في عالم الحيوان، يمثل دبور الصراصير الزمردي جراحا مذهلا. كما يبدو من اسمه فهو يفترس الصراصير ويستخدم سما متطورا للقضاء على إرادتها الحرة. لكن كيف يُمكن لدبور صغير إخضاع صرصور أكبر بكثير من دون قتله ببساطة؟
وجد الباحثون أن أنثى الدبور توجه لسعة إلى الصرصور على مرحلتين، الأولى تحقن السم في صدر الصرصور لشله مؤقتا، وهذا يمنحها الوقت لتوجيه اللسعة الثانية.
ويقوم الدبور أولا بالاقتراب من الصرصور وتثبيته من منطقة الرقبة، ثم يوجه لدغة دقيقة إلى العقدة العصبية الصدرية الأولى، وهي مركز التحكم في حركة الأرجل الأمامية، وتحتوي هذه اللدغة على مركبات مثبطة مثل حمض جاما أمينوبيوتيرك (يعمل كمثبط عصبي في الجهاز العصبي للصرصور ويفعل ذلك أيضا في البشر)، والتورين والبيتا ألانين.
والنتيجة تكون شل مؤقت للأرجل الأمامية، بحيث لا يستطيع الصرصور الهرب، فيسهل على الدبور توجيه اللدغة التالية في الرأس، وهي لسعة دقيقة مباشرةً إلى دماغ الصرصور (الجهاز العصبي المركزي)، وتحديدا إلى مناطق العقد التي تتحكم الهروب.
تتميز لسعة الدبور بدقة عالية لدرجة أنها تستطيع تحسس طريقها حرفيا إلى المكان الصحيح في دماغ الصرصور، كجراح يبحث عن خلية عصبية معينة.
ويعمل السم كمزيج كيميائي يسلب الصرصور إرادته في الحركة، ومن اللافت للنظر أن الصرصور يبقى حيا وواعيا وقادرا على المشي، لكنه لا يستخدم مهاراته الحركية للهروب.
ويحتوي سم الدبور على مركبات تحاكي النواقل العصبية تغمر دماغ الصرصور وتغلق دوائر القتال أو الهروب لديه. وعلى مدى عقود، حاولت أجهزة الاستخبارات حول العالم أن تصل إلى "عقار" يسهل عليها التحكم في عقول أعدائها، يخضعهم تماما ويجعلهم يتصرفون كما تريد تلك الأجهزة، لكنها لم تصل بعد إلى ذلك، يبدو أن الدبور الزمردي قد سبقهم لهذا.
وبدلا من الهروب من الخطر، يجلس الصرصور منظفا نفسه بهوس، وهو أثر جانبي يعتقد أنه ناتج عن مكونات شبيهة بالدوبامين في السم.
والدوبامين هو ناقل عصبي في الدماغ يساعد على تنظيم المزاج والتحفيز والمكافأة والحركة، ويعرف غالبا باسم "هرمون السعادة" لأنه يلعب دورا رئيسيا في الشعور بالمتعة والتعلُّم والإدمان، هذا الصرصور يكون سعيدا تماما، بينما يتوجه ناحية موته بالضبط، هل رأيت فيلم رعب من قبل أقسى من ذلك؟
في غضون نصف ساعة تقريبا، يستطيع الصرصور التحرك بعد التعافي من الأثر الموضعي للسعة، لكن السموم الكيميائية لا تزال في دماغه، ومن ثم لا يهرب.
عندها، يمسك الدبور بقرون استشعار الصرصور كما لو كان مقودا، ويقوده إلى الجحر، ببطء وهدوء في رحلة قد تمتد إلى نصف الساعة.
هناك، يضع الدبور بيضة واحدة على جسم الصرصور، ويغلق الجحر. واكتشف العلماء مؤخرا أن هناك لدغة ثالثة أدق، يوجهها الدبور إلى العقدة العصبية في الصدر الأوسط، هذه اللدغة تُجبر الصرصور على مدّ إحدى أرجله بشكل غريب، يريد الدبور الوصول إلى منطقة مفصلية رخوة بين صفائح الأرجل لوضع البيضة في مكان آمن ودافئ وذو تهوية جيدة.
وخلال الأسبوع التالي لتلك العملية، تفقس يرقة الدبور وتلتهم ببطء الصرصور الذي لا يزال حيا من الداخل، متجنبة الأعضاء الحيوية لإبقائه نضرا.
وبحلول الوقت الذي يخرج فيه دبور جديد من الجحر، يكون الصرصور قد أصبح مجرد قشرة فارغة، ليبدأ الدبور الجديد دورة حياته، كما فعل أبواه.