آخر الأخبار

الابتزاز الإلكتروني.. جريمة تودي بحياة عراقيات فأين القانون؟

شارك
أرواح بنات تذهب ضحية للابتزاز الإلكتروني في العراق. في إحدى الحالات اخترق المبتز حساب تلغرام لفتاة، وعندما رفضت الخضوع، أرسل صورها لعائلتها ونشرها على القنوات، فكانت النتيجة قتلها على يد أحد أقاربها، بحسب (ت-م)صورة من: AHMAD AL-RUBAYE/AFP

ارتفعت معدلات الابتزاز الإلكتروني في العراق خلال السنوات الماضية بشكل ملحوظ، ويُرجع قانونيون وخبراء ذلك إلى بطء الإجراءات القانونية قياسًا بسرعة تنفيذ جريمة الابتزاز، فيما لا تصل أغلب الحالات إلى القضاء لأن الضحايا يفضّلون حل الأمر وديًا وعشائريا أو التزام الصمت والخضوع للمبتز ماديا وجنسيا. ومع ذلك، أعلنت وزارة الداخلية العراقية مؤخرًا عن إلقاء القبض على أربعين متهمًا في قضايا ابتزاز إلكتروني خلال ثلاثة أشهر فقط.

الشرطة المجتمعية: العدالة التصالحية هي الحل المؤقت

يقول مدير مديرية الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية علي عجمي رسول لـDW إن "أغلب حالات الابتزاز الإلكتروني لا يتم التعامل معها قضائيًا، وذلك بطلب من الضحية التي ترفض تقديم شكوى وتكتفي بطلب المساعدة لإنهاء حالة الابتزاز حفاظًا على مكانتها الاجتماعية والعشائرية". ويتابع عجمي رسول: "لذلك تتعامل الشرطة المجتمعية مع معظم حالات الابتزاز الإلكتروني وفقًا لمبدأ العدالة التصالحية بين الضحية والمبتز. وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض الضحايا – وهم النسبة الأقل – يقدمون شكاوى رسمية، ويتم التعامل معها وفق السياقات القانونية المتبعة وصولًا إلى القضاء".

ضحايا في عمر الزهور

بحسب عجمي رسول "أغلب عمليات الابتزاز متشابهة، والضحايا الأكبر هن الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 14 و25 سنة، وهذا لا يعني أن الشبان لا يتعرضون للابتزاز. فقد واجهنا قضية لفتاة قامت بابتزاز عشرات الفتيات والشبان معًا، من خلال الحديث معهم وإيهامهم بأنها تقدم نصائح للاحتياجات العاطفية، ثم تستدرجهم وتصورهم لتقوم بابتزازهم لاحقًا. وقد نجحت في ذلك، إلا أننا تمكنّا من نصب كمين لها وإلقاء القبض عليها".

الحل العشائري.. بين الرفض والواقع

وعن سؤال حول هل يفضلون كشرطة مجتمعية والقضاء اللجوء إلى العشائر لحل قضايا الابتزاز الإلكتروني ، أجاب عجمي رسول: "على العكس، نحن نؤكد أن الحل العشائري غير صحيح، لكن ذلك لا يمنع من أن تكون العشائر عاملًا مساعدًا في بعض الأحيان للتصدي للحالة. ولا نستطيع إنكار وجود تدخل للعشائر في بعض المناطق، لكن هذا الدور يتراجع أمام الدور المتزايد للقضاء والقانون، والحملات التي نقوم بها في الشرطة المجتمعية للتوعية بخطورة الأمر وانتشاره، وضرورة التعامل معه قانونيًا".

فتيات قتلن بسبب الابتزاز

قضت DW (دويتشه فيله) ثلاثة أيام في معايشة مع فريق محاربي الابتزاز الإلكتروني، وكان الهدف منها رصد حالات الابتزاز الإلكتروني التي يتلقون بلاغات عنها، وطبيعة هذه الحالات وطرق معالجتها. وخلال تلك المدة وصل عدد الذين أرسلوا رسائل استغاثة لإنقاذهم من مبتزيهم إلى 279 رسالة، أغلبها وردت من فتيات.

ويقول مدير صفحة محاربو الابتزاز الإلكتروني، الذي فضّل استخدام اسم مستعار بسبب كثرة التهديدات التي يتعرض لها هو وفريقه من قبل المبتزين الذين وصفهم بـ "المتنفذين"، واختار الإشارة إليه بـ (ت-م): "لا نستطيع مجابهة نزيف الدم المتواصل على الرغم من بذل جهد كبير من أجل ذلك. في بعض الأحيان نتلقى في اليوم الواحد ما بين (200 إلى 300) حالة ابتزاز إلكتروني، 90% منها تعود لفتيات".

ويوضح "ت-م": "بعض الحالات تكون خطرة جدًا، وللأسف سبق أن فقدنا ست فتيات قُتلن غَسلًا للعار ، وذلك لأنهن اتصلن بنا متأخرًا بعد أن كان المبتز قد نشر صورهن وفيديوهات لهن على جميع وسائل التواصل الاجتماعي . وقد علمنا بذلك من صديقة مقربة لهن وجارتهن. كان الأمر صعبًا، لأننا نتحدث عن حياة إنسان".

ويضيف مدير صفحة محاربو الابتزاز الإلكتروني: "بعض الفتيات اللاتي قُتلن فقدن حياتهن فقط لأن صورهن نُشرت بدون حجاب، أو جرى تزييف صور لهن بأوضاع مخلة، بينما فعليًا لم يفعلن شيئًا خاطئًا. إحداهن علمنا أن المبتز اخترق تطبيق تلغرام الخاص بها، وعندما رفضت الخضوع للابتزاز، كانت النتيجة قتلها على يد أحد أفراد عائلتها بعد أن أرسل المبتز صورها لهم ونشرها على قنوات في تلغرام".

ألف حالة ابتزاز بسبب "تلغرام"

يقول مدير صفحة محاربو الابتزاز الإلكتروني "ت. م": "قام الفريق مؤخرًا بشن حملة على عدد من الصفحات الإباحية في قنوات تطبيق تلغرام التي تستهدف ابتزاز الفتيات والتشهير بهن. وصُدمنا عندما تلقينا خلال يوم واحد فقط ألف رسالة من فتيات تعرضن للابتزاز بعد تهكير حساباتهن ".

ويتابع حديثه: "كان الأمر مرهقًا جدًا، وحاولنا بكل جهدنا إغلاق تلك القنوات، لكنها سرعان ما كانت تعود من جديد. طلبنا المساعدة من جهات أمنية عدة، ولكن مع الأسف لم نتلقَّ أي استجابة، وكذلك المنظمات الدولية التي سعينا لجعلها تدعم عملنا وتعززه لتوسيع الفريق وتدريبه".

ويشير إلى أنهم، ومن خلال عملهم، رصدوا عصابات متخصصة في مجال الابتزاز الإلكتروني ، وهي منظمات تدفع لأعضائها رواتب، ولها ارتباطات بعصابات خارج العراق ، يقومون بتهكير ما بين 5 إلى 10 حسابات لفتيات خلال اليوم الواحد، وتمكنوا حتى الآن من الإيقاع بـ800 ضحية.

محامية: الضحية تثق بالعشيرة وليس القانون!

ومن جانبها أكدت المحامية ورئيسة منظمة "لأجلها" مروة عبد الرضا أن القانون بطئ في مواجهة الابتزاز الإلكتروني بينما العشيرة أسرع. وأوضحت في حديثها مع DW: "القضاء العراقي لا يفضل حل قضايا الابتزاز عشائريًا ولكن الواقع فرض ذلك، لأن ضحايا الابتزاز الإلكتروني فقدوا الثقة بالمحاكم العراقية لأسباب عدة منها بطء الإجراءات وتعقيدها، والقضاة أنفسهم في الغالب لا يملكون الخبرة الكافية للتعامل مع هذه القضايا".

وتضرب مروة عبدالرضا مثالا على ذلك فتقول: "كانت لدي قضية ابتزاز إلكتروني، وكان الابتزاز لفتاة من خلال الفيسبوك. القاضي لم يكن يعرف ما هو الفيسبوك أساسًا، وعندما شرحت له ما هو الفيسبوك قال لي: امسحي الرسائل بينهم وتنتهي القضية، ثم قال عبارة بمعنى أننا نكبر الموضوع ولا حاجة لأن تكون هناك قضية".

وتضيف رئيسة منظمة "لأجلها": "في وزارة الداخلية تم تشكيل وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية، وهي تأخذ وقتًا طويلًا جدًا لتحريك أي إجراء. يعني إذا تعرضت فتاة لابتزاز تتم الجريمة والفتاة قد تُقتل وملفها لا يزال عند قسم التبليغ عن حالة ابتزازها ولم يصل إلى القاضي بعد لإصدار أمر إلقاء القبض". وتؤكد المحامية: "نحن نحتاج سرعة في الإجراءات وتحديثها قانونيًا".

منصة "أمين".. محاولة لإنقاذ الأرواح

ربما وجد جهاز الأمن الوطني العراقي أن جريمة الابتزاز الإلكتروني بحاجة فعلية إلى التحرك سريعًا، كما قالت مروة عبدالرضا، لذلك أعلن مؤخرًا عن إطلاق منصة "أمين" لتلقي البلاغات عن مجمل الجرائم الإلكترونية، وفي مقدمتها الابتزاز الإلكتروني.

الإعلان جاء عن طريق مؤتمر صحفي تابعته DW، حيث قال المتحدث باسم جهاز الأمن الوطني العراقي أرشد الحاكم: "تأتي هذه المبادرة في ظل ارتفاع الجرائم الإلكترونية وانتشار الابتزاز الرقمي وغيره من الانتهاكات الرقمية في العراق، مما يستدعي تقديم الدعم المباشر لضحايا الابتزازويتم بسرية تامة".

العراق دولة ما زالت تحاول بناء نظام إلكتروني لتحويل عمل مؤسساتها بالكامل من النظام الورقي إلى الحوكمة الإلكترونية، وهذا يحتاج إلى إيجاد آليات واتخاذ قرارات تتماشى مع حجم الجريمة الإلكترونية، أخطرها الابتزاز الإلكتروني الذي تدفع العديد من الفتيات أرواحهن ثمنًا له.

تحرير: حسن زنيند

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار