في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
ضمن موجة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإبادة جماعية في قطاع غزة، خطفت الرياض و باريس المبادرة، وأقنعتا 9 دول غربية بالاعتراف بدولة فلسطين، الأمر الذي شكل ضربة قوية لاتفاقيات أبراهام التي كانت تدعو للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي دون شرط قيام الدولة الفلسطينية .
وبين نجاح المسعى السعودي الفرنسي في الاختراق الغربي للاعتراف بدولة فلسطين وزيادة عزلة إسرائيل ، والمخاوف من اتساع دائرة التصعيد، نشر مركز الجزيرة للدراسات تحليلا بعنوان " موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية: تقهقر أميركي وترنح اتفاقات أبراهام ".
التحليل الذي كتبه الباحث في مركز الجزيرة للدراسات الحواس تقية، ناقش نجاح الاختراق العربي للدول الغربية، وتجاوزها للشروط التي كانت الإدارة الأميركية تضعها للاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما استعرض التحول الإستراتيجي في فقدان الولايات المتحدة القيادة في ملف القضية الفلسطينية.
في سياق الاعتراف العالمي بفلسطين، كانت البلدان الغربية منسجمة مع الولايات المتحدة الأميركية في أن اعترافها بدولة الشعب الفلسطيني سيكون نتيجة للمفاوضات الثنائية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
لكن الحكومات في تل أبيب ظلت تماطل وتختلق العقبات من أجل كسب المزيد من الوقت وتوسيع دائرة الاستيطان داخل الأرض الفلسطينية.
وبعد هجوم طوفان الأقصى ، وشن الاحتلال الإسرائيلي حرب دمار وإبادة على قطاع غزة، دخلت القضية الفلسطينية في منعرج جديد، حيث أعلن قادة الاحتلال أنهم يرفضون قيام دولة فلسطينية، وأن اتفاقيات أوسلو كانت خطأ ويعملون على تصحيحه.
وفي هذا السياق، تغير الرأي العام الغربي لصالح الفلسطينيين وحقهم في الحصول على دولتهم، ما دفع حكومات تلك البلدان إلى الاستجابة للأصوات الشعبية التي أصبحت مناهضة لإسرائيل.
وبالتزامن، غضبت تل أبيب من هذا التحول في المواقف الغربية، واعتبرته هي والإدارة الأميركية مكافأة لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) على هجومها في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتعتبر تل أبيب أن الاعتراف الغربي بدولة فلسطين دون موافقتها، نزع منها ورقة الاعتراف الغربي الذي كانت تضغط به، ومن خلاله تطلب مزيدا من التنازلات.
وهذه الإشكالية، تشبه ورقة الاعتراف العربي بدولة إسرائيل، الذي كان هو الآخر ورقة بيد السلطة الفلسطينية، قبل أن تحجّم دوره اتفاقات أبراهام التي نتج عنها تطبيع عربي دون موافقة السلطة الفلسطينية.
وهكذا يمكن القول إن الاعتراف الغربي بدولة فلسطين، هو اتفاقات أبراهام معكوسة لصالح السلطة الفلسطينية.
ومن خلال موجة الاعتراف الغربي، برز تحولان في ميزان القوى والإستراتيجيات:
يلاحَظ بخصوص التحول الأول أن الدولتين اللتين تقودان حملة الاعتراف بفلسطين، هما قوتان حليفتان للولايات المتحدة، الأولى: فرنسا الموجودة في أوروبا، والثانية: المملكة العربية السعودية .
وقد شرّعت فرنسا والسعودية هذا المسار رغم رفض الولايات المتحدة، وأقنعا عددا كبيرا من الدول الغربية بالانضمام إليهما.
ومن ضمن البلدان الغربية التي اعترفت بفلسطين، دول كانت تقليديا تدور في فَلَك الولايات المتحدة، مثل بريطانيا و كندا و أستراليا ، وهذا مؤشر على أن الحلف الغربي يتصدّع في أهم قضية بالشرق الأوسط، كما تصدّع في ملف أوكرانيا الذي يعتبر أهم قضية في أوروبا، وفقدت الولايات المتحدة في الحالتين القيادة.
أما التحول الإستراتيجي الثاني، فهو تبنّي السعودية وفرنسا نهجا يخالف مشروع ترامب الإستراتيجي للشرق الأوسط، حيث كان يراهن على أن خوف بعض الدول العربية وإسرائيل من إيران سيدفعهما للتحالف، وتطبيع العلاقات.
ورغم أن بعض الدول العربية، طبّعت مع إسرائيل، فإن الإبادة الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة، والهجمات على سوريا و قطر ، أظهرت أن إسرائيل لا تقل خطرا عن إيران، أو لعلها أشدّ منها في نظر عدة دول عربية، بل إن السعودية وإيران تمكنتا من تحسين علاقاتهما بوساطة صينية.
وفي السياق، لم تستطع باريس الخلط بين الاستمرار في دعم تل أبيب، والادعاء بأنها تحترم القانون الدولي و محكمة العدل الدولية التي اتهمت إسرائيل بجرائم في حق الشعب الفلسطيني ترقى إلى الإبادة الجماعية .
وحصيلة هذا التحول أن عزلة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تزداد في النطاق الغربي، وعزلة دول اتفاقات أبراهام ستزداد في النطاق العربي والإسلامي، وقد يفضي ذلك إلى انهيارها كلية أو إفراغها من محتواها.
وفي ضوء هذه التحولات، قد تتشكل دائرة جديدة من التصعيد المتبادل، حيث يحتمل أن تواجه إسرائيل الاعتراف الغربي بمزيد من العدوانية، وتقرّر ضم قطاعات من الضفة الغربية ، واستمرار استخدام القوة من أجل إجبار سكان غزة على الهجرة من أرضهم.
وقد يؤدي هذا التصرف إلى دفع دول غربية جديدة بالاعتراف بفلسطين، واتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل، وهو الأمر الذي يحتمل أن تفعله الدول العربية.
هذه الاحتمالات، قد تواجهها إسرائيل بمزيد من التشدد، لترد عليها مجموعات واسعة من دول العالم بالإجراءات نفسها، ما يجعل تل أبيب في مرحلة شبيهة بوضع جنوب أفريقيا في مرحلة ما قبل سقوط نظام الفصل العنصري ( الأبارتايد ).
وقد يكون هذا المسار هو الأرجح، لأن الأطراف الإسرائيلية متفقة على رفض حل الدولتين ، وفي المقابل فإن الرأي العام الغربي لم يعد قابلا للسياسات الإسرائيلية العدوانية، ويضغط على قادته لتغيير نمط تعاملهم السابق الذي يدعم الاحتلال الإسرائيلي.