آخر الأخبار

لبنان بين التحذير الأميركي والتصعيد الإسرائيلي

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

توم براك: حزب الله يعيد بناء قدراته

في خضم مشهد إقليمي متوتر، لا يبدو أن لبنان بات بمنأى عن رياح العاصفة. فالتصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم براك، خلال مقابلة مع قناة سكاي نيوز عربية، حملت ما يشبه "جرس إنذار" صريحا: واشنطن لن تتولى مهمة نزع سلاح حزب الله في لبنان، والدولة اللبنانية هي وحدها المخولة بهذه الخطوة، وإلا فإن إسرائيل ستتدخل وتنجز المهمة بنفسها.

هذا الكلام، الذي جاء بوضوح غير مسبوق، فتح الباب واسعا أمام تساؤلات عميقة: هل بات لبنان على أعتاب مواجهة عسكرية مفتوحة؟ وهل يملك ما يكفي من أوراق لتفادي "لحظة الانفجار" التي قد تُسقط ما تبقى من استقرار هش؟

رسالة براك.. أكثر من تحذير

ما قاله براك لم يقتصر على الداخل اللبناني، بل تجاوز الحدود ليوجه البوصلة مباشرة إلى طهران، باعتبارها الممول الأول لحزب الله ومصدر قوته.

وقد شدد المبعوث الأميركي على أن "قطع رأس الأفعى"، أي إيران، هو الشرط الأساس لوقف إعادة بناء قوة الحزب.

وفي معرض حديثه، رسم توم براك مشهدا أكثر قتامة حين أشار إلى أن الصراع في الشرق الأوسط ليس صراع حدود، بل صراع على "مبدأ الهيمنة والخضوع"، في إشارة واضحة إلى أن واشنطن ترى أن المواجهة مع حزب الله لا يمكن فصلها عن المواجهة الأكبر مع إيران.

الموقف الإسرائيلي.. تهديدات متصاعدة

التحذيرات الأميركية تلاقت مع سلسلة رسائل إسرائيلية مكثفة في الأسابيع الأخيرة، كلها تركز على فكرة أن حزب الله أعاد بناء قدراته العسكرية، وأنه أنهى عملية ترميم بنيته التحتية بعد حرب الاستنزاف المستمرة منذ أكتوبر 2023.

فقد نقلت زيارة براك الأخيرة إلى لبنان رسائل إسرائيلية مباشرة إلى المسؤولين اللبنانيين، تعكس بوضوح أن تل أبيب تفكر جديا في خيار القيام بعملية عسكرية "جراحية" لنزع سلاح حزب الله، إذا لم تبادر الدولة اللبنانية بذلك.

هذا المشهد تزامن مع تصريحات لرئيس كتلة حزب الله النيابية، محمد رعد، أكد فيها أن الحزب أنهى بالفعل إعادة بناء قدراته، ما يعني أن تل أبيب تنظر إلى المرحلة المقبلة باعتبارها مفصلية في الصراع مع الحزب.

مرحلة خطرة في الأسابيع المقبلة

قرأ الباحث والكاتب السياسي إبراهيم ريحان، وفي حديثه لـ"الظهيرة" على سكاي نيوز عربية، الموقف الأميركي الإسرائيلي بوصفه مؤشراً خطيراً على اقتراب المنطقة من مرحلة تصعيدية.

فرأي ريحان أن كلام براك ليس جديدًا على مسامع المسؤولين اللبنانيين، إذ سبق أن سمعوه منه مباشرة خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت. لكنه يكتسب اليوم أهمية مضاعفة لأنه يتزامن مع ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية، ومع إقرار الحكومة اللبنانية خطة للجيش تشمل الانتشار جنوب الليطاني وتفكيك السلاح في تلك المنطقة.

غير أن هذا المسار يواجه عراقيل كبيرة، وفق ريحان، أبرزها رفض حزب الله القاطع تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، إضافة إلى رفض إسرائيل الانسحاب من بعض النقاط الحدودية مثل "تل الخمس"، وهو ما يجعل تنفيذ خطة الجيش شبه مستحيل.

ويضيف ريحان أن هذه التعقيدات تمنح حزب الله الذرائع للبقاء مسلحا، كما تمنح إسرائيل الحجج لتبرير أي عملية عسكرية مستقبلية، ما يجعل الأسابيع المقبلة محمّلة بإشارات سلبية لا تبشر بالاستقرار.

إشكالية "سردية السلاح"

في مقاربة أكثر عمقًا، توقف ريحان عند مسألة "السرديات" المتناقضة حول سلاح حزب الله، فبينما يعتبر الحزب أن هذا السلاح هو الضمانة الوحيدة لردع إسرائيل، يرى خصومه أن وجوده يعرض لبنان يوميا لخطر الاستهداف والانجرار إلى الحروب.

ويستعيد ريحان وقائع العام الماضي، حين تهجر عشرات الآلاف من أبناء الجنوب وتعرضت قراهم للتدمير بسبب المواجهات مع إسرائيل، معتبرا أن "سردية أن السلاح يحمي لبنان قد سقطت"، وأن الدولة اللبنانية وحدها معنية بإيجاد سردية جديدة تنظم العلاقة بين السلاح والسيادة.

ومع ذلك، يشدد ريحان على أن مسألة حصر السلاح بيد الدولة ليست مطلبًا أميركيًا أو إسرائيليًا فقط، بل هي جزء أصيل من اتفاق الطائف، ووردت بوضوح في خطاب القسم الرئاسي والبيان الوزاري للحكومات المتعاقبة.

