آخر الأخبار

الشوكولاتة: من "طعام إلهي" إلى "مال ينمو على الأشجار"

شارك
مصدر الصورة

وأنتم تتجهون لشراء الشوكولاتة، محتارون بين أنواعها المختلفة ونكهاتها المميزة، هل تساءلتم يوماً كيف حصلنا على "هذه المكافأة"؟

وبعيداً عن أصلها المعروف كبذرة للكاكاو، كيف توصل الإنسان لاختراع الشوكولاتة؟

ماذا عن أول نكهة لسائل الشوكولاتة كيف كانت يا ترى؟ هل كانت حلوة الطعم، أم حارة، أم محشوة بأنواع المكسرات المختلفة وجوز الهند كما هو حالها اليوم.

عندما بدأت كتابة هذا التقرير بمناسبة اليوم العالمي للشوكولاتة الذي يصادف السابع من تموز/أيلول. فاجأني تاريخ الشوكولاتة، وتقديس بعض الشعوب القديمة لها. وما نجده اليوم سهلاً في متناول اليد لاختلاف الأنواع والأسعار لم يكن كذلك سابقاً، إذ كانت الشوكولاتة في بعض العصور امتيازاً لا يملكه سوى الأثرياء.

كيف كان شكل الشوكلاتة في الحضارات القديمة؟

"طعام إلهي"، هكذا اعتبرت أول حضارات اكتشفت أصل الشوكولاتة في أمريكا الوسطى، بين قبائل المايا والتولتك والأزتيك.

على يد القبائل التي عاشت في أمريكا الوسطى، زُرعت قبل 3 آلاف عام شجرة الكاكاو، واستُخدمت كمشروب احتفالي.

وتنقل موسوعة بريتانيكا أن شعوب المايا اعتبرت الشوكولاتة "غذاءً للآلهة، وقدست شجرة الكاكاو، ودفنت كبار الشخصيات مع أوعية من هذه المادة، إلى جانب أشياء أخرى اعتبروها مفيدة في الحياة الآخرة".

"قبل قرون من تذوقنا لأول لوح شوكولاتة، كان الكاكاو يُستخدم كمشروب، لكن بعيداً عن طعمه الحلو المعروف لدينا اليوم، كان مشروب المايا من الكاكاو يميل إلى المذاق المالح أو اللاذع"، تقول المؤرخة المتخصصة في تاريخ الطعام سام بيلتون.

وتوضح بيلتون في بحث لها نشرته عبر الموقع الإلكتروني لمنظمة التراث الإنجليزي، أن حبوب الكاكاو في ذلك الوقت، كانت تطحن مع الذرة وتمزج بالماء، وقد يضاف إليها بعض التوابل مثل الفانيليا، وتوابل حارة تشبه الفلفل الأسود وأحياناً القرفة، وتؤخذ بعضها من "زهرة الأذن-ear flower".

وتضيف: "كان مزيج الشوكولاتة يُصب بعد ذلك بين إناءين من ارتفاع معين، لتكوين مشروب رغوي".

أما الأزتيك، فكانوا "يُضيفون المزيد من النكهة للمشروب عبر مسحوق الفلفل الحار وملون طبيعي 'Achiote'، مما يُعطيه لوناً قرمزياً. وفي بعض الأحيان عملوا على غلي الشراب للحصول على نسخة بدائية من الشوكولاتة الساخنة التي نعرفها في وقتنا الحالي"، تقول بيلتون.

مصدر الصورة

تقول موسوعة بريتانيكا إن شعوب المايا والتولتك والأزتك استخدموا حبوب الكاكاو أيضاً كعملة نقدية. وصفتها بيلتون في بحثها بـ "المال على الأشجار".

وحالياً يُشار إلى أن من مناطق إنتاج الكاكاو الرئيسية حول العالم، دول غرب أفريقيا مثل ساحل العاج وغانا، المسؤولة عن إنتاج 60 في المئة من الكاكاو حول العالم، وفق إحصائيات نشرتها الأمم المتحدة.

لكن كيف بدأ انتشار الشوكولاتة في دول العالم، ثم في الأسواق؟

كيف تحولت الشوكولاتة من سائل مر إلى لوح؟

مصدر الصورة

كانت إسبانيا أول دولة أوروبية تُدرج الشوكولاتة في مطبخها، ولكن كيفية حدوث ذلك بالضبط ليست واضحة، تقول موسوعة بريتانيكا.

لكن الموسوعة لفتت إلى أنه "من المعروف أن كريستوفر كولومبوس [الرحالة الإيطالي] أخذ حبوب الكاكاو إلى إسبانيا بعد رحلته الرابعة عام 1502، على الرغم من إثارة القليل حول الموضوع في ذلك الوقت".

كما تحدثت الموسوعة عن اعتقاد سائد دون دليل حول تقديم حاكم الأزتك في المكسيك في عام 1519، مشروباً مراً من حبوب الكاكاو إلى القائد الإسباني هيرنان كورتيس، الذي أدخل المشروب لاحقاً إلى إسبانيا.

ومن المحتمل أن الشوكولاتة وصلت لأول مرة إلى إسبانيا "في عام 1544 مع ممثلي شعب المايا-كيكتشي في غواتيمالا، الذين جاءوا حاملين الهدايا (بما في ذلك الشوكولاتة) لزيارة بلاط الأمير فيليب. ومع ذلك، لم تصل أول شحنة مسجلة من حبوب الكاكاو إلى إسبانيا من ولاية فيراكروز في المكسيك إلا في عام 1585".

بعد ذلك تقول الموسوعة إن الشوكولاتة المحلاة والمنكهة بالقرفة والفانيليا، قدمت كمشروب ساخن وأصبحت شائعة جداً في البلاط الإسباني. ثم بعد سنوات عديدة دخلت الشوكولاتة إلى فرنسا وإنجلترا وغيرها.

وفي عام 1657، افتتح رجل فرنسي متجراً لبيع الشوكولاتة الصلبة، لكن حينها كان هذا النوع من الشوكولاتة يستخدم لصنع الشراب الساخن منها.

إلا أنه في ذلك الوقت أيضاً وبسبب سعرها المرتفع، ظلت الشوكولاتة منتشرة بين أوساط الأثرياء. وظهرت في لندن وأمستردام وعواصم أوروبية أخرى مصانع شوكولاتة راقية، تطور بعضها لاحقاً إلى نوادٍ خاصة شهيرة.

تذكر الموسوعة أنه في لندن، استُخدمت العديد من مصانع الشوكولاتة كمقار اجتماعات للأحزاب السياسية. واستخدمت أيضاً لأنشطة المقامرة، كان المشاركون فيها يراهنون بمبالغ ضخمة أو ممتلكات ثمينة.

ومن أشهر نوادي الشوكولاتة حينها كان "بيت شوكولاتة شجرة الكاكاو"، وعُرِف لاحقاً باسم "نادي شجرة الكاكاو"، وافتُتح عام 1698، و"بيت شوكولاتة وايت" الذي افتتحه فرانسيس وايت عام 1693.

أعاقت بريطانيا العظمى انخفاض تكلفة مشروب الشوكولاتة عبر فرض رسوم جمركية على حبوب الكاكاو الخام، لذا لم تحصل الشوكولاتة على مكانتها الشعبية حتى منتصف القرن التاسع عشر.

لكن انتشرت الشوكولاتة في هذه الأثناء وتطورت صناعتها في أماكن أخرى، مثل المستعمرات الأمريكية في ماساتشوستس ودورشيستر عام 1765.

وتقول المؤرخة المتخصصة في تاريخ الطعام سام بيلتون إنه على الرغم من استهلاك الشوكولاتة في المقام الأول كمشروب، إلا أنها استُخدمت أيضاً في الحلويات منذ القرن الثامن عشر على الأقل.

على سبيل المثال "في قاموس الطهاة والحلوانيين عام 1723، يقدّم جون نوت ستة تحضيرات للشوكولاتة، بما في ذلك بسكويت الشوكولاتة ونبيذ الشوكولاتة. أما معاصره تشارلز كارتر، فقدم وصفات لبودينغ الشوكولاتة وكريمة الشوكولاتة في كتابه (الطبخ العملي الكامل) عام 1730".

وفي عام 1828، طور الكيميائي الهولندي كونراد يوهانس فان هوتن عملية "تحول الحبوب إلى مسحوق. مما سهّل خلطها بالماء وهضمها. ومكّن ذلك أيضاً من إنتاج الشوكولاتة بكميات كبيرة، وأخيراً أصبحت في متناول الجميع"، كما تشير بيلتون.

وتشرح الموسوعة البريطانية أن براءة الاختراع التي حصل عليها هوتن كانت نتاج، عصر معظم الدهون، أو زبدة الكاكاو، من حبوب الكاكاو المطحونة والمحمصة، للحصول على مسحوق الكاكاو.

وفي عام 1847، عملت شركة "فراي آند سانز-Fry and Sons" الإنجليزية، على دمج زبدة الكاكاو مع سائل الشوكولاتة والسكر لإنتاج شوكولاتة حلوة تصلح للأكل - وأصبحت أساس غالبية حلويات الشوكولاتة.

وفي عام 1876، أضاف السويسري دانيال بيتر الحليب المجفف لصنع شوكولاتة الحليب. وسرعان ما تبع ذلك انتشار أطعمة الشوكولاتة المنكهة والصلبة والمغلفة.

ومن أوروبا، انتقلت الشوكولاتة لاحقاً إلى دول الشرق الأوسط. مثل سوريا التي أدخل إليها صادق الغراوي الشوكولاتة عام 1931، بعد رحلة إلى العاصمة الفرنسية باريس.

لماذا نحب الشوكولاتة؟

مصدر الصورة

لا يفترض هذا السؤال أننا جميعاً نحب الشوكولاتة، لكن إجابته موجهة لمحبيها.

الطبيب الراحل مايكل موسلي في مقال له عبر بي بي سي قبل سنوات بحث عن إجابات لهذا السؤال مع عالم النبات جيمس وونغ.

وأجاب: "تؤدي عملية تحميص حبوب الكاكاو الأساسية في صنع الشوكولاتة إلى إطلاق مجموعة من المركبات الكيميائية مثل حمض 3-ميثيل بيوتانويك، ثلاثي كبريتيد ثنائي الميثيل... وينتج عن تفاعل هذه الجزيئات العطرية مع غيرها، بصمة كيميائية فريدة تعشقها أدمغتنا".

وأضاف أن الشوكولاتة تحتوي على عدد من المواد الكيميائية المؤثرة نفسياً، منها الأنانداميد، وهو ناقل عصبي اشتق اسمه من اللغة السنسكريتية - "أناندا"، ويعني "الفرح، النعيم، البهجة".

تقول أخصائية التغذية العلاجية فاتن النشاش لـبي بي سي، "إن الانجذاب للشوكولاتة نابع من أسباب كيميائية وأخرى سلوكية".

وتشرح أن الأسباب الكيميائية تعود لاحتواء الشوكولاتة على "مركبات تؤثر بشكل مباشر على الدماغ والجهاز العصبي أبرزها الحمض الأميني تريبتوفان، ويدخل في تكوين السيروتونين الناقل العصبي المسؤول عن تحسين المزاج وشعورنا بالسعادة والراحة".

كما تحتوي أيضاً على القليل من الكافيين كجرعة منبهة تزيد من التركيز والشعور بالنشاط، تضيف النشاش.

وتلفت النشاش أيضاً إلى مكونات الشوكلاتة من الدهون والسكر، "المكونان المرتبطان بنظام المكافأة في الدماغ. وعند حصولنا عليهما يطلق الدوبامين"، -وهو ناقصل عصبي أيضاً ومادة كيميائية مرتبط بالمتعة والتحفيز ويعرف باسم هرمون السعادة-.

الصحفي الطبي موسلي قال إنه من النادر أن تجد مستويات عالية من السكر والدهون معاً في الطبيعة. لكن بالنظر إلى عبوات العديد من الشوكولاتة الممزوجة بالحليب فإنها غالباً ما تحتوي على 20-25 في المئة من الدهون و40-50 في المئة من السكر، ما يؤدي إلى استمتاعنا بالشوكولاتة.

أما سلوكياً، فتجد النشاش أن حب الشوكولاتة ناجم عن ارتباطها بالمناسبات السعيدة مثل الأعياد وحفلات الزفاف وغيرها من العادات الاجتماعية السعيدة. وقد يتجه البعض عند التوتر لتناول الشوكولاتة، وهذا سبب سلوكي مرتبط بالأسباب الكيميائية، وفق قولها.

وتلفت إلى أن الشوكولاتة الداكنة هي النوع المفيد للقلب لاحتوائها على مضادات الأكسدة. والكمية المناسبة لتناولها يومياً هي 30 غراماً.

"لن يشعر دماغك بدفعة كيميائية كبيرة من تناول بضع قطع. ومع ذلك، فإنها قد تلعب دوراً صغيراً في إغواء حواسنا"، لفت موسلي.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار