منذ صدوره مطلع الأسبوع الجاري، لم يتوقف قرار المصرف المركزي، الذي يحدد لشركات ومكاتب الصرافة المرخص لها ببيع العملة الأجنبية، هامش الربح بـ 7% على السعر الرسمي، عن إثارة ردود فعل ومواقف مختلفة، يجتمع أغلبها على مطالبة المصرف المركزي بتوضيح المقصود منه وشروط تنفيذه على الأرض وأثره المتوقع على سعر الصرف .
عديد الخبراء انتقدوا ما يعتبرونه “ غموضا ” في القرار الذي جاء ضمن سلسلة مراسلات وتعميمات أخرى أعلنها المصرف المركزي بعد قراره المفاجئ بتخفيض قيمة الدينار قصد وقف النزيف المستمر في احتياطات النقد الأجنبي والتعامل مع الضغط الكبير عليه .
• ما مصدر العملة ؟
البعض تساءل إن كان المصرف المركزي سيكون نفسه مصدر النقد الأجنبي الذي تشتريه مكاتب الصرافة، وإن كان كذلك فهل هذا يعني فتح باب جديد وكبير لاستنزاف الاحتياطي النقدي، وما الذي يمنع دخول وسطاء آخرين غير ظاهرين يشترونه من مكاتب الصرافة وفق نسبة الفائدة المحددة ثم يبيعونه في السوق المفتوح بالسعر الذي يريدون، لأن الأولى في هذه الحالة هو صب هذا النقد في منظومة الأغراض الشخصية “ على الأقل ينتفع به عموم الناس بدل أن يذهب لفئة ضيقة من تجار العملة “.
• مكاتب الصرافة : ترخيص معلق !
وإن كان المقصود بتسقيف هامش الربح لمكاتب الصرافة، يقول خبراء آخرون، هو تجارة العملة المتداولة حاليا من مصادر مختلفة وغير معروفة في السوق، فهم يشككون أصلا في قدرة المركزي على فرضه فعلا وإلزام المضاربين في السوق به، خاصة، كما يؤكد الخبير عمر زرموح في تصريحات إعلامية، أن مكاتب وشركات الصرافة التي أعلن المصرف المركزي في وقت سابق الإذن لها بالعمل “ ما زالت لم تتلق الترخيص النهائي ولم تباشر عملها أصلا ” ، وهو ما يعني أن المصرف المركزي لا يمكنه حاليا تنفيذ القرار الذي أعلنه .
وكان المصرف المركزي قد أعلن في فبراير الماضي، الضوابط المنظمة لأعمال مكاتب وشركات الصرافة، وقال إنه يحظر على أي شخص ( طبيعي أو معنوي ) مزاولة أعمال الصرافة، إلا إذا كان مرخصا له بذلك من المركزي، وأن يكون مقيدا في سجل الصرافين لديه، وأرفق ذلك بنشر قائمة بعشرات الشركات والمكاتب التي حصلت فعلا على إذن بالنشاط، لكن لأسباب لم يوضحها ما زال أي منها لم يباشر فعلا العمل .
• تمهيد للانسحاب
هذا الغموض في القرار مع امتناع المصرف المركزي حتى الآن عن توضيحه، جعل تفسيرات أخرى تطرح نفسها وتعتبر الخطوة أقرب “ للاستجابة الإعلامية لضغط الشارع منها لقرار نقدي واقتصادي مدروس قابل للتطبيق ” ، مع التخوف أن يكون تمهيدا من المصرف المركزي للانسحاب من الالتزام التقليدي ببيع النقد الأجنبي للمواطنين عبر منظومة الأغراض الشخصية، وقذف الكرة في شباك مكاتب الصرافة مستقبلا، كحل أخير للانفكاك مما يراه ضغوطا متزايدة على احتياطات النقد الأجنبي .