في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أنقرة – تشهد قضية "التجسس السياسي" المتهم فيها رئيس بلدية إسطنبول الكبرى المعزول أكرم إمام أوغلو تطورات متلاحقة أعادت اسمه إلى واجهة المشهد السياسي والقضائي في تركيا .
إذ أصدرت محكمة الصلح الجنائية في إسطنبول الأحد الماضي قرارا يقضي بتوقيف إمام أوغلو واثنين من مساعديه على ذمة التحقيق في القضية، رغم كونهم موقوفين أصلا على خلفية ملفات أخرى.
وتعود جذور القضية إلى يوليو/تموز الماضي حين أوقفت السلطات التركية شخصا يُدعى حسين غون بتهمة "التجسس لصالح جهات أجنبية"، وأثناء فحص أجهزته الرقمية قالت النيابة إنها عثرت على أدلة تربطه بشخصيات في بلدية إسطنبول وحملة أكرم إمام أوغلو الانتخابية لعام 2019.
وبناء عليه، فتح الادعاء العام يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول الجاري تحقيقا بتهمة "التجسس السياسي" شمل إمام أوغلو ومدير حملته نجاتي أوزكان والصحفي مردان يانارداغ، وبعد يومين مَثُل إمام أوغلو أمام المحكمة وسط حضور جماهيري لأنصاره، ليصدر قرار بتوقيفه وثلاثة آخرين على ذمة التحقيق.
تشير المعلومات التي تسربت من ملف التحقيق، إلى أن الادّعاء العام في إسطنبول يتهم أكرم إمام أوغلو وفريقه بـ"استغلال نفوذ بلدية إسطنبول وتسريب بيانات شخصية لمواطنين بهدف تحقيق مكاسب سياسية بدعم من جهات أجنبية".
وتستند مذكرة الادعاء إلى مزاعم بوجود تعاون بين حملة إمام أوغلو الانتخابية عام 2019 وشبكة فتح الله غولن ، إضافة إلى اتصالات مع عناصر من أجهزة استخبارات أجنبية.
كما تظهر الوثائق أن بيانات حساسة تخص سكان وناخبي إسطنبول تم تسريبها إلى الخارج عبر تطبيقات رقمية تابعة للبلدية كشفت بيانات حوالي 15.7 مليون مستخدم. واعتبر الادعاء أن نقل هذه البيانات إلى أطراف خارجية يرقى إلى عمل تجسسي يعاقب عليه بالمادة 328 من قانون العقوبات التركي.
وكشفت التحقيقات أيضا عن اتصالات مشفرة وتقارير سرية متبادلة بين المتهم الرئيسي في الملف حسين غون وعدد من الأشخاص المرتبطين بحملة إمام أوغلو.
ووفقا لما ورد في محاضر التحقيق، عُثر في الأجهزة الرقمية الخاصة بغون على صور أسلحة متقدمة ووثائق سفر تعود لإسرائيليين يشغلون مناصب عسكرية وسياسية، مما أثار شبهات حول طبيعة المعلومات التي كان يتعامل بها، كما تبين أنه أجرى اتصالات متكررة مع دبلوماسيين أجانب وشخصيات محسوبة على شبكة غولن.
ويزعم الادعاء أن غون تواصل مع مدير الحملة نجاتي أوزكان عبر تطبيقات مشفرة مستخدما أسماء مستعارة، وقدَّم له من خلالها تقارير تحليلية عن الرأي العام وخطط الدعاية الانتخابية بمساعدة خبراء أجانب.
وتشير إحدى الرسائل المنسوبة لغون ومستشاره التقني -وهو موظف استخبارات سابق- إلى استخدام وسائل غير قانونية لجمع المعلومات عبر تقنية "استخلاص البيانات الشبكية" لتوسيع نطاق الوصول إلى بيانات المواطنين وتحليل توجهاتهم السياسية.
كما أفاد غون في اعترافاته بأنه كُلف من أوزكان بالبحث عن وجود بيانات بلدية إسطنبول ضمن نظام استخباراتي مفتوح المصدر، ثم نقل نتائج عمله إلى إمام أوغلو.
وفي تطور لافت، قرّر حسين غون التعاون مع السلطات بصفة "شاهد ملك" أملا في تخفيف عقوبته. وخلال استجوابه، قال إنه كان حلقة وصل مع "عملاء أجانب" قدموا دعما فنيا لحملة إمام أوغلو مقابل امتيازات مالية، وإنه أبلغ أوزكان وإمام أوغلو عبره بمخاطر الأساليب غير القانونية التي استخدمها في جمع المعلومات.
ويستند الادعاء كذلك إلى أن إمام أوغلو عقد لقاء قصيرا مع غون عام 2019 شكره فيه على "الخدمات المقدمة"، معتبرا ذلك دليلا على صلة مباشرة بينهما في نشاط تجسسي مزعوم.
القضاء التركي يصدر أمر اعتقال جديد لرئيس بلدية #إسطنبول المسجون حاليا أكرم إمام أوغلو، بتهمة التجسس pic.twitter.com/XOntI0kz2n
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 27, 2025
من جانبه، ينفي أكرم إمام أوغلو وجميع المتهمين في القضية بشكل قاطع صحة الاتهامات الموجهة إليهم، مؤكدين أنها ذات دوافع سياسية تستهدف شخصيات معارضة بعينها.
وخلال مثوله أمام المحكمة الأحد الماضي، أوضح إمام أوغلو أن تعامله مع حسين غون اقتصر على "استشارات تقنية محدودة" تتعلق بتحليل بيانات الناخبين خلال انتخابات بلدية إسطنبول عام 2019، مشددا على أنه لم يشارك في أي نشاط غير قانوني.
أما مدير حملته الانتخابية نجاتي أوزكان، فقال إن غون عرض عليه آنذاك بيع برنامج لتحليل بيانات التواصل الاجتماعي، لكنه رفض العرض بعد لقاء واحد فقط، كما نفى الصحفي مردان يانارداغ الاتهامات الموجهة إليه بضلوعه في "شبكة تجسس".
وفي بيان صدر من محبسه يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، عبَّر إمام أوغلو بلهجة حادة عن رفضه القاطع للتهم الجديدة، وكتب عبر منصة إكس "مثل هذا الافتراء والكذب والتآمر لا يخطر على بال الشيطان، نحن أمام فعل فاضح مخز لا يمكن وصفه بالكلمات".
وانتقدت شخصيات بارزة في حزب الشعب الجمهوري ما وصفته بـ"استخدام القضاء كسلاح لتصفية الخصوم"، معتبرة أن اتهام إمام أوغلو بالتجسس يهدف إلى إقصائه من المشهد السياسي قبل أي استحقاقات انتخابية قادمة.
في السياق، قال عضو حزب الشعب الجمهوري في مدينة بورصة برهان الدين يلتشين إن توسيع التحقيق مع إمام أوغلو ليشمل تهمة "التجسس السياسي" يعد تصعيدا سياسيا خطيرا لا يستند إلى أساس قانوني واضح، معتبرا أن ما يجري يأتي في إطار "حملة ممنهجة تستهدف أبرز رموز المعارضة في البلاد".
وأوضح يلتشين للجزيرة نت أن السلطة تسعى عبر هذه التهمة غير المسبوقة إلى تحويل الخلاف السياسي إلى قضية أمن قومي، في محاولة -حسب وصفه- لـ"تشويه صورة إمام أوغلو أمام الرأي العام وإبعاده عن الساحة السياسية"، خاصة بعد أن رسَّخ مكانته كأحد أبرز الشخصيات المعارضة وأكثرها حضورا في أي استحقاق انتخابي قادم.
في المقابل، نفت الحكومة التركية تماما وجود أي تدخل سياسي في عمل القضاء، مؤكدة أن المحاكم "مستقلة وتتصرف وفق القوانين والأدلة المتاحة".
من جانبه، قال المحلل السياسي مراد تورال إن القضية تُمثّل اختبارا حرجا لكنها لن تُحدث تحولا جذريا في ميزان القوى الداخلي.
وأوضح تورال للجزيرة نت أن ثقل التهمة يضع إمام أوغلو في موقف دفاعي صعب سياسيا وقضائيا، مؤكدا أن مجرد تداولها يؤثر على صورته لدى شريحة من الناخبين المترددين حتى قبل صدور أي حكم.
وأضاف أن المعارضة تمر أصلا بحالة من التشتت وضعف التنسيق منذ الانتخابات الأخيرة، مشيرا إلى أن التعامل القضائي مع إمام أوغلو "لا يعكس استهدافا سياسيا بقدر ما يندرج ضمن مسار قانوني اعتيادي عندما يتعلق الأمر باتهامات أمنية".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة