في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يودع لبنان وسوريا عام 2025 مثقلا بملفين سياسيين عسكريين، أثارا نقاشا حول شكل الدولة ومستقبلها في البلدين طوال الأشهر الماضية، قبل أن يصلا إلى نهاية "مهلتهما" من دون حسم نهائي.
ففي البلدين، تنتهي مع نهاية عام 2025 أي منتصف الليل مهلتان وُصفتا بالمفصليتين: مهلة حكومة لبنان للجيش لحصر السلاح بيد الدولة انسجاما مع رغبة أميركية، ومهلة تطبيق اتفاق مارس/آذار بين دمشق وما تعرف باسم قوات سوريا الديمقراطية ( قسد).
لكنْ مع الساعات الأخيرة من العام، بدا واضحا أن انتهاء الوقت لا يعني حسم الملفات، فيما يُتوقع أن يحمل العام المقبل 2026 تطورات عسكرية وأمنية حساسة للبلدين الخارجين من مراحل صعبة بتاريخهما.
منذ توقيع اتفاق 10 مارس/آذار الماضي بين الحكومة السورية وقسد، حرصت دمشق على التأكيد أنه خطوة سيادية تهدف إلى إنهاء الازدواج العسكري والإداري في شمال وشرق البلاد.
ونص الاتفاق بوضوح على أن تعمل لجان مشتركة على تنفيذ بنوده "بما لا يتجاوز نهاية العام"، وهو ما جعل 31 ديسمبر/كانون الأول 2025 موعدا مرجعيا سياسيا لتنفيذ الاتفاق، من دون أن يقترن بآلية تنفيذية محددة في حال التعثر.
ومع اقتراب انتهاء المهلة، شددت دمشق في تصريحات رسمية على أن الاتفاق لا يزال قائما، لكنها حمّلت قسد مسؤولية التأخير، معتبرة أن الخطوات المطلوبة لدمج القوات والمؤسسات لم تُنفذ وفق المتفق عليه.
ترافق ذلك مع توترات متقطعة واشتباكات محدودة في محيط مناطق تماس مثل حلب شمالي البلاد، ومع تصريحات سياسية تركية تشدد على ضرورة التزام قسد بالمهلة التي ينص عليها الاتفاق لدمج القوات العسكرية.
وفي هذا الصدد، قالت وزارة الدفاع التركية اليوم الأربعاء إن أنقرة ستدعم الحكومة السورية إذا "قررت اتخاذ مبادرة من أجل وحدة البلد وسلامته"، في ظل مطالبة قسد باللامركزية والفدرالية، وهو ما تعتبره كل من دمشق وأنقرة مضرا بوحدة الأراضي السورية واستقرارها.
وتمسك كل من تركيا والولايات المتحدة بمفاتيح أساسية فيما يتعلق بملف تنفيذ اتفاق مارس/آذار. فأنقرة، التي تنظر قسد باعتبارها امتدادا لحزب العمال الكردستاني، تعاملت مع الملف من زاوية أمنها القومي، معتبرة أن أي صيغة تُبقي على بنية قسد العسكرية تمثّل تهديدا مباشرا لحدودها مع سوريا.
ولا تعارض تركيا مبدأ انضواء قسد ضمن مؤسسات الدولة السورية، بل تشترط أن يؤدي هذا المسار إلى تفكيكها عسكريا وإنهاء حضورها المستقل في الشمال السوري، وهو ما يفسر استمرار الضغوط السياسية التركية.
في المقابل، تتعامل الولايات المتحدة مع الملف بمنطق مختلف، لا سيما أن قسد كانت شريكا أساسيا في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. فرغم دعمها للاتفاق، فإنها لا تضغط لتنفيذه ضمن مهلة محددة.
ويقول الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية فراس فحام -للجزيرة نت- إن واشنطن لا تبدو متعجلة في فرض تنفيذه حاليا، في ظل غموض رؤيتها لطبيعة العلاقة المستقبلية مع الدولة السورية، وتداخل حساباتها الأمنية مع الموقف التركي.
وفيما تطالب قسد باللامركزية، بعد أن بنى الأكراد "إدارة ذاتية" تتبع لها مؤسسات عسكرية واقتصادية وخدمية، وسيطروا على مساحات واسعة في الشمال الشرقي للبلاد الغني بالثروات الطبيعية بأعقاب طرد تنظيم الدولة الإسلامية منها، تشدد على الحاجة لمزيد من المباحثات بخصوص تنفيذ بنود الاتفاق.
بيد أنها ألغت "لأسباب تقنية" الاثنين الماضي زيارة قائدها مظلوم عبدي إلى دمشق حيث كان من المقرر أن يلتقي الرئيس السوري أحمد الشرع لمناقشة تنفيذ الاتفاق بحسب المهلة.
ويقول محللون إن المعطيات تكشف أن الطرفين يتجنبان الانفجار الشامل، لكنهما في الوقت نفسه غير قادرين على إنجاز تسوية نهائية.
