في وقت تعيش فيه ليبيا حالة من الجمود السياسي والانقسام المؤسسي، فجّرت تصريحات المبعوثة الأممية لدى ليبيا “ هانا تيتيه ” جدلًا واسعًا بين الأطراف الليبية بعدما أكدت وجود تباين وجهات النظر بين الشرق والغرب حول مسار الانتخابات .
ففي أول حوار لها مع أخبار الأمم المتحدة، قالت تيتيه إن جميع الأطراف متفقة على ضرورة إجراء الانتخابات، فهناك أطراف في غرب البلاد تطالب بحل القضايا الأساسية أولا مثل صياغة الدستور وتوحيد المؤسسات الدولة، بينما يدعو المعنيون في شرق ليبيا إلى تشكيل حكومة جديدة يمكن أن تقود البلاد بعد ذلك نحو الانتخابات، الأمر الذي لقي انتقادات واسعة تتهم المبعوثة الأممية بالانحياز إلى طرف سياسي بعينه، وتهميش باقي القوى السياسية ومطالبها .
تعبير عن المصالح وتمديد للأزمة
وفي رده على تصريحات تيتيه، اعتبر عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، أن اختزال موقف المنطقة الغربية بتصريحات رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، هو تعبير عن مصالح سياسية وتمديد للأزمة، محذرا من أن الدعوة للاستفتاء ستعيد البلاد إلى نقطة الصفر .
وفي تصريحه لشبكة الرائد، أكد العرفي ضرورة تشكيل حكومة موحدة وتوحيد المؤسسات لخلق مناخ مستقرّ لبناء الدولة، مشددا على أن المضي قدما نحو الانتخابات يتطلب أولا تأسيس سلطة تنفيذية واحدة قوية .
عرقلة لأي توافق “ ليبي – ليبي “
من جهته، اتهم عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس، البعثة الأممية بلعب دور المعرقل بحجج واهية وغير حقيقية .
وأشار كرموس، في تصريح للرائد، إلى أن مجلس النواب أحال قانون الاستفتاء على الدستور إلى المفوضية الوطنية للانتخابات منذ عام 2019 ، لكنه عُرقل، مضيفا أن تنظيم انتخابات بوجود حكومتين أمر غير منطقي، مما يؤكد الحاجة الملحة لحكومة واحدة تفرض سيطرتها على كامل تراب الوطن .
وأكد كرموس أن رفض قوانين لجنة 6+6 بحجة أنها غير توافقية خير دليل على عرقلة البعثة لأي توافق “ ليبي – ليبي “.
دعوات لتوحيد الحكومة
أما المنسق العام للتحالف الليبي لأحزاب التوافق الوطني منال أبو عميد، فقد انتقدت تصريحات “ تيتيه “ ، مؤكدة أن البعثة الأممية تحاول خلق تحديات وعراقيل غير حقيقية لكسب مزيد من الوقت وإطالة أمد الأزمة .
وأكدت منال، في تصريحها للرائد، أن التحالف لطالما طالب بتشكيل حكومة موحدة هدفها تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية ضمن جدول زمني محدد تنهي الأزمة .
وأشارت منال إلى أنهم أكدوا مرارا وتكرارا في كل البيانات والملتقيات والاجتماعات الرسمية مع القوى السياسية الفاعلة على أهمية توحيد الحكومة ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية .
وتابعت أن الوضع الأمني والاقتصادي لا يحتمل المماطلة أكثر من ذلك، داعية كل الليبين من القوى الفاعلة إلى توحيد الملمة والصف وفرض الاستقرار والتأكيد على مطالب الشعب الليبي وإنهاء العبث .
توصيف غير صحيح
وفي السياق ذاته، وصف عضو المجلس الأعلى للدولة سعد بن شرادة تصريحات تيتيه، بأنها توصيفات “ غير صحيحة “ ، مؤكدا أن اختلاف الآراء موجود في كل المناطق، ولا يوجد منطقة تدعم خيارًا معيّنًا .
وأكد بن شرادة، في تصريحات صحفية، أن الأغلبية في الشرق والغرب والجنوب تدعم ضرورة وجود سلطة تنفيذية جديدة موحدة وهو المطلب البارز، قائلا إن الرافضين لهذا الخيار هم المستفيدون من وجود الحكومتين .
واتهم بن شرادة البعثة الأممية بمحاولة ترسيخ الانقسام الحاصل بالدولة، معتبرا أن تصريحات تيتيه تمثل دعما لحكومة الدبيبة .
رؤية سلطة الأمر الواقع
وفي بيان له، عدّ التحالف الليبي لأحزاب التوافق الوطني، تصريحات “ تيتيه ” انحيازًا واضحًا لوجهة نظر طرف واحد، ودعمًا لرؤية سلطة الأمر الواقع من الحكومة وداعميها .
وأشار التحالف إلى أن كل البيانات الصادرة عن القوى السياسية والأحزاب في الغرب الليبي تؤكد ضرورة إيجاد حكومة جديدة في ليبيا .
واعتبر التحالف أن ما طرح عن معالجة القضايا الأساسية مثل صياغة الدستور وتوحيد مؤسسات الدولة، رؤية ضيقة لا تعكس حقيقة المشهد السياسي المعقد، وتتجاهل ضرورة تشكيل حكومة جديدة كشرط لإجراء الانتخابات .
ودعا التحالف إلى الاستماع إلى جميع الأطراف السياسية، ودعم حلول تعزز الاستقرار لبناء حكومة تمثل كل الليبيين، وأهمية إعادة النظر في نهج البعثة الأممية الحالي .
وعلى الرغم من محاولات البعثة الأممية لدعم المسار السياسي في ليبيا، إلا أن أداءها يثير كثيرًا من الانتقادات والاتهامات بالانحياز وإطالة أمد الأزمة . فهل تستطيع البعثة تصحيح مسارها والقيام بدور حقيقي في تحقيق توافق وطني شامل؟