آخر الأخبار

فلكيون للجزيرة نت: أقوى انفجار كوني على الإطلاق ما زال محيرا

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2022، رصد علماء الفلك انفجارا ضخما في الفضاء، في الواقع كان هذا الانفجار من الضخامة بحيث فهم العلماء بسرعة أن الانفجار، الذي سمي فيما بعد "جي بي آر 221009 إيه"، كان بلا شك أقوى انفجار رصده البشر على الإطلاق.

تصف الباحثة في معهد فيزياء الطاقات العالية بإسبانيا، مونيكا سيجلار في تصريحات للجزيرة نت، الحدث بأنه "كان مُبهرا لدرجة أنه استحق لقب "الألمع على الإطلاق".

وتوضح سيجلار أن هذا الانفجار" كان قويا لدرجة أنه أثر على الغلاف الجوي للأرض، على الرغم من وقوعه على بعد 2.4 مليار سنة ضوئية، وأربك العديد من أجهزة الكشف التي كانت تراقبه، مما أدى إلى إطلاق حملة رصد للمتابعة في جميع أنحاء العالم".

بعد مرور ما يقرب من 3 سنوات، لا يزال هذا الحدث يكشف عن رؤى جديدة حول هذه الانفجارات الطاقوية الهائلة وغير المفهومة جيدا، والتي نادرا ما تُرى، إذ يُقدّر أن انفجارا بهذه الشدة يحدث مرة واحدة فقط كل 10 آلاف عام.

في دراسة نُشرت مؤخرا في دورية "أستروفيزكال جورنال ليترز"، أعلن فريق دولي من الباحثين في مشروع "مصفوفة تلسكوب تشيرينكوف" نتائج جديدة، حيث أعادوا دراسة الانفجار بهدف كشف المزيد من الأسرار حول هذه الانفجارات الغامضة العالية الطاقة والتي باتت تعرف باسم "انفجارات أشعة غاما".

مصدر الصورة صورة تظهر الضوء المتبقي من توهج أشعة غاما بعد ساعة من اكتشافه (ناسا)

لغز كوني يصعب حله

وفقا لسيجلار، التي قادت تنسيق الكتابة في الدراسة وشاركت في المراجعة والتحليل، فإنه "عادةً، يمكن لانفجار واحد من هذا النوع أن يطلق في ثوان معدودة طاقة تعادل ما أنتجته الشمس طوال 10 مليارات سنة".

ولكن، على الرغم من طبيعتها العالية الطاقة وسطوعها الشديد، إلا أن مصادرها يصعب تتبعها، حيث تضعف إشارات أشعة غاما أثناء انتقالها عبر المسافات الكونية الشاسعة، ولهذا السبب، يعتبرها العلماء لغزا كبيرا.

إعلان

ويبدو أن هذه الانفجارات تحدث خارج مجرة "درب التبانة" التي يبلغ عرضها 100 ألف سنة ضوئية، وتعلن عن نفسها بومضة سريعة وقصيرة تستمر من ثوان إلى دقائق، يتبعها توهج يمكن أن يستمر لساعات أو حتى شهور قبل أن يتلاشى تماما، مما يمنح العلماء وقتا كافيا لجمع أكبر قدر من البيانات.

وتنقسم هذه الانفجارات أيضا إلى نوعين رئيسيين يصنفهما العلماء حسب المدة: انفجارات أشعة غاما طويلة الأمد تستمر لأكثر من ثانيتين وحتى بضع دقائق، ويُعتقد أنها تنطلق عندما تنفجر النجوم العملاقة في نهاية حياتها، وتتحول إلى مستعر أعظم، تاركة وراءها ثقوبا سوداء.

أما انفجارات أشعة غاما القصيرة، فتستمر من ثانيتين إلى بضعة ميلي ثانية فقط، ويُعتقد أنها تحدث نتيجة اصطدام واندماج النجوم النيوترونية، وهي أصغر وأكثر أنواع النجوم المعروفة كثافة.

ويُعتقد أن الانفجار الأكثر سطوعا على الإطلاق تحديدا قد نتج عن انفجار نجم ضخم ربما يزيد حجمه عن 30 مرة حجم الشمس، مخلّفا ثقبا أسود ذا كتلة نجمية.

مصدر الصورة انفجار أشعة غاما يضرب الأرض من نجم متفجر بعيد (وكالة الفضاء الأوروبية)

تتبع ألمع انفجار على الإطلاق

رغم أن علماء الفلك رصدوا أقوى انفجار على الإطلاق في البداية على أنه وميض شديد السطوع من أشعة غاما عالية الطاقة، إلا أن هذا الوميض أعقبه توهج خافت عبر العديد من الأطوال الموجية للطاقة، مما سمح للتلسكوبات غير المعتمدة على أشعة غاما بدراسته.

بعد رصد مجموعة من التلسكوبات الفضائية، بما في ذلك تلسكوبا "فيرمي" و"سويفت" التابعان لوكالة ناسا، هذه الظاهرة لأول مرة، بالأشعة السينية وأشعة غاما، سارع فريق دولي من علماء الفلك في مرصد "روك دي لوس موتشاتشوس" في جزيرة لا بالما بإسبانيا، إلى توجيه أداة "النموذج الأولي للتلسكوب الكبير الحجم" نحو الانفجار الذي ميّزته طبيعته فورا عن غيره من انفجارات أشعة غاما.

تتبع الباحثون نشاط الوميض لمدة 20 يوما، مما يجعلها أوسع متابعة لانفجار أشعة غاما شديد السطوع والطاقة يقوم بها تلسكوب على الإطلاق.

أتاحت عملية المراقبة المطولة هذه للباحثين وضع قيود على الحدود العليا لأشعة غاما القوية التي أطلقها الانفجار، كما تمكنوا من التعرف على بعض خصائص تكوينه. ومع ذلك، ما رآه الفلكيون كان يتناقض مع أحد النماذج السائدة حول إشعاعات الطاقة الخاصة بانفجارات أشعة غاما.

في العادة، يُفترض أن انفجارات أشعة غاما -سواء كانت ناجمة عن اندماج النجوم النيوترونية أو موت النجوم الضخمة، أي النجوم التي تفوق كتلتها الشمس بعدة مرات، بعد مرورها بمرحلة المستعر الأعظم (سوبرنوفا) تتضمن إطلاق نفاثات فائقة السرعة من الغاز المؤين أو البلازما، لكن العملية الدقيقة وراء تكوّن هذه النفاثات وشكلها لا تزال لغزا كبيرا.

افترضت إحدى النظريات السابقة أن النفاثات البلازمية في انفجارات أشعة غاما تنبعث في هيكل على شكل حرف "تي"، وهو مخروط مركزي من مادة عالية السرعة محاط بنطاق أوسع من مادة أبطأ حركة. بدلا من ذلك، يبدو أن أسطع انفجار لأشعة غاما رُصد على الإطلاق مدفوعا بنفثة واحدة تحتوي على نفثة مركزية سريعة محاطة بمادة أبطأ.

إعلان

أفكار جديدة

كشفت الملاحظات الجديدة التي رصدها تلسكوب "إل إس تي 1" في عام 2022 عن زيادة طفيفة في تدفق أشعة غاما، مما يشير إلى أنها ذات طبيعة معقدة عند الطاقات العالية، ويجعلها اكتشافا نادرا وقيما في هذا النطاق من الطاقة.

توضح سيجلار "على الرغم من أن الزيادة التي تم رصدها لم تصل إلى المستوى المطلوب لتأكيد الاكتشاف بشكل رسمي، إلا أنها سمحت للفريق بتقديم رؤى جديدة حول الطبيعة المعقدة والغامضة لهذه الانفجارات الكونية عند الطاقات العالية جدا، وكيفية توليدها لكميات ضخمة من الطاقة".

وأضافت "تمثل هذه النتائج خطوة مهمة نحو ربط النماذج النظرية بالآليات المحتملة التي تفسر كيفية حدوث هذه الانفجارات، والتي تفترض أنها تولّد نفاثات منظمة ومعقدة تتسارع الجسيمات داخلها إلى طاقات عالية".

وتدعم البيانات التي جمعها التلسكوب نظرية أن انفجار "جي بي آر 221009 إيه" كان مدفوعا بتدفق نفاثات متعدد الطبقات: نواة ضيقة فائقة السرعة محاطة بغلاف أوسع وأبطأ من المادة.

كما ساعدت ملاحظات هذا التليسكوب في استبعاد بعض النماذج النظرية التي كانت تتوقع انبعاثات أعلى بكثير من أشعة غاما عالية الطاقة مما لوحظ بالفعل، مما يضيق مجال البحث ويوجه الأبحاث المستقبلية.

لا يتناقض هذا فقط مع النماذج السائدة لانبعاثات طاقة انفجار أشعة غاما، والتي كانت تفترض أن نفاثات البلازما لها شكل بسيط وموحد، بل يشكِّل تحديا لنماذج نفاثات "القبعة العلوية" التي يشيع استخدامها لوصف انفجارات أشعة غاما في الدراسات السابقة.

تتميز هذه النفاثات الكونية بوجود توزيع متساو نسبيا للإشعاع على نطاق واسع من الزوايا، مما يجعلها تظهر بشكل "قبعة علوية" أو "صورة مسطحة" عند تصويرها عبر تلسكوبات الأشعة السينية أو أشعة غاما.

كما يوفر هذا الاكتشاف قيودا مهمة على الآليات المُحفِّزة لتكوين النفاثات في كل من المستعرات العظمى واندماجات النجوم النيوترونية، ويقدم أيضا أدلة مهمة حول آليات تشكلها والطبيعة غير المعروفة للمحرك المركزي الذي يقف وراء الانفجارات الكونية الهائلة.

مصدر الصورة تنتج هذه الظواهر من تصادمات وانفجارات النجوم (غيتي إيميجز)

مستقبل واعد

كان التحدي الأبرز في هذه الدراسة هو أن الكثير من بيانات تلسكوب "إل إس تي 1″ المسجلة تضمنت ملاحظات جُمعت تحت ضوء القمر الساطع جدا، وهو وضع عادةً ما يُعيق عمليات الرصد باستخدام تلسكوبات شيرينكوف بسبب كاميراتها الحساسة".

تشير سيجلار أن "اكتمال القمر حال دون قدرة التلسكوبات الأخرى على متابعة الحدث بسرعة، لكن الحلول التقنية التي طورها الفريق سمحت للتلسكوب بأن يكون الأول في رصد المصدر في نطاق أشعة غاما عالية الطاقة".

وتضيف "هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها جمع بيانات باستخدام التلسكوب في مثل هذه الظروف الصعبة، مما يبرز مرونته ويفتح إمكانيات جديدة لتحسين استجابة المرصد للأحداث الكونية العابرة، حتى في ظل الظروف غير المثالية للرصد".

بينما يحاول علماء الفلك معرفة المزيد عن انفجارات أشعة غاما والآليات التي تحركها باستخدام التلميحات التي يقدمها هذا العمل، تُظهر نتائج الدراسة قوة الجيل القادم من تلسكوبات مرصد شيرينكوف على دراسة الكون عالي الطاقة، مما يبشر بعصر جديد يمكن فيه للباحثين دراسة الأعمال الداخلية للمصادر الكونية بتفاصيل غير مسبوقة.

ويجري حاليا تطوير 3 أجهزة أخرى تابعة للتلسكوب في الموقع نفسه، ويبدأ بناء تلسكوبات مماثلة في موقع بتشيلي، مما يعني أن جيلا جديدا من أجهزة أشعة غاما الأرضية ستدخل الخدمة قريبا في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي.

من شأن تشغيل المزيد من التلسكوبات أن يعزز قدرة البشرية على دراسة انفجارات أشعة غاما والكون عالي الطاقة بشكل عام، بالإضافة إلى تقليص الوقت اللازم لتنبيه علماء الفلك إلى المتابعة السريعة للأحداث العابرة عندما يكون جمع البيانات في الوقت المناسب أمرا بالغ الأهمية.

إعلان

وتختم سيجلار حديثها بقولها "لا يزال أمامنا الكثير لنعرفه عن انفجارات أشعة غاما، خاصة فيما يتعلق بالآلية الدقيقة لتكوينها". وتضيف "على الرغم من أن أقوى انفجار لأشعة غاما كان حدثا استثنائيا، فإن كل انفجار يتم رصده يعطينا فرصة أفضل لفهم بعض من أكثر اللحظات كثافة وطاقة في الكون".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار