آخر الأخبار

شاب يحول بقايا الزيتون "الفيتورة" إلى طاقة نظيفة في تونس

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

تونس من بين البلدان الخمسة الأكثر إنتاجا لزيت الزيتون في العالمصورة من: Heiko Wolfraum/dpa/picture alliance

في منطقة صنهاجة الريفية في شمال غرب تونس العاصمة، وبين مزارع الزيتون التي تطوّق ورشة ياسين الخليفي، يُسمع هدير محرّك آلة تدوّر بقايا الزيتون وتحوّلها إلى مصدر للطاقة التي ترتدي دورا حيويا في بلد يعتمد بشدة على واردات الغاز والنفط. يقول الخليفي البالغ 36 عاماً، وهو صاحب شركة "بيوهيت" الناشئة التي أسسها في العام 2022 وهي فريدة من نوعها في البلاد "من النفايات العضوية المهملة نستخرج الطاقة ونربح أموالا". ويضع الخليفي على كف يده بقايا من "الفيتورة"، وهي عجينة من بقايا الزيتون بعد عملية العصر، مبديا لوكالة فرانس برس فخره بتحويل "شيئ بلا قيمة إلى مصدر للثروة". تستعمل بعض الأسر في الأرياف التونسية منذ زمن بعيد "الفيتورة" التي تفرزها عمليات عصر الزيتون داخل المنزل لإضرام النار للحمامات التقليدية أو الطبخ ، أو لتقديمها علفا للحيوانات. لكن ومع وفرة الإنتاج، تُلقى كميّات كبيرة منها في الطبيعة وتتسبب في تلوث التربة إذا ما تراكمت لوقت طويل.

تحويل "الفيتورة" إلى قوالب

وتونس من بين البلدان الخمسة الأكثر إنتاجا لزيت الزيتون في العالم، ويُتوقع أن تشهد إنتاج 340 ألف طن خلال العام 2025 من هذه المادة. وسيفرز ذلك حوالي 600 ألف طن من بقايا "الفيتورة"، غالبيتها ستُلقى في الطبيعة. يقول ياسين الذي نشأ في بيئة زراعية مع والديه "كنتُ دائما عندما أشاهد العمّال في معاصر الزيتون يستعملون الفيتورة أتساءل كيف لهذه المادة أن تشتعل لوقت طويل من دون أن تنطفئ؟". ومن هنا، "قلتُ لنفسي لماذا لا أحوّل هذه المادة إلى طاقة؟". ومن شأن ذلك أيضا أن يساهم في "التخفيف من استعمال الحطب فيما البلاد أمام معضلة تصحر الغابات والتغيّر المناخي".

منذ زمن بعيد تستعمل بعض الأسر في الأرياف التونسية بقايا عجينة الزيتون بعد العصر لإضرام النارصورة من: Yassine Gaidi/Andalou/picture alliance

يجلب العمّال "الفيتورة" بالشاحنات، وتُكوّم داخل الورشة ثم يتم ادخالها في آلة للتدوير والمعالجة لتخرج بعد ذلك في شكل قوالب أسطوانية الشكل. تُنقل لاحقاً إلى مرحلة التجفيف طوال 30 يوماً تحت أشعة الشمس وداخل بيوت دفيئة ترصف في علب كرتونية قبل أن تُسلّم للعملاء من أصحاب المطاعم وغيرهم. شرع ياسين منذ العام 2018 في التفكير جديّا في مشروعه، وحمل المهندس الشاب المتخصص في التأثيرات البيئية وصاحب سنوات من الخبرة في العمل، بعضا من "الفيتورة" وسافر إلى دول أوروبية بحثا عن آلة بامكانها أن تحوّل هذه المادة إلى قوالب تستعمل للتدفئة أو الطبخ وتشتعل لأطول وقت ممكن بفضل كمية الزيت التي تحتويها. لكن مساعيه باءت بالفشل وعاد إلى تونس خائبا. ويقول "من 2018 بدأت المشوار إلى 2021، خلال أربع سنوات جربتُ بنفسي تركيب كل أنواع المحرّكات وقطع الغيار المتاحة لكي أحصل على آلة تعطيني النتائج المطلوبة". وبالفعل توصل في النهاية إلى "قالب فيتورة بنسبة رطوبة 8 في المائة بعد تجفيفه 30 يوماً، ومع انبعاثات أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالحطب الذي يتطلب تجفيفه 4 أشهر برطوبة في مستوى 17 في المائة".

ونشطت التجارة بين الشركة والعملاء من المطاعم وبيوت الضيافة، وزوّدت الشركة مدارس في المناطق الغربية المهمّشة التي تفتقر لتجهيزات التدفئة، حيث درجات الحرارة في فصل شتاء تصل إلى ما دون الصفر. أصبحت "بيوهيت" تشغل نحو 10 عمّال وتصدر 60 في المائة من منتوجها إلى الأسواق الفرنسية والكندية، مع انتاج يناهز الـ600 طن خلال 2025. اختار سليم الساحلي (40 عاما)، وهو مالك بيت ضيافة، هذا العام استعمال قوالب الفيتورة مكان الحطب لإشعال المدخنة والتدفئة لعملائه. ويفصح "هذا حلّ ايكولوجي بديل واقتصادي بالنسبة لي". ويضيف "هي طاقة نظيفة سهلة الاستعمال. وكذلك من الجانب المالي انخفظت تكلفة التدفئة بالثلث". يشاطره الرأي أحمد حرّار الذي يدير محلاّ لبيع البيتزا في ضواحي العاصمة تونس. ويؤكد أن هذه التقنية قللت من كميات الأدخنة المنبعثة مقارنة بالخشب، وهو ما أسعد جيرانه. كما أن الفيتورة "تفرز طعما ونكهة خاصة في البيتزا".

التحول إلى الطاقة النظيفة

تتزايد كميات مخلفات الزيتون في تونس مع كل عام ترتفع فيه كميات المحاصيل، وسيسمح استغلالها "بالحفاظ على البيئة وخلق فرص العمل والثروة"، وفق الخبير في التنمية الزراعية والريفية نور الدين نصر. ويحدث ذلك من خلال توجيه استخدام مخلفات الزيتون "كمورد لتنويع مصادر الطاقة والمساهمة في تقليل واردات الطاقة في بلد يعاني من عجز كبير في موازنة الطاقة"، بحسب نصر.

وتونس بلد يعتمد بشكل كلي تقريبا على استيراد المحروقات والغاز لتلبية أكثر من 60 في المائة من احتياجاته، وفق احصاءات رسمية. ويزيد الاعتماد الكبير على استيراد النفط والغاز من العجز التجاري ويرفع تكلفة دعم الطاقة، مما يفرض "عبئا كبيرا" على عجز الميزانية الحكومية، وفق تقرير للبنك الدولي نُشر في العام 2023. ترتفع نسب استهلاك المحروقات والغاز خلال فصل الشتاء ، وتسجل مناطق عدة ندرة في التزود بهذه المواد على غرار ما حدث في ولايات من مناطق الشمال الغربي خلال شهري كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير الفائتين.

واجه ياسين كغيره من الشباب التونسيين الباحثين عن تأسيس شركات ناشئة، صعوبات كثيرة في مشواره، وأهمّها "ضعف التمويل" والقروض المصرفية "بنسب فائدة عالية"، ما دفعه إلى الاعتماد على دعم المقربين منه. يشير صاحب المشروع إلى أن تجربته الاستثمارية تهدف أساسا لأن "أضع بصمتي كلاعب مهم في عملية التحول نحو طاقة نظيفة في تونس ولمَ لا في العالم".

إ.م/ع.ج.م (أ.ف.ب)

DW المصدر: DW
شارك

حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار