تُعد تحويلات المغتربين أحد أبرز مصادر التمويل المتنامية في أفريقيا، حيث تجاوزت في كثير من الأحيان الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساعدات الإنمائية الرسمية.
ومع تراجع الدعم الخارجي، تبرز هذه التحويلات كبديل محتمل لسد الفجوة التمويلية التي تُقدّر بنحو 130 إلى 170 مليار دولار سنويا، وفقا للبنك الأفريقي للتنمية.
ورغم أن تحويلات المغتربين بلغت نحو 100 مليار دولار في عام 2024، ويتوقع البنك الدولي أن تصل إلى 500 مليار دولار بحلول 2035، فإن معظم هذه الأموال تُستخدم في الاستهلاك الأسري، لا في تمويل مشاريع تنموية ذات أثر اقتصادي واسع.
في ظل هذه المعطيات، تتجه دول أفريقية نحو إصدار سندات المغتربين كأداة تمويلية بديلة، تُعرض بعوائد منخفضة مقابل دعم رمزي من المواطنين في الخارج.
لكن هذه السندات تواجه تحديات كبيرة، أبرزها ضعف الشفافية، ومحدودية العوائد، وارتفاع المخاطر، مما يحد من إقبال المغتربين على الاستثمار فيها.
ويقول مصرفي في بنك ستاندرد تشارترد بغرب أفريقيا إن "غالبية المغتربين ليسوا من أصحاب الثروات، ولديهم بدائل ادخارية في دول الإقامة توفر عوائد أفضل".
تُعد إثيوبيا حالة فريدة، إذ نجحت في استخدام سندات المغتربين لتمويل مشروع سد النهضة بعد انسحاب المؤسسات المالية الدولية.
لكن تجربتها السابقة مع "سندات السد" عام 2008 لم تحقق نتائج تُذكر بسبب ضعف العوائد ومتطلبات الشراء المرتفعة.
أما نيجيريا، فقد نجحت في إصدار سندات بقيمة 300 مليون دولار عام 2017 بعد تسجيله لدى هيئة الأوراق المالية الأميركية، وتستعد لإصدار ثانٍ.
وكينيا بدورها تخطط لجمع ما بين 200 و500 مليون دولار بحلول 2026، بدعم من وكالة ضمان الاستثمار التابعة للبنك الدولي، التي تساعد في هيكلة السندات وإدارة المخاطر.
رغم الاستقرار النسبي الذي توفره سندات المغتربين، فإن توقيت الطرح يظل حاسما، خاصة في ظل أزمة الديون التي تواجهها دول أفريقية عدة.
كما أن الاضطرابات السياسية، مثل الفساد والبطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، قد تؤثر سلبا على ثقة المغتربين، في حين يصعب على الدول الهشة مثل جنوب السودان ودول الساحل جذب هذا النوع من التمويل.
تجارب دول مثل الهند تُظهر أن النجاح في هذا المسار يتطلب هيكلة سليمة، وشفافية عالية، وربط السندات بمشاريع محددة ذات أثر ملموس.
ويُحذر مسؤول في وزارة الخزانة الكينية من تسييس هذه السندات، مؤكدا أن المشاريع العامة تحتاج إلى "رأس مال صبور"، وهو ما قد يتردد المغتربون في تقديمه من دون ضمانات واضحة.
وفي كينيا، لا تزال مرحلة الهيكلة في بدايتها، لكن الحكومة تدرس تقديم حوافز ضريبية وتسويق السندات عبر بنك استثماري دولي موثوق.
وإذا نجح إصدار 2026، فقد يُمهّد الطريق لسندات أكبر لتمويل مشاريع ضخمة، ويُعيد رسم خريطة التمويل في القارة الأفريقية.