الجيش اللبناني بين المصادرة والاستفادة

أحد أبرز المحاور التي توقف عندها ريحان يتعلق بدور الجيش اللبناني في التعامل مع السلاح المصادَر. فقد كشف أن الجيش نشر مؤخرا فيديو لمناورات عسكرية استخدم فيها صواريخ " كورنيت" الروسية و"الماسِن" الإيرانية، وهي أسلحة صودرت من مخازن حزب الله.

هذا يعني أن الجيش لا يدمر كل ما يصادره، بل يحتفظ ببعضه ويستفيد منه وفقا لسياسة يحددها مجلس القيادة. وهو ما يعزز، بنظر ريحان، فكرة أن حماية لبنان يجب أن تكون مسؤولية الدولة ومؤسساتها الشرعية فقط، وليس الأحزاب أو الفصائل المسلحة.

لم يتفاجأ ريحان بالموقف الأميركي الذي عبّر عنه براك، معتبرًا أن "الانحياز الأميركي لإسرائيل ثابت تاريخيًا منذ 1948"، وأنه لا يمكن للبنان أن يتوقع تغييرًا في هذه المعادلة، سواء عام 1982 أو 2006 أو حتى اليوم.

لكن الأهم، في رأيه، أن لبنان مدعو اليوم لبناء استراتيجية أمن وطنية واضحة، تكون فيها الدولة هي المرجعية الوحيدة للسلاح والدفاع. وهذا يستدعي من حزب الله، إذا كان حريصًا على حماية لبنان، أن ينزع الذرائع من إسرائيل ويسهّل مهمة الدولة في حصر السلاح بيدها.

الحقيقة الكاملة ظهرت الآن

من جهته، قدّم الكاتب الصحفي محمد علوش قراءة مغايرة، معتبرا أن توم براك كشف في تصريحاته الأخيرة "النصف الآخر من الحقيقة" التي كان يخفيها خلال زياراته إلى بيروت.

ففي لبنان، كان براك يقول إن إسرائيل قد تنفذ مهمة نزع السلاح إذا فشلت الدولة اللبنانية، لكنه تجنب الإفصاح عن حقيقة أن واشنطن لن تسلّح الجيش اللبناني لمواجهة إسرائيل، بل فقط لضبط الداخل وربما مواجهة حزب الله.

ويرى علوش أن هذا الاعتراف أسقط سردية "نزع السلاح لتحقيق الاستقرار"، وأظهر بوضوح أن المشروع الأميركي الإسرائيلي في لبنان لا يستهدف حماية الدولة أو تعزيز قدراتها، بل يستهدف المقاومة تحديدًا.

سقوط السرديات القديمة

علوش ذهب أبعد في تحليله، فأكد أن ما طرحه براك ينسجم تماما مع الموقف الإسرائيلي، الذي يرفض أي تفاهمات أو مفاوضات في المنطقة ويفضّل فرض الهيمنة بالقوة.

وبناء على ذلك، يعتبر أن سردية خصوم حزب الله حول "السلام مقابل نزع السلاح" قد سقطت بالكامل. وفي المقابل، حتى سردية الحزب نفسه حول "السلاح كضمانة مطلقة للحماية" تواجه تحديات كبرى، خصوصا بعد الدمار الهائل الذي لحق بلبنان في الحروب السابقة.

لكن علوش يرى أن السلاح، رغم كل الخسائر، أثبت أنه قادر على أن يكون "عائقًا أمام المشروع الإسرائيلي التوسعي"، وأن وجوده يشكل عامل ردع لا يمكن الاستهانة به.

نحو سردية جديدة

في ختام مداخلته، دعا علوش إلى تبني سردية جديدة توحّد اللبنانيين، قوامها تنفيذ خطة الجيش لحصر السلاح تدريجيًا بدءًا من جنوب الليطاني، بالتوازي مع انسحاب إسرائيل ووقف عدوانها المستمر.

وبرأيه، لا يمكن القبول بمطلب أميركي إسرائيلي يفرض نزع سلاح المقاومة دون ضمانات، لأن ذلك سيترك لبنان مكشوفًا. بل يجب أن يُستثمر هذا السلاح في بناء قوة دفاعية وطنية تحت قرار الدولة اللبنانية، بما يشكل جزءًا من استراتيجية الأمن الوطني التي تحدث عنها رئيس الجمهورية في خطاب القسم.

هل يتفادى لبنان الانفجار؟

بين تحذيرات براك، وتصعيد التهديدات الإسرائيلية، وتباين المواقف اللبنانية، يبدو أن البلاد تقف أمام مفترق خطير. فإما أن ينجح اللبنانيون في صياغة استراتيجية أمنية جديدة تستوعب سلاح حزب الله ضمن منظومة الدولة، أو أن يظلوا أسرى لعبة شد الحبال بين واشنطن وتل أبيب وطهران.

وفي كل الأحوال، تبقى الحقيقة الثابتة، كما أجمع كل من إبراهيم ريحان ومحمد علوش، أن المسألة في جوهرها لبنانية بامتياز، وأن أي حل لا يمكن أن يُفرض من الخارج. لكن ما إذا كان لبنان يملك القدرة والإرادة لتفادي لحظة الانفجار، فذلك سؤال مفتوح على كل الاحتمالات.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا