آخر الأخبار

ظهرت فجأة في صعيد مصر.. ما سر "البحيرة المباركة"؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

فجأة وبدون مقدمات، ظهرت بحيرة مياه شديدة الملوحة في قلب الصحراء الغربية بالقرب من قرية البهنسا، شمال محافظة المنيا "جنوب مصر"، الأمر الذي دفع البعض إلى تسميتها بـ"البحيرة المباركة"، استنادا لمكانة القرية التي تعرف بـ"البقيع الثاني"، لكثرة الصحابة والتابعين الذين استشهدوا ودفنوا بها خلال الفتح الإسلامي لمصر.

لم تنتظر محافظة المنيا طويلا خوفا من أن تنتشر هذه الأخبار بين الناس، وتتحول تلك المياه إلى أداة للتبرك، فحذرت في بيان رسمي من أنها مياه غير صالحة تماما للاستخدام سواء الآدمي أو الحيواني أو الزراعي، لاحتوائها على نسبة ملوحة مرتفعة للغاية، لكنها لم تسرف في الحديث عن أسباب الظهور المفاجئ لهذا التجمع المائي، مكتفية في بيانها بأنه "ناتج عن تسريبات جيولوجية طبيعية".

يقول الدكتور محمد يوسف، أستاذ جيولوجيا المياه بمركز بحوث الصحراء بمصر للجزيرة نت، إن هذه البحيرة عبارة عن تجمع مائي مالح ناتج عن تسرب جوفي داخل محجر رمال مهجور.

ويوضح أن منطقة البهنسا كانت تضم في السابق محاجر رملية، شكلت منخفضات طبيعية في سطح الأرض، ومع مرور الوقت تسربت المياه من الخزانات الجوفية العميقة إلى هذه المنخفضات عبر التراكيب الجيولوجية الطبيعية، فتجمعت مكونة مسطحات مائية جديدة في مناطق لم تكن تحتوي على مياه من قبل.

سيناريو جيولوجي لظهور البحيرة

ويشرح يوسف التفاصيل الجيولوجية التي أدت إلى ظهور هذه البحيرة، موضحا أن عمليات استخراج الرمال في المحاجر القديمة أزالت الطبقات العليا من التربة والصخور، وكشفت عن طبقات أعمق وأكثر مسامية.

ويشير إلى أنه بعد انتهاء نشاط المحجر، تبقى حفرة أو منخفض أعمق من مستوى الأرض المحيط، تعمل كمصيدة طبيعية للمياه الجوفية التي تتسرب للأعلى أو تتجمع بعد الأمطار النادرة.

ويضيف أن الحفر العميق قد يفتح شقوقا أو يضعف الفواصل الطبيعية بين الطبقات الجيولوجية، مما يسرع حركة المياه المالحة من الخزانات العميقة إلى السطح.

إعلان

ويؤكد أن تراكم هذه المياه في الحفر المهجورة، مع تعرضها للتبخر السريع في البيئة الصحراوية، يزيد تركيز الأملاح بسرعة، وهو ما يفسر "الملوحة الشديدة" التي دعت السلطات إلى التحذير.

ويطمئن يوسف، بأن هذه الظاهرة طبيعية، ولا تمثل أي تهديد بيئي مباشر سوى شغل مساحات بمياه عالية الملوحة، لكن طبيعتها كمنطقة منخفضة وعميقة نسبيا تجعلها تشكل خطر الغرق عند النزول إليها.

مصدر الصورة تراكم هذه المياه في الحفر المهجورة، مع تعرضها للتبخر السريع في البيئة الصحراوية، يزيد تركيز الأملاح بسرعة (الفرنسية)

ظاهرة متكررة بنوعية مياه مختلفة

وتكررت هذه الظاهرة في عدة منخفضات صحراوية، وتناولتها العديد من الدراسات، منها دراسة حديثة عن بحيرات تشكلت قرب محاجر أكامكبا جنوب شرق نيجيريا، تم نشرها في سبتمبر/أيلول من العام الماضي بدورية "جيـوكيميكل ترانزَكشِنز".

وتشير هذه الدراسة إلى أن أنشطة المحاجر هناك ولّدت مياها يمكن أن تلوث الموارد المائية المحيطة، حتى وإن كانت عذبة وغير مالحة.

وأظهرت التحاليل للمياه أن بعض المعادن الثقيلة مثل الزرنيخ والكادميوم والرصاص والسيلينيوم تتجاوز الحدود الآمنة، ما يجعلها غير صالحة للشرب أو للزراعة على المدى الطويل.

ويبدو هذا الوضع في نيجيريا قريبا من الحالة المصرية، لكنه يبدو مختلفا بموقع آخر لبحيرات ناتجة عن المحاجر في دولة بولندا، إذ وجدت دراسة نشرت بدورية "ووتر" في فبراير /شباط 2023، أن مياه تلك البحيرات، الناتجة عن النشاط السابق للمحاجر، يمكن أن تشكل مصدرا مهما للمياه إذا تم تقييم جودتها بعناية.

وبينت الدراسة أن متوسط عمق البحيرات 6 أمتار، وأن المياه كانت عذبة نسبيا، معتدلة الملوحة، وذات مؤشرات جودة قريبة من البحيرات الطبيعية. كما أظهرت التحاليل أن هذه المياه صالحة للاستخدام الزراعي، مع مراعاة بعض الحدود الخاصة بالمعادن والأملاح.

وتشير النتائج إلى أن تقييم كمية المياه وجودتها يمكن أن يتيح الاستفادة منها في الزراعة أو الاحتياجات الأخرى، مع ضرورة المراقبة المستمرة لضمان السلامة.

تفسير الاختلاف مع الحالة البولندية

وعن الاختلاف بين الحالة البولندية وحالتي محافظة المنيا بمصر ونيجيريا، يقول الدكتور محمد الحجري رئيس وحدة الري والصرف بمركز بحوث الصحراء للجزيرة نت، إن أحد أسباب الملوحة في بحيرة البهنسا بمحافظة المنيا المصرية وأكامكبا بنيجيريا، يعود إلى المناخ الصحراوي الحار والجاف، الذي يزيد من سرعة تبخر المياه وتركيز الأملاح، إضافة إلى صعود المياه الجوفية المالحة من الطبقات العميقة إلى سطح المنخفضات.

بالمقابل، فإن سر العذوبة النسبية لمياه المحاجر في بولندا، يكمن في أن المنطقة تتكون من صخور الجرانيت الصلبة التي لا تذيب الأملاح بسهولة، والمناخ المعتدل مع أمطار منتظمة، والتبخر المحدود مقارنة بالمناطق الصحراوية، ما حافظ على توازن المياه.

وبوضح أنه "بينما تتغذى المياه في المنيا ونيجيريا أساسا على تسرب المياه الجوفية إلى منخفضات المحاجر القديمة، وتمر عبر قشور ملحية وصخور تحتوي على معادن قابلة للذوبان، و تزداد ملوحتها بحدوث تغذية من مياه صرف زراعي محملة بالأملاح والأسمدة، فإن مصدر المياه في بحيرات المحاجر في بولندا هو بالأساس الأمطار والينابيع السطحية، وهي مياه عذبة نسبيا، ولا تمر عبر قشور ملحية أو طبقات غنية بالأملاح، كما أن النشاط البشري الزراعي أو الصناعي في المنطقة لم يؤدِّ إلى تحميل كبير بالأملاح".

إعلان

ويضيف أن "هذه المقارنة تؤكد ضرورة التعامل مع المياه في بحيرة المنيا بأسلوب علمي وحذر بعيدا عن أي تفسيرات خرافية أو دعوات للتبرك".

ويوصي الحجري باستمرار مراقبة البحيرة في المنيا وتطوراتها، ورصد أي تغييرات في منسوب المياه أو خصائصها، و تحديد عمرها الافتراضي لتحديد سبل الاستغلال الأمثل لها فقد تكون متجددة و تستخدم كمزار بيئي كما في بحيرة عين الصيرة بمنطقة القاهرة القديمة أو تحتوي مياهها على أملاح معينة يمكن استخلاصها و استخدامها في صناعات مختلفة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار