آخر الأخبار

لماذا هاجمت إسرائيل سوريا في هذا التوقيت؟

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

لم تكد تمر ساعات قليلة على هروب الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد من دمشق فجر الأحد 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري حتى سارع الجيش الإسرائيلي إلى استغلال الفراغ الأمني الناتج عن عملية الانتقال المفاجئ للسلطة في سوريا، وانسحاب قوات الأسد من مواقعها الحدودية، ليبادر باجتياح الحدود السورية في المنطقة العازلة التي سبق أن أنشئت وفقا لاتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل الموقعة يوم 31 مايو/ أيار 1974.

وأكد بيان للجيش الإسرائيلي، الأحد الماضي، انتشار قواته "في المنطقة العازلة وفي عدد من المناطق الضرورية للدفاع من أجل ضمان أمن المجتمعات في مرتفعات الجولان ومواطني إسرائيل". والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي تخترق فيها إسرائيل الحدود المرسومة في اتفاقية فك الاشتباك المسماة بخط "يندوف".

ففي وقت سابق من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشفت وكالة أسوشيتد برس، عبر فحص صور الأقمار الصناعية، أن إسرائيل كانت تعمل على مشروع بناء طريق جديد بطول الحدود مع سوريا منذ يوليو/تموز الماضي، وأنها انتهكت المنطقة العازلة أكثر من مرة أثناء البناء.

وفي حادثة أخرى جرت في وقت سابق، وتحديدا في 15 سبتمبر/أيلول الماضي توغلت قوة إسرائيلية رفقة دبابات وجرافات لمسافة 200 متر داخل الأراضي السورية شرق خط فك الاشتباك في محيط بلدة "جباتا الخشب" في القنيطرة. وقبل ذلك أيضا في عام 2022 وسعت إسرائيل وجودها شرقا متجاوزة خط يندوف، وأنشأت طريقا أطلقت عليه "سوفا 53" مخترقة المناطق السورية بعمق يصل إلى كيلومترين، وخلال توغلاتها السابقة اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي مواطنين سوريين من تلك المناطق التي يفترض أنها كانت خاضعة لسيطرة النظام السوري.

إعلان

بيد أن هذه المرة تختلف كثيرا عن كل المرات السابقة، ليس فقط في تزامنها مع رحيل عائلة الأسد عن حكم سوريا، ولكن أيضا في حجم واتساع التوغلات البرية والضربات الجوية الإسرائيلية وحتى الهجمات البحرية. ففي الجو، شن سلاح الجو الإسرائيلي هجمات بأكثر من 350 طائرة داخل الأراضي السورية شملت قواعد عسكرية وطائرات مقاتلة وأنظمة صواريخ ومنظومات دفاع جوي ومواقع إنتاج ومستودعات أسلحة ومخازن أسلحة كيميائية ضمن عملية وصفت بأنها الأكبر في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي، وأسفرت عن تدمير 70-80% من القدرات العسكرية السورية وفق التقديرات الإسرائيلية الرسمية. وحتى الأسطول البحري الروسي لم يسلم من الهجمات بواسطة الصواريخ التابعة للبحرية الإسرائيلية.

وعلى الأرض، توغلت إسرائيل في منطقة حضر باتجاه جبل الشيخ لتسيطر على منطقة مرتفعة يصل ارتفاعها إلى 2200 متر فوق سطح البحر، وتعد أعلى قمة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط وتشرف على الداخل السوري وصولا إلى دمشق وكذلك على لبنان، مما يمنح إسرائيل ميزة عملياتية بالغة الأهمية. كما توغلت القوات في محافظة القنيطرة باتجاه مدينة البعث.

يدفعنا ذلك على التساؤل: ماذا وراء توسع الهجمات الإسرائيلية على الجبهة السورية في الوقت الراهن؟ وما الذي ترغب في تحقيقه؟ وهل التدخلات البرية الراهنة في سوريا مؤقتة كما تدعي إسرائيل أم إنها مقدمة لتغيير الحدود وخلق وقائع جديدة على الأرض؟

لا سلم.. لا حرب

لم تغب سوريا يوما عن أذهان القادة الإسرائيليين منذ تأسيس دولتهم، حيث كانت مساحات واسعة من أراضيها جزءا من الحلم الصهيوني الأكبر. وبينما احتفل نتنياهو بسقوط نظام بشار الأسد الذي اعتبره انكسارا لما يسمى "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، يبدو أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يغب عنه تقدير المخاوف المحتملة من تغيير النظام الذي حافظ طوال 50 عاما على معادلة مفادها أن "لا سلم ولا حرب مع إسرائيل".

إعلان

فمع أن سوريا لم توقع اتفاقية للسلام أو لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أن معادلة الأمر الواقع كانت التهدئة المطلقة للصراع على مرتفعات الجولان، مما جعل الجبهة السورية طوال هذه العقود أكثر الجبهات الإسرائيلية هدوءا واستقرارا. في الحقيقة، يذهب بعض المحللين إلى القول إن نظام الأسد، خاصة في عهد بشار الابن، لم يضع المواجهة مع إسرائيل على قائمة أولوياته لكنه استخدمها ذريعة لتبرير إخفاقاته ونهج القمع الذي اتبعه النظام لعقود، بالإضافة لمحاولة كسب ود المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، والأهم الحفاظ على دعم إيران المهتمة بالحفاظ على خطوط إمداد مفتوحة نحو لبنان مرورا بالأراضي السورية.

في أعقاب اندلاع ما يُعرف بالربيع العربي، استفاد الأسد من معضلة طهران الجيوسياسية، فتورطت معه في حرب على شعبه استمرت 14 عاما وأنفقت فيها طهران بين 30 و50 مليار دولار بحسب ما تشير العديد من المصادر، ومنها مركز كانيغي لدراسات الشرق الأوسط، وذلك سعيا لتثبيت دعائم حكم الأسد كركيزة ضمن ما تسميه طهران بـ"محور المقاومة".

في المقابل، كانت الإستراتيجية الإسرائيلية بشأن ما يحدث في سوريا مركبة وغامضة أحيانا، حيث شعرت الدولة الصهيونية بالقلق جراء انتشار القوات الإيرانية وعناصر الحرس الثوري وحزب الله في الجغرافيا السورية، لكنها في الوقت نفسه لم يبدُ أنها كانت حريصة على انهيار نظام الأسد. ولذا شنت إسرائيل منذ عام 2013 سلسلة من الضربات الجوية داخل سوريا، بدت من خلالها وكأنها تحاول إضعاف الحضور الإيراني في سوريا وليس المشاركة في إضعاف النظام ذاته.

استهدفت إسرائيل خلال هذه الضربات خطوط إمداد إيرانية ومواقع بحوث علمية متفرقة، زعمت أنها تُستغل لصالح تطوير البنية الصاروخية لحزب الله، أبرزها مركز البحوث العلمية في مصياف بريف حماة وسط سوريا. وفي أبريل/نيسان 2022، أفصح الجيش الإسرائيلي عن تنفيذه 400 غارة جوية على سوريا منذ عام 2017 وحتى تاريخ صدور التصريح.

إعلان

تزامنا مع ذلك، ومنذ عام 2018 طورت كل من إسرائيل وروسيا آلية مشتركة بغية التنسيق لمنع حدوث أي عمليات تضارب بينهما داخل سوريا، وبعد ذلك اتفق الطرفان على إبعاد المليشيات الإيرانية عن حدود الجولان لمسافة 80 كيلومترا. وبموجب الاتفاق ثبتت موسكو عدة نقاط عسكرية على طول الخط الفاصل بين سوريا وإسرائيل من جهة الجولان، وكثفت إسرائيل بالتوازي عملياتها ضد أي وجود إيراني في تلك المنطقة بالتنسيق مع روسيا، لكن وتيرة عملياتها قد انخفضت منذ عام 2022 بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والخلاف الروسي الإسرائيلي بشأنها.

مصدر الصورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) والرئيس السوري المخلوع بشار الأسد (رويترز)

تأثير الطوفان

في المجمل، لم يمانع الأسد من الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للأجواء والأراضي السورية بغية استهداف إيران وحزب الله، بل لعله وفق عدد من التحليلات، وجد فيها فرصة لإضعاف قبضة إيران على نظامه، في الوقت الذي بدأ فيه يتطلع لاستعادة الاعتراف الإقليمي، وربما الدولي، بنظامه، وهذا الأمر كان يتطلب رسم مسار يتعارض مع مصالح طهران وسياساتها الإقليمية.

ظهرت هذه المسارات المتعارضة في صورتها الأوضح مع اندلاع طوفان الأقصى والارتدادات الإقليمية المصاحبة له، وفي مقدمتها حشد "محور المقاومة" جهوده لمواجهة إسرائيل، حيث التزم نظام الأسد حيادا نسبيا (على خلاف رغبة إيران) وآثر البقاء خارج الصراع. أحد الأسباب وراء ذلك -كما أوردت مصادر صحفية غربية- أن إسرائيل مررت رسائل إلى حكومة الأسد حذرته من تدمير نظامه إذا قرر فتح جبهة جديدة للحرب في سوريا، بل إن تقريرا أشار إلى أن مقر إقامة شقيق الأسد (ماهر) تعرض لقصف إسرائيلي رغم عدم صدور تأكيد بشأن ذلك من أي من الطرفين.

