آخر الأخبار

خيام طبية فقيرة لعلاج آلاف النازحين وسط قطاع غزة

شارك

غزة- على فرشة مهترئة في خيمة متهالكة بساحة مستشفى شهداء الأقصى، في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة ، يستلقي الجريح العشريني صابر مشتهى، وسط بيئة بائسة وغير صحية تفتقر لأدنى خدمات الرعاية الصحية.

هذه الخيمة واحدة من بين خيام طبية كثيرة، اضطرت إدارة المستشفى الحكومي الوحيد في وسط القطاع إلى إقامتها في ساحتها وعلى أسوارها الخارجية، لمواكبة الضغوط الهائلة الناجمة عن أعداد يومية من الجرحى والمرضى، الذين صار هذا المستشفى "قبلتهم الرئيسية للعلاج".

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 بتمويل كويتي.. رئيس كينيا يفتتح رسميا "جامعة الأمة" الإسلامية
* list 2 of 2 اليونيسف تدعو لإجلاء 25 رضيعا في حضانات مدينة غزة end of list

ومشتهى (26 عاما) جريح نزح من مدينة غزة ، منذ نحو أسبوع، على وقع العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة ضد المدينة، والتي أجبرت مئات الآلاف من سكانها والنازحين فيها على النزوح لمناطق وسط القطاع وجنوبه.

مصدر الصورة الجريح صابر مشتهى يرقد وسط ظروف كارثية في خيمة ملحقة بمستشفى شهداء الأقصى (الجزيرة)

ظروف قاسية

قبل فترة بسيطة من نزوحه من مدينة غزة، قلبت غارة جوية إسرائيلية حياة مشتهى رأسا على عقب، وقال شقيقه المرافق له للجزيرة نت "أصيب صابر ببتر في ساقيه، وفقد الرؤية في إحدى عينيه، واستشهدت طفلته سيلا (5 أعوام)، وأصيبت طفلته الثانية مسك بجروح طفيفة، في حين أصيبت زوجته سندس (26 عاما) بجروح خطرة".

كان مشتهى وأسرته الصغيرة نازحين في خيمتهم منذ اضطرارهم لمغادرة منزلهم في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، عندما تهاوت الصواريخ على خيام ملاصقة له، وأدت إلى وقوع شهداء وجرحى.

ويصف مشتهى نفسه بأنه "أسير ألم البتر والجروح، وأسير البعد والفراق عن زوجته وطفلته"، وبلسان يقطر وجعا يقول "دمروا حياتي في لحظة غادرة".

ولا يجد مشتهى سريرا متاحا له في قسم العمليات بمستشفى شهداء الأقصى من أجل الخضوع لعملية جراحية لترميم البتر، نتيجة الاكتظاظ الشديد، ونقص الكوادر الطبية والأدوية والمعدات والمستهلكات.

ويقول مرافقه "الخدمات هنا صفر ومعدومة"، ويشير بيده إلى مياه صرف صحي تتسرب إلى الخيمة وتحت أسرّة الجرحى والمرضى، ويتساءل بحرقة "هل هذه بيئة صحية تصلح للعلاج، حتى الشاش والمسكن وأبسط الأدوية غير متوفرة، ونوفرها بأسعار مرتفعة من صيدليات خارجية".

مصدر الصورة مستشفيات قطاع غزة تعاني من نواقص كثيرة في الأدوية والمعدات والمستهلكات الطبية (الجزيرة)

أشهر بلا تحسن

وفي خيمة مجاورة يئن الجريح الشاب نبيل أبو جبر (20 عاما) من أوجاع لا تتوقف، منذ إصابته بعيار ناري متفجر في ظهره، أثناء انتظاره ضمن حشود منتظري المساعدات الإنسانية قبل نحو 3 شهور.

إعلان

بالأمس لم يجد أبو جبر "حبة مسكن" توقف أوجاعه ولو مؤقتا، ويقول للجزيرة نت "هذه الخيمة عبارة عن فرن يغلي من شدة الحرارة، والحشرات تشاركنا أسرّتنا وفرشاتنا، وتقض مضاجعنا، وتحرمنا النوم براحة في الليل أو النهار".

وأبو جبر هو الابن الوحيد لوالديه من بين 11 شقيقة، وقد أقعدته الإصابة وأفقدته القدرة على السير، وبات يحتاج إلى المساعدة والعناية به، بعدما كان يتكفل بمساعدة أسرته على تدبر شؤونها اليومية.

ومنذ 3 شهور وأبو جبر على هذه الحال، لا يقوى على الحركة ويلازم الفراش، "من دون أي تحسن يذكر" بحسب وصفه، ويأمل أن تتاح له فرصة السفر للخارج، من أجل تلقي علاج لا يوجد في مستشفيات القطاع شبه المنهارة.

مصدر الصورة الستينية فاطمة حجاج مريضة ترافق زوجها السبعيني الجريح نتيجة غارة جوية إسرائيلية (الجزيرة)

تفاصيل مؤلمة

وبدوره، لا يتوقف لسان السبعيني كامل حجاج عن التضرع إلى الله أن يخفف عنه آلامه، إثر سقوطه في حفرة عميقة، أثناء محاولته الهرب من غارة جوية إسرائيلية استهدفت برجا سكنيا في مدينة غزة، وأصيب بكسر في الحوض، ورضوض في أنحاء جسده الهزيل.

كان حجاج (70 عاما) وعائلته الكبيرة (25 فردا) في طريق نزوحهم من مدينة غزة إلى وسط القطاع، عندما استهدفت مقاتلات حربية إسرائيلية برجا سكنيا بعدة صواريخ قرب ميناء الصيادين غرب المدينة. وقال للجزيرة نت إنه سقط في حفرة أثناء محاولته الهرب من مكان الانفجار.

ويقول مرافقون لحجاج إنه "تحامل على نفسه، وتعاونا في حمله وإكمال الطريق نحو وسط القطاع سيرا، حيث لا تتوفر وسائل مواصلات، فضلا عن ارتفاع أجرة النقل من مدينة غزة".

وبعد 14 يوما من دخول هذا الجريح السبعيني المستشفى، حصل على فرصة وأجريت له عملية جراحية، وتقول زوجته فاطمة حجاج (62 عاما) "هذه ليست حياة، الجرحى والمرضى في خيام متهالكة، وبلا خدمات أو رعاية مناسبة، ونحن كنازحين من غزة نقيم في العراء والشوارع وعلى شاطئ البحر".

هذه المرأة نفسها تعاني من أمراض مزمنة ولا تجد أدويتها، وتتحامل على نفسها من أجل البقاء إلى جانب زوجها في الخيمة الطبية التي تصفها بالجحيم.

وتراكمت الهموم على هذه النازحة، وخسرت نحو 40 كيلوغراما من وزنها، وبقلب مثقل بالآلام تقول "ما الفرق بيننا وبين الأموات؟، نحن نواجه الموت 100 مرة في اليوم الواحد، ونعاني من أجل توفير لقمة العيش أو حبة الدواء".

وتعمل الحكيمة رنين عفانة (26 عاما) في قسم مكتظ عن آخره بنحو 300 حالة من الجرحى والمرضى، ويعمل به 9 ممرضين فقط، ويفتقر إلى الأسرّة والأدوية والمعدات الكافية.

وعفانة نفسها نازحة من حي الشيخ رضوان في مدينة غزة، وفقدت أحد أشقائها خلال الحرب، وتقول للجزيرة نت "كلنا نعاني، سواء الطبيب أو المريض، نعمل على مدار الساعة، وقلوبنا تنفطر مع صرخات الموجوعين، ونحن لا نمتلك أبسط ما يخفف عنهم".

حافة الانهيار

وتخدم مستشفى شهداء الأقصى نحو 700 ألف من السكان والنازحين في هذه المنطقة، وجلهم ممن أجبرتهم العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة في مدينة غزة على النزوح إلى مناطق وسط القطاع وجنوبه.

ويقدر الناطق باسم المستشفى الدكتور خليل الدقران في حديثه للجزيرة نت نسبة الإشغال في المستشفى بنحو 400%، وتبدو أقسام المستشفى الصغير وممراته وساحاته الخارجية مكتظة بمئات الجرحى والمرضى.

إعلان

وفي ظل هذه الحال، اضطرت إدارة المستشفى إلى إقامة خيام طبية في الساحات الخارجية لمبيت جرحى ومرضى، وتقديم الخدمة الطبية لهم، ووفقا للدقران فإن "موجة النزوح الواسعة من مدينة غزة وضعت ضغوطا كبيرة ومضاعفة على المستشفى الذي يقف حاليا على حافة الانهيار".

ومع اقتراب الحرب من نهاية عامها الثاني على التوالي، تعاني الكوادر الطبية في المستشفى من حالة إنهاك وإرهاق شديدين، علاوة على نقص حاد في الأدوية والمعدات والأجهزة والمستهلكات الطبية، يضعها الدقران في سياق "سياسة الاستهداف الإسرائيلية الممنهجة للمستشفيات والمنظومة الصحية في القطاع، منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب" في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

مصدر الصورة الطواقم الطبية في مستشفى شهداء الأقصى تشكو من ضغط هائل مع موجة النزوح الواسعة من مدينة غزة (الجزيرة)

وبدوره، يمثل الطبيب الدقران نموذجا لهذه الحال التي وصلت إليها الطواقم الطبية، حيث قضى آخر 24 ساعة متنقلا بين غرف العمليات وأقسام المستشفى والخيام، قبل تمكن الجزيرة نت من الاتصال به هاتفيا في وقت متأخر من ليلة أمس، بعد تعذر لقائه، ويقول "طوال هذه المدة استرقت لحظات بسيطة للنوم والراحة، وبالكاد أستطيع فتح عينيّ والوقوف على قدميّ".

ويشير توثيق رسمي لوزارة الصحة والمكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن قوات الاحتلال قتلت 1670 من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، وجرحت نحو 3500 آخرين، واعتقلت 361، علاوة على تدمير أو إخراج 38 مستشفى عن الخدمة، واستهداف 96 مركزا للرعاية الصحية، وتدمير أو إعطاب 197 سيارة إسعاف.

ومنذ اندلاع الحرب شنت قوات الاحتلال 788 هجوما مباشرا على مرافق الرعاية الصحية وكوادرها وسلاسل إمدادها، بحسب البيانات الرسمية.

وكان مستشفى شهداء الأقصى من بين أكثر المستشفيات والمرافق الصحية عرضة للقصف والاستهداف، ويقول الدقران إن الاحتلال استهدف المستشفى 14 مرة، أسفرت عن خسائر مادية وخروج أقسام عن الخدمة.

ويصف الناطق باسم المستشفى الواقع الصحي فيه بأنه "كارثي ومأساوي"، ولا تشكل الخيام الطبية بديلا عنه، وإنما خيارا اضطراريا، ويقول إنها "غير صحية وغير موائمة لتقديم الخدمات الطبية المتنوعة، ويقتصر العمل فيها على المبيت، وتقديم الحد الأدنى من الخدمات الصحية، وبمستوى أقل مما تتطلبه الحالة الصحية للجريح أو المريض".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا