في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في السنتين الأخيرتين انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل لافت، صفحات ووسومات تروّج لثقافة ذكورية معادية للمرأة تحت مسمى "ريد بيل" أو "الحبة الحمراء". أصل هذه التسمية يعود إلى وقائع فيلم "ذا ماتريكس" ، حيث يُخيّر البطل "نيو" ما بين تناول الحبة الزرقاء والحبة الحمراء ، ف إذا أخذ الزرقاء، فإنه يواصل حياته كما هي لكنها حياة قائمة على الوهم .
أما عند تناوله للحبة الحمراء، فإنه سوف يتسيقظ على الحقيقة. وبالفعل يختار بطل الفيلم "نيو " الحبة الحمرا ء وبذلك يختار مواجهة الحقيقة.
أنصار الطرح الذكوري في العالم الافتراضي الذي يدعي أن الرجل بات ضحية للأفكار النسوية الرائدة في العالم، وجدوا في تسمية "ريد بيل" أو "الحبة الحمراء" دعوة رمزية للرجال للإستيقاظ من أجل "إنقاذ" أنفسهم من "سيطرة النساء"، حسب صحيفة دي تاغيستسايتونغ الألمانية.
في دراسة تحمل عنوان "ابتلاع الحبة الحمراء وبصقها: الشباب، الهشاشة، ومسارات التطرف في فضاء المانوسفير " للباحثين ماتيو بوتو ولوكاس غوتزين من جامعة ستوكهولم في السويد، يكشفان أن "هذه المجموعات تتبنى أيديولوجيا محافظة جديدة، وتعتمد على علم النفس التطوري لدعم تفوق الذكور ".
ووفق الدراسة المذكورة، فإن حركة "ريد بيل" تعتبر " النساء مفرطات في اختيار الشركاء، ولا يرغبن إلا في "الرجال الألفا" ذوي المظهر الجذاب والمكانة الاجتماعية العالية، بينما يُنظر إلى الرجال "البيتا" كضحايا للاستغلال".
أنصار "ريد بيل" في المغرب
إذا كانت حركة "ريد بيل" قد وجدت أنصارا لها في أوروبا، فعلى مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت أيضا فيديوهات لمؤثرين مغاربة يروجون لأفكار الحركة ، معتبرين أنفسهم أنهم جاوزا لإنقاذ "ا ل رجل المقهور" في مجتمع "ينحاز إلى ا ل نساء "، ويهاجمون ناشطات نسويات ، محملين إياهن مسؤولية ما يعتبرونه "تراجع سيطرة الرجل المغربي" وفشل الحياة الزوجية . كما أنهم يقودون حملات تصف النساء المستقلات اقتصاديا بأنهن "غير مؤهلات لزواج".
ترجع تسمية "الحبة الحمراء " إلى فيلم "ذا ماتريكس"صورة من: Warner Bros/Everett Collection/picture alliance" لدينا مخاوف من التصعيد "
هذه الحملات لا تخلو من التشهير والتحريض على العنف كما تؤكد الناشطات النسويات. ما أدى إلى انتشار مخاوف لدى بعضهن من التعبير عن أرائهن في العالم الافتراضي. وفي هذا السياق، أعربت بشرى عبدو، رئيسة جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" في المغرب عن خشيتها من خطر انتقال هذا العنف من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع، مضيفة: "هذه الحركات خلقت عداء ضد النساء في المجتمع ، ونحن اليوم كناشطات مدافعات عن حقوق النساء لدينا مخاوف من التصعيد لأن هؤلاء الأشخاص يعرفون عنا كل شيء ولديهم معطيات عن أماكن تواجدنا، وأعتقد أنه يجب على مؤسسات الدولة من بينها النيابة العامة ا لتصدي لخطاب الكراهية الذي من الممكن أن يتطور إلى جرائم".
تعزو بشرى عبدو أفكار جماعة "ريد بيل" بالفوقية تجاه المرأة، إلى ما يشعرون به من يأس لوجود " عدد من النساء في المغرب حققن استقلالية اقتصادية، ولديهن مكانة في المجتمع ولم يعدن تابعات للرجال. ومن المتوقع أن يكون لدى بعض الرجال مخاوف وحقد بسبب فقدانهم لمكانتهم".
وتختم المدافعة عن حقوق النساء في المغرب ، "أحس بألم، وهو ليس تعبير عن الضعف بل رغبة في أن نستمر وأن نكون قويات . وعلى النساء المؤمنات بحقوق المرأة أن يواصلن كفاحهن لمواجهة هذه المغالطات والحقد على ما حققته النساء المغربيات".
شهريار الجريح؟
وفي بحث كاثرين روثرميل من جامعة بيرن عن سياسات معاداة الجندر في أوروبا تشير إلى أن ما نعيشه من تنامي خطاب الكراهية ضد النساء، ناجم عن "أزمة الرجولة"، وتصوير الانجازات النسوية على أنها عبء على تشكيل الهوية لدى الشباب، معتبرة "أن هذه الحركات تعيد انتاج فرضية أن الرجال ضحايا المجتمع ويعتمدون على فرضية "عدم المساواة الطبيعية" القائمة على الفوارق البيولوجية بين الجنسين والتي تعطي الاستحقاق للرجال "، وتربط الباحثة بين هذه الحركة المعادية للنساء والأفكار الشعبوية اليمينية التي تنبني على تصوير الذات كضحية لنخبة مهيمنة.
وإذا كانت الحركات المعادية للنساء في أوروبا مرتبطة باليمين الشعبوي حسب الباحثة روثرميل، فإن المختص في علم النفس رضى امحاسني يصف " أتباع الحركة في المغرب بشهريار الجريح : وهو الذكر الذي يخاف الحب في حكاية " ألف ليلة وليلة ". شهريار لم يكن قاتلا بالفطرة ، بل كان رجلاً تعرض لصدمة خيانة جعلته يرى في كل امرأة خطرا محتملا ، فاختار أن يسيطر، دون أن يمنح فرصة للحب أو الثقة".
صورة المرأة ... "الانتهازية عاطفيا"
يرى المختص في علم النفس "أن أتباع خطاب " ريد بيل " يختزلون المرأة في صورة " الانتهازية عاطفيا "، ويجعلون من العلاقة بين الجنسين معركة وقائية لا مكان فيها للثقة أو الحميمية، وشهرزاد المستغِلة هي الأنثى التي " تروض الوحش " بالكلام.
ومن تداعيات النفسية لهذه الحركة على الشباب المغربي يشير امحاسني، " إلى أنه لدينا رجال تائهون بين الخوف والعدائية وهؤلاء الشباب المتأثرون بخطاب " ريد بيل " يشعرون بأنهم ضحايا نظام اجتماعي لا يخدمهم بسبب البطالة، وارتفاع تكاليف الزواج، وضغط مجتمعي ، وتشتت هوياتي . وهذا ما يجعلهم يجدون في خطاب " ريد بيل " شعورا بالانتماء لهوية دفاعية ، ذكورية صلبة غير قابلة للخذلان، تعادي العاطفة، وتختار السيطرة أو الانسحاب بدل الانفتاح والتفاهم".
تنامي خطاب الكراهية ضد النساء، ناجم عن "أزمة الرجولة، وتصوير الانجازات النسوية على أنها عبء على تشكيل الهوية لدى الشباب".صورة من: Jc Milhet/Hans Lucas/AFP/Getty Imagesضرورة العودة إلى الحكاية الأصلية
وفقا للخبير المغربي، فإن "هذا الخطاب برغم ما يظهره من قوة إلى أنه يعكس هشاشة عاطفية عميقة، وهذا ما سيؤثر سلبا على المجتمع ويتسبب في انتشار علاقات قصيرة مبنية على الخوف والحذر عوضا من اعتمادها على الحميمية والبناء المشترك. كما ستزداد الكراهية والنظر إلى الشريك باعتباره " خطر استراتيجي " و الزواج كـ"فخّ قانوني للرجل"، والحب على أنه "تكتيك" نسوي، وهذا ما يجرد االعلاقة (بين المرأة والرجل) من معناها الانساني".
يشدد امحاسني على أهمية الاعتراف بتحديات الشباب وحمايتهم من الاستغلال الايديولوجي وفتح مساحات حوار للرجولة الجديدة الناضجة القادرة على التصالح مع الضعف الانساني، ويدعو إلى ضرورة استعادة الحكاية الأصلية "فشهرزاد لم تقتل شهريار بل عالجته من داء كراهية النساء بالحكي والثقة والصبر ولم تهيمن عليه بل أنقذته من نفسه".
ويختم المختص في علم النفس قائلا: "حركة ريد بيل ليست صراع افتراضي بل مرآة لأزمة عميقة في بناء الهوية الذكورية وسط مجتمع يعيش أزمة . لكن التغيير لا يأتي من التحصن وراء الخوف، بل من خلال كسر دائرة الحذر والخذلان، وبناء ثقافة جديدة للعلاقات، قوامها الثقة والنضج والإنصات المتبادل" .
إلهام الطالبي