كان لدى الأسد أسباب أخرى للبقاء خارج الصراع، حيث كان الرئيس الذي اهتز عرشه بفعل 14 عاما من الحرب على شعبه، يرغب في أن يكافأ على "ضبط النفس" الذي سيظهره بواسطة الغرب من خلال تخفيف العقوبات، وخاصة مع تنامي الرغبة في ترحيل اللاجئين السوريين من أوروبا. وقد سعت ثماني دول أوروبية بقيادة إيطاليا إلى إقامة نوع من التعاون مع دمشق لضمان عودة السوريين، حتى إن المفوضية الأوروبية كانت تدرس ما إذا كان ينبغي لها أن ترشح مبعوثا خاصا جديدا إلى سوريا. في غضون ذلك، أشار موقع أكسيوس إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قادت جهود إعادة تأهيل النظام السوري عربيا وإقليميا، حذرت الأسد من التورط في الحرب.

إعلان

خلف ذلك كله، لا يمكن تجاهل المزاج الشخصي لبشار الأسد الذي لم ينس بعد لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) موقفها بالانحياز إلى الثورة السورية الذي أدى إلى قطيعة بين الطرفين انتهت في صيغتها الرسمية عام 2022، لكنها علاقات ظلت باردة ومجمدة ولم تأخذ صيغة دبلوماسية جدية من ذلك الحين. هذه العوامل مجتمعة رسخت حالة "اللا سلم واللا حرب" التي أثبتت أنها تخدم مصالح الطرفين، كما أسست لتوافق ضمني بين بشار الأسد وإسرائيل على قاعدة "التراشق اللفظي.. والتوافق الضمني"، حيث تغاضى الطرفان عن أي تصعيد خطابي مقابل عدم المساس بالخطوط الحمراء على الأرض.

لكن يُعتقد أن نظام الأسد ذهب إلى ما أبعد من ذلك، فلم يغض الطرف فقط على الضربات الإسرائيلية لإيران في سوريا، بل ربما سهل حدوثها. تعمقت شكوك إيران حيال ذلك في أعقاب الضربات الإسرائيلية الدقيقة لمسؤولي الحرس الثوري في سوريا، والتي يعتقد بعض المسؤولين الإيرانيين أن الأسد هو من سرب المعلومات حول تحركاتهم.

وأكثر من ذلك، يشير معهد "كارنيغي" إلى أن الأسد رفض طلبا من قبل مسؤولي الحرس الثوري لفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل في الجولان. والأكثر استفزازا أن دمشق بدأت في الحد من الأنشطة الدينية الشيعية في مختلف أنحاء سوريا، مما يشكل تحديا مباشرا لجهود إيران الرامية إلى توسيع نفوذها الأيديولوجي والثقافي في المنطقة.

ورغم أن الأسد لم يستطع إبعاد الإيرانيين من سوريا، فإنه تواطأ مع الروس -غالبا- لإطلاق يد إسرائيل لقصف أصول طهران واغتيال جنرالاتها، حتى إن إسرائيل طمعت فيما هو أبعد من ذلك. وقبيل اندلاع عمليات المعارضة السورية تحت اسم "ردع العدوان"، عقد وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر مؤتمرا صحافيا قال فيه إن موسكو يجب أن تعلب دورا في وقف إمداد حزب الله بالأسلحة عبر سوريا، وممارسة الضغط على بشار الأسد لاتخاذ خطوات جادة في هذا المسار. ولم يتأخر الرد الروسي على ما قاله ساعر، حيث أعلن مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف أن منع وصول السلاح لحزب الله من سوريا "ليس جزءا من التفويض الروسي العسكري في البلاد".

مصدر الصورة ظلت مرتفعات الجولان منطقة هادئة في ظل اشتعال الجبهات الأخرى أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة. (الجزيرة)

ماذا تريد إسرائيل؟

في ضوء ذلك، من غير المرجح أن إسرائيل كانت ترغب في إسقاط نظام الأسد في الوقت الراهن رغم العداء المعلن بين الطرف ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا سوريا بشار الأسد اسرائيل

إقرأ أيضا