آخر الأخبار

زلزال 2017 كان تحذيرا.. اكتشاف "صدع خفي" يهدد العراق

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في صبيحة 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، هز زلزال عنيف بلغت قوته 7.3 درجات على مقياس ريختر الحدود الجبلية بين العراق وإيران، مخلفا مئات القتلى وآلاف الجرحى، في واحدة من أعنف الهزات الأرضية التي شهدها الإقليم خلال العقود الأخيرة.

وبعد مرور سنوات على الكارثة، يعود فريق من الباحثين العراقيين، للكشف عن المسبب الحقيقي لهذا الزلزال، وهو "صدع خفي"، بات يعرف علميا باسم "صدع خانقين"، وهو اكتشاف يمكن أن يكون له انعكاس في تحسين البنية التحتية وتعزيز الدراسات الإحصائية لرصد الزلازل في المنطقة، كما يقول الدكتور عبد العزيز محمد عبد العزيز، أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات في كلية الهندسة جامعة القاهرة، والذي لم يشارك بالدراسة في تصريحات خاصة للجزيرة نت.

مصدر الصورة (الجزيرة)

ما "صدع خانقين"؟

و"صدع خانقين"، هو تصدع جيولوجي يمتد بطول 125 كيلومترا من شمال العراق حتى غرب إيران، ويتبع نظاما جيولوجيا يُعرف بـ"الصدوع الدثرية"، وهي صدوع تحدث نتيجة ضغط هائل يدفع الصخور الأقدم فوق الأحدث بزاوية منخفضة، ورغم أنه يمتد في الغالب داخل الأراضي الإيرانية، إلا أن الباحثين يُطلقون عليه اسم "خانقين" نسبة إلى مدينة خانقين الواقعة شرق العراق.

وبحسب الدراسة المنشورة بدورية " جورنال أوف آسيان إيرث ساينس"، والتي قادها الدكتور فاروجان خاجيك سيساكيان، من قسم هندسة البترول بجامعة كومار للعلوم والتكنولوجيا بإقليم كردستان العراق، فإن هذا الصدع لم يكن مرئيا بوضوح على السطح قبل وقوع الزلزال.

ويطلق عليه مجازيا "الصدع الخفي" لأنه مغطى بطبقات من الصخور يصعب تمييزها بالعين المجردة، ولا تظهر عليه إشارات سطحية واضحة مثل الانكسارات أو الانهيارات الظاهرة، ولم يكن محددا بدقة على الخرائط الجيولوجية سابقا، قبل أن يكشفه الزلزال المدمر، ويدفع العلماء إلى إعادة النظر في النشاط الزلزالي الكامن في هذه المنطقة.

إعلان

زلزال 2017 الكاشف

وضرب الزلزال في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بقوة 7.3 درجات وعلى عمق 19 كيلومترا، وكان مركزه قرب مدينة "سربل ذهاب" الإيرانية، وعلى بُعد نحو 81 كلم من مدينة خانقين العراقية.

وقد تسبب الزلزال في وفاة أكثر من 630 شخصا (معظمهم في إيران)، إصابة 8100 آخرين، تضرر البنية التحتية في مدن مثل داربندخان وحلبجة بكردستان العراق، وتوقف محطة مياه حلبجة عن العمل بنسبة 50%، وتسجيل أكثر من 240 هزة ارتدادية.

واعتمد الباحثون في دراستهم على مجموعة أدوات وتقنيات متقدمة شملت صور الأقمار الصناعية لرصد التشققات وتغيرات الأرض، خرائط جيولوجية متعددة المقاييس لتحديد التكوينات الصخرية المتداخلة، مراجعة أرشيف الزلازل في المنطقة منذ أكثر من 100 عام، تحليل آثار الحركة التكتونية الحديثة (النشاط النيوتيكتوني)، وقادهم كل ذلك إلى أدلة واضحة على أن صدع خانقين الخفي لا يزال نشطا، ويتحرك بشكل دوري منذ آلاف السنين.

مصدر الصورة كشفت الدراسة عن النشاط المستمر لصدع خانقين (شترستوك)

الانقلاب الطبقي.. أبرز الأدلة

وكان أحد أبرز الأدلة التي كشفت عن النشاط المستمر لصدع خانقين هو ما لاحظه الباحثون من حركات انزلاقية للصخور على جانبي الصدع، فقد تبين أن الصخور الجيرية القديمة، التي تشكلت قبل ملايين السنين، قد اندفعت بقوة فوق الصخور الأحدث منها زمنيا، وهذه الظاهرة، التي تُعرف باسم "الانقلاب الطبقي"، تحدث نتيجة لضغط هائل ناتج عن تحركات الصدع، وتترك بصماتها بوضوح في هيئة طيات (انحناءات) وانكسارات (كسور) في الصخور يمكن رؤيتها على سطح الأرض.

ولتقريب هذا المشهد، يمكنك تخيل أنك وضعت عدة أوراق فوق بعضها، بحيث تمثل كل ورقة طبقة من الصخور، مرتبة زمنيا من الأقدم إلى الأحدث. الآن، إذا دفعت هذه الأوراق، وخاصة السفلية منها، أفقيا أو من الجهة السفلية بقوة ضاغطة، سواء جانبيا أو نحو الأعلى، فقد تنزلق الأوراق الأقدم فوق الأوراق الأحدث، مما يسبب طيات نائمة، وتموجات شديدة الميل، وربما حتى تمزقات في الأوراق العليا إذا كانت لَدْنة بدرجة كافية، وهذا يشبه تماما ما يحدث في الطبيعة بفعل الصدوع الدثرية، لكن بدلا من الأوراق، نحن نتحدث عن طبقات صخرية ممتدة تتحرك تحت تأثير ضغوط هائلة في باطن الأرض.

ووفق الدراسة فإن "هذا النوع من الانزلاقات يُعد من أقوى الأدلة على أن الصدع ما زال نشطا، لأن مثل هذه التحركات لا تحدث إلا عندما تكون هناك قوى تكتونية لا تزال تعمل في باطن الأرض، مما يشير إلى احتمالية حدوث زلازل في المستقبل".

3 مؤشرات تكتونية حديثة

وبالإضافة للانزلاقات، رصد الباحثون 3 مؤشرات حديثة للنشاط التكتوني، أولها وجود "انقطاعات مفاجئة في التلال"، ويعني ذلك ظهور حواف أو جوانب تلال وكأنها قُطعت بشكل مفاجئ ومستقيم، وكأن "سكينا" ضخمة فصلت جزءا من التل.

ويشير ذلك إلى أن صدعا نشطا "قص" التل أثناء حركته، وهذا النوع من التكوين لا يحدث بفعل عوامل التعرية الطبيعية فقط، بل يرتبط مباشرة بالحركات الأرضية النشطة.

ولتوضيح هذا التأثير، يمكنك تخيل سلسلة من التلال المتصلة مثل سلسلة من الكراسي المتجاورة، فإذا دفع أحدهم فجأة الكرسي الأوسط جانبا، ستبدو السلسلة وكأنها "انقطعت" عند ذلك الموضع، وهذا تماما ما يفعله الصدع.

إعلان

أما المؤشر الثاني، فهو رصد ما يعرف بـ "الالتواءات في التكوينات الصخرية"، وهي انحناءات أو التواءات في طبقات الصخور التي من المفترض أن تكون أفقية ومستقيمة، وتشير هذه الالتواءات إلى تعرض الصخور لضغط مستمر من الأسفل أو من الجوانب، مما يؤكد أن هناك حركة تكتونية ما زالت تحدث وتضغط على الصخور ببطء.

وهو أمر يمكن تقريبه، بكتاب ذي صفحات مستقيمة، ثم يتم الضغط من الطرفين، فتكون نتيجة ذلك ثني بعض الصفحات، وهذه الانحناءات تشبه تماما ما يحدث للصخور عند تحرك الصدوع.

وأخيرا، فإن المؤشر الثالث، هو رصد مراوح طميِيّة قديمة متوقفة، وهذه المراوح هي تجمع للمياه والسيول في شكل يشبه المروحة على أطراف الجبال، وتتكون من ترسبات الطين والحصى، وعندما تتوقف عن استقبال المياه أو يتغير مسار السيل بعيدا عنها، تُصبح "مهجورة"، ووجودها يشير إلى أن مجاري السيول تغيرت بفعل ارتفاع الأرض أو انحرافها، وهي علامة مباشرة على وجود نشاط تكتوني حديث.

طاقة باتجاه الجنوب

ومن أبرز ما رصدته نتائج هذه الدراسة، إلى جانب دلائل النشاط التكتوني الحديث، تأكيد أن زلزال نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بدأ في الشمال واتجه نحو الجنوب، أي أن الطاقة الكبرى اندفعت باتجاه الجنوب، وهو ما يُفسر الأضرار الواسعة التي شهدتها إيران مقارنة بالعراق، وتُعرف هذه الظاهرة علميا باسم "توجيه التمزق".

وتحدث هذه الظاهرة عندما تتحرك الجبهة التي تُطلق الطاقة الزلزالية في اتجاه معين أثناء الزلزال، ويُشبه الأمر تفجيرا يحدث بشكل متتابع من نقطة إلى أخرى، بدلا من أن ينفجر في جميع الاتجاهات في وقت واحد.

وعندما تتحرك هذه الجبهة باتجاه معين (مثلا من الشمال إلى الجنوب)، فإن المناطق الواقعة في اتجاه الحركة (الجنوب في هذه الحالة) تستقبل طاقة زلزالية أكبر وأقوى، وبما أن الجبهة الزلزالية تحركت من الشمال نحو الجنوب، فقد كانت الطاقة الكبرى للزلزال تتجه نحو إيران الواقعة جنوب مركز الزلزال، وليس نحو العراق الواقعة شماله، ولذلك كانت الأضرار أكبر والخسائر أعنف في إيران، حتى وإن كانت بعض المناطق العراقية أقرب إلى مركز الزلزال.

تحذير واضح للمستقبل

وفق هذه النتائج، تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها لا تقتصر على شرح زلزال ماض فحسب، بل تحمل تحذيرا واضحا للمستقبل، كما يؤكد الدكتور عبد العزيز محمد عبد العزيز.

ويشرح أن هذا التحذير يتلخص في أن صدع خانقين لا يزال نشطا، ويعيش على جانبيه ملايين الأشخاص بالقرب من الحدود، لذا فإن الكشف عن طبيعته الخفية قد يُنقذ أرواحا مستقبلا من خلال تحسين البنية التحتية.

ويضيف "بمعرفة معلومات جديدة عن نشاط الصدع، مثل اتجاه الحركة الزلزالية (مثلا من الشمال إلى الجنوب)، يمكن تصميم المباني لتحمل القوى الأكثر تأثيرا في ذلك الاتجاه، فعلى سبيل المثال، يمكن تقوية الجدران والأعمدة المواجهة لاتجاه الحركة لتقليل الضرر، كما يمكن توجيه البنية التحتية الحيوية بعيدا عن هذا الاتجاه أو تجهيزها بتحسينات مقاومة للزلازل".

ويشير أيضا إلى أن "من فوائد هذه الدراسة توثيق النشاط التكتوني في الصدع الخفي، مما قد يسهم في تطوير قواعد بيانات إحصائية أدق تساعد في تحليل احتمالات حدوث الزلازل وتكرارها، الأمر الذي يدعم اتخاذ قرارات أفضل في مجال الوقاية والتأهب".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار