في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تتموضع سيناء في المدة الأخيرة عند تقاطع نارين؛ متطلبات الأمن الحدودي المصري بعد حرب غزة، وقلق إسرائيلي متنام من تغير معادلات القوة والانتشار في شبه الجزيرة.
وبينما ترى القاهرة أن تعزيز حضورها شرقي قناة السويس ضرورة دفاعية لردع "الإرهاب والتهريب"، تعتبر تل أبيب ذلك خرقا لترتيبات الملحق الأمني لمعاهدة كامب ديفيد .
وفي الخلفية، تضغط حرب البحر الأحمر وتداعياتها على الملاحة، وتعيد مناورة "النجم الساطع 2025" (Bright Star-2025) برعاية واشنطن والقاهرة إظهار شبكة تحالفات أوسع، وتتصاعد لعبة الرسائل، فإسرائيل تحرك قنواتها في واشنطن، ومصر تصر على شرعية نشر قواتها ضمن آليات المعاهدة.
كشف تقرير أميركي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ، طلب من واشنطن الضغط على القاهرة بزعم "انتهاكات جوهرية" للاتفاق الموقع عام 1979 كملحق أمني لاتفاق كامب ديفيد للسلام الموقع عام 1978.
ونشر موقع أكسيوس عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين في 20 سبتمبر/أيلول الجاري أن "نتنياهو قدم لوزير الخارجية مارك روبيو قائمة بالأنشطة المصرية في سيناء، واعتبرها انتهاكا جوهريا للمعاهدة".
وفي تأكيد رسمي لانتشار قوات مصرية في سيناء، شددت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، في بيان لها في 21 سبتمبر/أيلول، على أن "القوات المتواجدة في سيناء تستهدف تأمين الحدود، وفي إطار التنسيق المسبق مع أطراف السلام".
ويعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن حجم انتشار الجيش المصري في سيناء "أكبر بكثير" مما وافقت عليه سلطات الاحتلال في التفاهمات الثنائية خلال العام الأخير.
وينص الملف الأمني لاتفاق السلام المصري الإسرائيلي على تقسيم سيناء إلى 3 مناطق:
وتُظهر المؤشرات الميدانية أن القاهرة رفعت منذ مطلع 2024 مستوى الجاهزية والتجهيز على خطوط تماس رفح الشيخ زويد وشمال شرق سيناء، ضمن مسعى مزدوج يرمي إلى سد ثغرات التهريب ومواجهة بقايا "الخلايا الإرهابية"، ومنع أي تدفق قسري للسكان من غزة.
وقد أفادت تقارير بأن الجيش المصري عزز وجوده بتشكيلات مدرعة وآليات نقل جند قُبيل توسع العمليات الإسرائيلية في رفح، بينما وثقت صور أقمار اصطناعية أعمال تسوية وبناء أسوار ومنطقة عازلة عريضة على خط الحدود.
وكانت صور أقمار اصطناعية قد أظهرت، بحسب ما أوردت شبكة "سي إن إن" (CNN) في 6 فبراير/شباط 2024، أن "مصر تبني منطقة عازلة بعرض يتجاوز الميلين مع جدار قرب رفح". ونقل تقرير لرويترز عن مصادر عسكرية مصرية في 10 فبراير/شباط أن "الجيش المصري نشر نحو 40 دبابة وناقلة جند قرب حدود غزة".
اعتبر مسؤول إسرائيلي، بحسب ما نقلت عنه أكسيوس الأميركية، أن "ما تفعله مصر في سيناء أمر خطير جدا، ونحن قلقون للغاية"، معتبرا أن التوسع العسكري المصري يشمل إنشاء بنى تحتية قد تُستخدم لأغراض هجومية.
وقال مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى، في تصريحات أوردتها القناة 12، إن التعزيزات المصرية في سيناء تحولت إلى "نقطة توتر رئيسية إضافية" بين الجانبين. وأفادوا بأن اتصالات مباشرة بين تل أبيب والقاهرة لم تحقق أي تقدم، مما دفع إسرائيل إلى التوجه لواشنطن.
وحذر السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر ديفيد جوفرين، في مقال نشرته صحيفة معاريف في 23 سبتمبر/أيلول الجاري، من أن مصر تعمل منذ سنوات على "تآكل تدريجي" للملحق الأمني في اتفاقية كامب ديفيد، من خلال فرض حقائق جديدة على الأرض.
وقال إن التطورات الأخيرة في غزة قد تمنح القاهرة ذريعة لتعزيز وجودها العسكري في سيناء بشكل غير مسبوق، محذرا من أن ذلك قد يفتح الباب أمام مواجهة مستقبلية بين الجانبين.
ونقل جوفرين أن المسؤولين المصريين الذين التقاهم خلال خدمته في القاهرة اعتبروا أن الوقت حان لإلغاء القيود العسكرية في سيناء، وهو ما عبر عنه ضباط الجيش المصري بشكل متكرر، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي .
وفي ظل تصاعد التوتر في هذا الملف، برزت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي ذكر فيها عن أحلامه بإقامة "إسرائيل الكبرى"، وأدانت القاهرة هذه التصريحات وطالبت بإيضاحات رسمية.
كما سبق أن أعربت مصر عن بالغ الاستهجان لتصريحات نتنياهو بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة عبر معبر رفح، وأكد بيان لوزارة الخارجية "أن أي دعوة أو تلميح لتهجير الشعب الفلسطيني، سواء قسرا أو طوعا، من أرضه، تُعد مرفوضة تماما ومدانة بشدة، وتشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، وترقى إلى درجة جرائم التطهير العرقي، وفقا للمواثيق الدولية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف".
كما تجدر الإشارة إلى أن القاهرة لم تعتمد حتى الآن السفير الإسرائيلي الجديد، في حين لا يوجد سفير مصري في تل أبيب، في ما اعتبره مراقبون مؤشرا على فتور العلاقة بين الطرفين.
لا تخفي مصر قلقها من الحرب المستمرة في غزة والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة في المنطقة، وتأثيرها على الأمن القومي المصري، وحتى على مصير معاهدة السلام التي تربطها بإسرائيل.
فقد صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال القمة العربية الإسلامية في الدوحة بأن "ما يحدث الآن يُعيق فرص السلام، يُهدد أمنكم وأمن شعوب المنطقة، ويُضيف عقبات لفرص أي اتفاقيات سلام جديدة وحتى يُبطِل الموجودة منها".
كما رفضت مصر مقترحات تتعلق ببقاء قوات إسرائيلية على الحدود مع غزة، إذ قالت وزارة الخارجية المصرية في 18 سبتمبر/أيلول 2024 إن "مصر لن تقبل ببقاء قوات إسرائيلية على الحدود مع غزة ولا أي تغييرات في الترتيبات الأمنية التي كانت قائمة قبل الحرب".
وتوقف السفير الإسرائيلي السابق في مصر، ديفيد جوفرين، عند خطاب السيسي الأخير في القمة العربية الإسلامية التي عُقدت في قطر، حيث وصف إسرائيل بأنها "عدو"، في سابقة منذ توقيع معاهدة السلام.
واعتبر أن هذا التوصيف يعكس غضبا مصريا متراكما، سواء بسبب حرب الإبادة في غزة، أو تجميد إسرائيل المصادقة على صفقة غاز ضخمة بقيمة 35 مليار دولار.
وبحسب السفير جوفرين، فإن التصعيد الإسرائيلي في غزة وخشية مصر من تدفق اللاجئين دفعا القاهرة إلى تعزيز وجودها العسكري في رفح، مما قد يتحول إلى نقطة انطلاق لتغيير دائم في ميزان القوى بسيناء.
وحذر من أن استمرار هذه العملية قد يمنح مصر فرصة لاستغلال الظروف لتوسيع حضورها العسكري، مع الإبقاء عليه حتى بعد انتهاء الحرب، في ما يشبه تآكلا متدرجا للملحق الأمني.
ورأى جوفرين أن إسرائيل ستواجه صعوبة في الاعتماد على القوة المتعددة الجنسيات في سيناء أو حتى على الولايات المتحدة لإجبار مصر على العودة للقيود السابقة، مما قد يتركها أمام واقع جديد يتمثل في جيش مصري أقوى وأكثر انتشارا على حدودها الجنوبية.
ويرجح خبراء أن تستمر إسرائيل في رفع وتيرة المراقبة والمواجهة الدبلوماسية على الصعيد الدولي، بما في ذلك مطالبة واشنطن وعواصم أوروبية بممارسة الضغوط لوقف ما تسميه "انتهاكات جوهرية" من جانب مصر في سيناء.
ويرى السفير الإسرائيلي السابق أن "البديل عن الريفيرا الفلسطينية في غزة قد يكون مواجهة عسكرية جديدة مع مصر"، في إشارة إلى أن استمرار تآكل الملحق الأمني قد يعيد شبح الصدام بين الجانبين، ويقوض أحد أهم إنجازات إسرائيل منذ توقيع اتفاقية السلام قبل أكثر من 4 عقود.
في المقابل، تصاعد التعاون العسكري بين القاهرة وبكين بطريقة تغطي شبه جزيرة سيناء جغرافيا، لا سيما في ما يتعلق بأنظمة الدفاع الجوي والمناورات المشتركة.
وأفادت العرب الأسبوعية، نقلا عن مصادر عسكرية، خلال الأسبوع الماضي، بأن "مصر عززت دفاعها الجوي في سيناء بأنظمة HQ-9B الصينية وسط تصاعد التوتر الإقليمي".
وكانت صحيفة "يسرائيل هيوم" قد نقلت عن مصادر أمنية إسرائيلية قلقها من الاجتماعات المشتركة بين مسؤولين مصريين وصينيين رفيعي المستوى في يوليو/ تموز الماضي، وقالت إن المباحثات تناولت مناقشة صفقات أسلحة متطورة تشمل سفنًا حربية وأنظمة دفاع جوي متقدمة.
وفي مقالة تحليلية في أبريل/نيسان الماضي، اعتبرت هيئة البث الإسرائيلية أن مناورات "نسور الحضارة 2025" تمثل أول تدريب مشترك موسع بين مصر والصين قرب الحدود يشمل مقاتلات إنذار مبكر وطائرات هجومية، وهو ما اعتبره مراقبون تحولا إستراتيجيا في موقع مصر العسكري.
وفي حين اعتبرت "نسور الحضارة" أول تدريب جوي مشترك من نوعه بين البلدين، إلا أن الجانبين أجريا -أكثر من مرة- "تدريبات بحرية عابرة"، وهي تمرينات عابرة وغير مجدولة مسبقًا.