في تطور وصف بأنه "ضربة جديدة" للعلاقات بين نيودلهي وواشنطن، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسم قدره 100 ألف دولار على كل طلب جديد لتأشيرة العمل "إتش-1 بي" الخاصة بالعمالة الماهرة الأجنبية.
القرار، الذي يستهدف مباشرة الكفاءات الهندية التي تشكل أكثر من 70% من حاملي هذه التأشيرات، يُهدد قطاع التكنولوجيا والخدمات في الهند، البالغ حجمه 280 مليار دولار، ويضع آلاف الوظائف في مهب الريح. هذه الخطوة جاءت في لحظة بدت فيها العلاقات الثنائية على وشك التحسن بعد خلافات تجارية متصاعدة، لكنها أعادت، كما وصفت بلومبيرغ، "العلاقة إلى المربع الأول".
وأشارت بلومبيرغ إلى أن الرسوم الجديدة تُعد بمثابة "حاجز غير جمركي" يستهدف جوهر النموذج الاقتصادي الهندي القائم على تصدير الكفاءات. بيسواجيت دار، أستاذ الاقتصاد في معهد البحوث الاجتماعية في نيودلهي، قال إن "رسم 100 ألف دولار يشكل حاجزا غير جمركي يهدف إلى استبعاد المهنيين الهنود، وهو ضربة قاسية للعلاقة الثنائية".
وتعتمد الهند على قطاع تكنولوجيا المعلومات والخدمات ليشكل نحو 55% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ17% فقط لقطاع التصنيع. ويعمل في هذا القطاع نحو 6 ملايين موظف بشكل مباشر، مع إضافة 125 ألف وظيفة جديدة خلال العام الماضي. لكن القيود الأميركية الجديدة تُهدد بإبطاء وتيرة النمو وتقليص قدرة الشركات على التوسع في أكبر أسواقها.
القرار يُهدد أيضا التدفقات المالية من الخارج، إذ تُقدَّر تحويلات الهنود العاملين في أميركا بنحو 35 مليار دولار سنويا، مما يعزز المخاوف من ضغوط جديدة على الروبية الهندية، التي تُعد من بين العملات الأضعف أداء في آسيا.
ولم يأتِ هذا الإجراء بمعزل عن خلفيات أوسع، ففي أغسطس/آب فرضت إدارة ترامب رسوما جمركية بنسبة 50% على الصادرات الهندية، لمعاقبة نيودلهي على مواصلة شراء النفط من روسيا. ورغم محاولة التهدئة عبر استئناف المفاوضات التجارية ومكالمة تهنئة من ترامب لرئيس الوزراء ناريندرا مودي في عيد ميلاده، فإن القيود على التأشيرات نسفت الأجواء الإيجابية.
وبحسب بلومبيرغ، فإن إدارة ترامب تضغط أيضا على قادة مجموعة السبع لتشديد الرسوم على كل من الهند والصين بسبب تعاملهما مع موسكو.
في المقابل، ترفض نيودلهي التراجع عن استيراد الطاقة الروسية، مما يجعلها في مواجهة مفتوحة مع واشنطن، ويُعقّد فرص الوصول إلى أي صفقة تجارية شاملة.
وقالت سُونال فارما، كبيرة الاقتصاديين في "نومورا" بسنغافورة إن "المحادثات التجارية بين الهند وأميركا تزداد تشابكا مع الأهداف الجيوسياسية، وهو ما يعقّد القدرة على حل الخلافات".
وتتفاعل الأزمة داخل الهند بحدة، فمعدل بطالة الشباب يقترب من 40% بحسب بيانات "مركز مراقبة الاقتصاد الهندي"، والاقتصاد لا يزال عاجزا عن خلق فرص عمل تكفي لـ1.4 مليار نسمة.
ومع أن الهند تُعد أسرع الاقتصادات الكبرى نمو ا، فإن أزمة التأشيرات تُفاقم المخاوف من تفاقم البطالة، خاصة بين الشباب الطامحين إلى وظائف أفضل في قطاع التكنولوجيا والخدمات في أميركا.
في حين صعّدت المعارضة الهندية انتقاداتها، إذ وصف حزب المؤتمر صمت مودي بأنه دليل على "ضعف"، كما رأت الأحزاب اليسارية أن الإجراءات الأميركية تمثل "تنمّرا اقتصاديا".
وأوضحت بلومبيرغ أن الأزمة الأخيرة تنقل النزاع بين البلدين من ساحة الرسوم الجمركية على السلع إلى قلب الاقتصاد الهندي المعتمد على الخدمات.
ويحذر محللون من أن هذه الخطوة قد تضع نيودلهي في موقف تفاوضي أضعف، وتجعلها أقل قدرة على مقاومة المطالب الأميركية في مجالات أخرى مثل الطاقة والدفاع.
وقالت ديبورا إلمز، رئيسة مؤسسة "هينريخ" للسياسات التجارية في سنغافورة إن "الهند طالما أثارت في مفاوضاتها مسألة أهمية حركة الأشخاص لتسليم الخدمات، لكن هذه القضية لم تكن على رأس أولويات ترامب. الآن أصبحت في قلب المفاوضات".