آخر الأخبار

الحلم الأميركي لطبقة محدودة والرفاه لمن يدفع أكثر

شارك

تبدو الولايات المتحدة اليوم أبعد ما تكون عن صورة البلد الموحد بالطبقة الوسطى والطموحات المشتركة.

فبحسب تقرير نشرته فايننشال تايمز، باتت الشركات الأميركية تبني نماذج أعمالها على التمييز الطبقي بين المستهلكين، سعيا لاستخلاص أكبر قدر ممكن من الأموال من فئة الأثرياء، ولو على حساب الغالبية التي تكافح لتأمين معيشتها.

وتوضح الصحيفة أن هذا التحول يظهر بوضوح في عالم الترفيه والسفر والتجزئة، في "ديزني وورلد"، التي كانت ترفع شعار "الجميع شخصيات مهمة"، أصبح بإمكان الزائر شراء جولة "كبار الشخصيات" مقابل 900 دولار في الساعة دون أن يشمل السعر تذاكر الدخول.

وفي "كوستكو"، لم يعد الاشتراك للتسوق كافيا، إذ يمكن دفع رسوم إضافية للحصول على "عضوية تنفيذية" تتيح ساعات تسوق حصرية.

أما "دلتا إيرلاينز" فحوّلت التمايز إلى فن تجاري، إذ أطلقت صالات "دلتا ون" الفاخرة فوق خدماتها التقليدية، وأبلغت المستثمرين الشهر الماضي أنها ستجني قريبا إيرادات من تذاكر الفئة الممتازة تفوق مجمل إيرادات المقصورة العادية.

مصدر الصورة الحلم الأميركي القديم يتراجع أمام واقع يُقاس بثمن التذكرة والمقعد (غيتي)

الاقتصاد المنقسم يدفع الشركات نحو الأغنياء

وترى "فايننشال تايمز" أن هذه الإستراتيجية منطقية على المدى القصير في ظل انقسام اقتصادي عميق.

فـ"أعلى 10% من أصحاب الدخل باتوا مسؤولين عن نحو نصف الإنفاق في البلاد"، مقارنة بثلث فقط في تسعينيات القرن الماضي.

ويرتبط ذلك بازدهار أسواق الأسهم، حيث ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بأكثر من 15% هذا العام، لكن الصورة قاتمة لبقية الأميركيين، فحالات التسريح تتزايد، ومؤشر ثقة المستهلك تراجع بنسبة 30% خلال عام واحد، وثلاثة من كل 4 أميركيين يرون أن الاقتصاد في "حالة سيئة أو متوسطة".

نتائج الشركات تكشف الفجوة الاجتماعية

وتظهر آثار هذا الانقسام في نتائج الشركات الكبرى. فمجموعة "إل في إم إتش" الفرنسية سجلت ارتفاعا بنسبة 3% في مبيعاتها داخل السوق الأميركية خلال الربع الثالث، بينما خفّضت سلسلة "تشيبوتلي" من توقعاتها بسبب ما وصفته بـ"تراجع حاد في إنفاق العملاء منخفضي الدخل".

إعلان

وقال أحد المديرين التنفيذيين في شركة طيران أميركية إن بياناتهم أظهرت فارقا واضحا في سلوك المستهلكين، حيث إن الأسر التي تتجاوز دخولها 225 ألف دولار سنويا تواصل الإنفاق، أما من هم دون هذا الحد فقد "خفضوا السفر بشكل كبير".

الذكاء الاصطناعي يعمّق التمايز

ووفق التقرير، تستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الاستهلاك وتحديد العملاء الأكثر ثراء بدقة متزايدة، ما يجعلها تميل أكثر إلى استهداف الشريحة العليا فقط.

ورفعت شركتا "جيه بي مورغان تشايس" و"أميركان إكسبريس" الرسوم على بطاقاتهما الائتمانية المميزة مع إضافة امتيازات جديدة، فيما تقدم "يونايتد إيرلاينز" خدمة درجة رجال أعمال فاخرة تشمل تقديم الكافيار ومقاعد أوسع بنسبة 25%.

مصدر الصورة الشركات الأميركية تبني أرباحها على التمييز بين الطبقات (رويترز)

خطر سياسي متصاعد

وتحذر "فايننشال تايمز" من أن تجاهل الشركات لعملائها الأقل دخلا قد يجرها إلى صدام سياسي، خاصة بعد أن ساهمت قضايا مثل ارتفاع الأسعار وفقدان القدرة على تحمل تكاليف المعيشة في فوز الديمقراطيين بالانتخابات المحلية الأخيرة من نيويورك إلى فيرجينيا وجورجيا.

وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس دونالد ترامب تحرك عقب خسائر الجمهوريين بخطوات "شعبوية"، منها خفض أسعار أدوية السمنة الشهيرة وفتح تحقيق في رفع أسعار اللحوم استجابة لغضب المستهلكين.

الطبقة الوسطى تتلاشى

ويرى التقرير أن التركيز على الأثرياء يحمل مخاطر اقتصادية واجتماعية طويلة المدى، إذ لا يمكن لأي شركة أن تعيش على ثروة القلة فقط.

وينقل عن أحد الرؤساء التنفيذيين قوله إن "السلع الفاخرة تبقى مغرية فقط لأن الطبقات الأخرى تراها حلما قابلا للتحقق".

لكن هذا الحلم بدأ يتآكل، حيث يذكر التقرير أن نسبة الأميركيين الذين يصفون أنفسهم بأنهم من الطبقة الوسطى انخفضت من 85% قبل عقد إلى 54% اليوم، بينما يعتبر أكثر من 40% أنفسهم من الطبقة العاملة أو الفقيرة.

وتختم "فايننشال تايمز" بأن ما كان يُعرف بـ"الحلم الأميركي" صار اليوم نظاما قائما على الدفع مقابل المكانة، حيث لم تعد المساواة في الفرص هي القاعدة، بل الرفاه لمن يدفع أكثر.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار