات المناخية والسكانية والتوسع العمراني الذي حدث خلال العقود الأخيرة".
ويشير مصطفى إلى مشاكل عديدة تواجه السد من حيث قدم تصميمه وطبيعة المواد المكونة لبناء جسمه والمتمثلة في قطع حجرية وصخرية متآكلة وضعيفة. ويوضح: "تأثر السد بعوامل التعرية والمياه وانعدام الصيانة طيلة عمره الذي يقارب 90 عاما، كما أن معدات وملحقات أبواب ومخارج المياه في السد والرافعات قديمة بنفس عمر السد ومتآكلة ورديئة التشغيل".
ويضيف: "تشير تقارير إلى تعطل بعض البوابات عن العمل بسبب ضرب النظام الهيدرولكي الذي يشغل البوابات".
ويبدي خبير السدود مخاوف من أن تقود الآثار المتزايدة للعمليات الحربية لانفجار السد بكامله مما يؤدي إلى كارثة حقيقية تلقي بظلال خطيرة على كافة المناطق الممتدة لأكثر من 700 كيلومتر على طول النيل من منطقة السد في جنوب غرب الخرطوم وحتى مناطق في شمال السودان.
ويرى أن مسؤولية هذه الكارثة التي تهدد ملايين السودانيين تقع على عاتق الأطراف المتحاربة والسلطة الحاكمة بشكل أكبر.