ومن المتوقع أن ينتقل الملف إلى عام 2026 بثلاثة سيناريوهات وهي: تمديد غير معلن للمهلة، أو جمود طويل الأمد، أو تصعيد محدود تُستخدم فيه القوة لتحسين شروط التفاوض، بحسب ما يؤكده محللون.
وفي لبنان الذي عاش حربا إسرائيلية لنحو عام أنهاها اتفاق 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، والذي خرقته تل أبيب بشكل شبه يومي، ارتبطت مهلة نهاية عام 2025 بخطة حكومية كلّفت الجيش اللبناني بحصر السلاح بيد الدولة، كما ارتبطت بشرط أميركي، نقلته الصحف، يقضي بنزع سلاح حزب الله قبل بداية عام 2026.
وفي 5 أغسطس/آب الماضي، أقرت الحكومة اللبنانية حصر السلاح بيد الدولة، بما فيه سلاح حزب الله، ورحبت في سبتمبر/أيلول الماضي بخطة من 5 مراحل وضعها الجيش لتنفيذ قرارها.
وتحت وطأة ضغوط إسرائيلية وأميركية ودولية متصاعدة للدفع باتجاه ما تعتبره تل أبيب استكمال تنفيذ التزامات الاتفاق بما يتعلق بحصر السلاح جنوب وشمال نهر الليطاني، تؤكد بيروت أن الجزء الأكبر من المتطلبات أُنجز فعليا.
يأتي ذلك بينما يرفض حزب الله نزع سلاحه، ويدعو إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي كان من المفترض أن تنسحب منها وفق الاتفاق، كما يعتبر أن الحكومة اللبنانية تنفذ رغبات واشنطن وتل أبيب وأبدى استعدادا لما وصفها أمينه العام نعيم قاسم في خطاب سابق "بمعركة كربلائية" دون التخلي عن سلاحه.
والأسبوع الماضي، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام قرب انتهاء المرحلة الأولى من خطة الجيش لتنفيذ قرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة، ومن ضمنه سلاح حزب الله، معربا عن استعداد الدولة للمباشرة بالمرحلة الثانية، شمال نهر الليطاني وحتى نهر الأولي.
ومن المرتقب أن تعلن الحكومة، في جلسة لها مفترضة بداية عام 2026، عن انتهاء المرحلة الأولى.
وفي هذا الإطار أيضا، أعلن مسؤول فلسطيني، أمس الثلاثاء، تسليم دفعة خامسة من السلاح الثقيل التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، للجيش اللبناني، وذلك في مخيم عين الحلوة للاجئين بمدينة صيدا جنوبي البلاد، بما يعتبر إنجازا أمنيا لافتا في لبنان.
لكنّ إسرائيل لا ترى أن إنجازات الحكومة اللبنانية كافية وسط رفض حزب الله لتسليم سلاحه. ويتحدث الإعلام الإسرائيلي عن استعداد الجيش لشن هجوم على مواقع يدعي أنها تابعة لحزب الله في حال عدم تفكيك الجيش اللبناني لسلاح الحزب قبل بداية عام 2026.
وفي اجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فلوريدا أول أمس الاثنين، لم يصرح الرئيس الأميركي بدعم بلاده لشن هجمات عسكرية بلبنان في حال عدم إنجاز نزع سلاح حزب الله في لبنان، قائلا "سنرى ما سيحدث"، معتبرا أن الحزب "يتصرف بشكل سيئ" وأن على الحكومة اللبنانية التصرف.
ومن العوامل المؤثرة في الملف أيضا الموقف الإيراني. فطهران، الداعمة الرئيسية لحزب الله، التي خاضت مع إسرائيل حربا مباشرة في يونيو/حزيران الماضي، قد بدا خطابها حيال ملف سلاح الحزب وكأنه يتبدل مع تغير السياق السياسي.
ففي أغسطس/آب الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده تدعم حليفها حزب الله في قراراته من دون أن تتدخل فيها، وذلك بعد رفض الحزب خطة الحكومة اللبنانية لحصر السلاح بيد الدولة.
ويرى محللون أن هذا الموقف عكس في حينه تمسّك طهران بمعادلة دعم الحزب بوصفه جزءا من توازن الردع الإقليمي، مع السعي إلى تجنب الظهور كطرف يفرض خياراته مباشرة على الدولة اللبنانية. غير أن هذا الدعم تحول إلى مصدر توتر دبلوماسي مع بيروت التي اتهمت إيران بالتدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما نفته طهران ودفعها إلى عدم التصريح بدعم قرار الحزب.
ورغم الإنجازات اللبنانية الأمنية خلال الشهور الماضية، يجمع محللون -تحدثوا للجزيرة- على أن العقدة الأساسية تبقى سلاح حزب الله، بوصفه القوة المسلحة الأبرز خارج إطار الدولة، والأكثر ارتباطا بالتوازنات الإقليمية.
لذلك، ومع انتهاء المهلة، بدا واضحا أن الملف سيبقى مفتوحا على احتمالات ضغط سياسي أو تسويات مرحلية خلال العام الجديد مع خشية من اتخاذ إسرائيل تجاوز المهلة ذريعة لهجمات أوسع ضد حزب الله ولبنان.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة