آخر الأخبار

هل يهدد صعود اليمين المتطرف مستقبل بريطانيا سياسياً؟

شارك
مصدر الصورة

شهدت المملكة المتحدة صيفاً اتسم بتوترات سياسية متصاعدة، بعد أن نُظمت احتجاجات أمام فنادق خاصة لطالبي اللجوء في مختلف أنحاء البلاد، ورُفعت آلاف الأعلام الوطنية على الجسور وأعمدة الإنارة، وأشارت استطلاعات رأي حديثة إلى تحوّل جوهري نحو تيار اليمين، كما نظمت مسيرة مناهضة للهجرة في وسط لندن شارك فيها نحو 150 ألف شخص.

وأعادت هذه التطورات، لا سيما التظاهرات الأخيرة التي قادها الناشط اليميني المتطرف المثير للجدل، تومي روبنسون، إلى المشهد الجدل القائم بشأن ما إذا كان اليمين المتطرف يرسّخ نفوذه في المملكة المتحدة.

وبدا هذا التيار عنصراً ثابتاً في المشهد السياسي الأوروبي خلال الأعوام الماضية، إذ تتولى الأحزاب المصنّفة تحت هذ المسمى قيادة حكومات مثل إيطاليا والمجر، وتشارك في ائتلافات حاكمة كما في النمسا والسويد وفنلندا، فضلاً عن تنامى شعبيتها في موقع المعارضة كما هو الوضع في فرنسا وألمانيا والبرتغال وبلجيكا.

والسؤال هل يمكن أن تشير الأحداث الأخيرة إلى أن المملكة المتحدة قد تكون الديمقراطية الغربية التالية التي تشهد صعوداً في سياسات اليمين الشعبوي؟

"استعراض للقوة"

تعد الاحتجاجات الذي نُظمت في 13 سبتمبر/أيلول، تحت شعار "توحيد المملكة"، أضخم احتجاجات يمينية متطرفة شهدتها المملكة المتحدة على الإطلاق، وفقاً لمنظمة "هوب نوت هيت" المناهضة للعنصرية.

واتسمت تلك الفعالية بترديد هتافات مثل "أرسلوهم إلى بلادهم"، ورفع الأعلام الوطنية في كل مكان، بينما حمل بعض المحتجين صوراً للناشط الأمريكي المحافظ، تشارلي كيرك، الذي أُغتيل مطلع الشهر الجاري.

كما تخلّلت المسيرة اشتباكات مع قوات الشرطة، إلى جانب تصريحات أدلى بها عدد من الشخصيات المثيرة للجدل، من بينهم الملياردير الأمريكي في قطاع التكنولوجيا، إيلون ماسك، الذي طالب بحلّ البرلمان البريطاني وإحلال حكومة أخرى بدل الحكومة العمالية القائمة.

مصدر الصورة

وندد رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، بأعمال العنف والخطابات التي تحض على الكراهية، مؤكداً: "لن نسمح أبداً باختطاف عَلَمنا واستعماله كرمز للفُرقة والانقسام".

وقالت جوليا إبنر، المتخصصة في شؤون التطرف بمعهد الحوار الإستراتيجي وجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، لبي بي سي إن أفكار اليمين المتطرف باتت، على ما يبدو، متداخلة في الخطاب السائد داخل بريطانيا.

وأضافت: "كان تومي روبنسون، قبل عشرة أعوام، شخصية هامشية، غير أنه تحوّل اليوم إلى شخصية ذات نفوذ وقوة، وتجاوزت شعبيته إلى ما هو أبعد من أوساط اليمين المتطرف التقليدية".

ولفتت إلى أن إظهار روبنسون قدرته على تعبئة نحو 150 ألف مشارك وجذب شخصيات مؤثرة مثل ماسك، حوّل المسيرة الأخيرة إلى استعراض للقوة بالنسبة للتيار اليميني المتطرف.

وتقول منظمة "رصد النزاعات المسلحة"، المعروفة اختصاراً بـ ACLED، وهي جهة مراقبة مستقلة للنزاعات تعمل في مجال توفر بيانات وتحليلات عن الاحتجاجات في شتى أنحاء العالم، إن المملكة المتحدة شهدت العام الماضي تنظيم 180 تجمعاً لليمين المتطرف وتجمعات معارضة للهجرة.

كما تفاقمت مناهضة الهجرة بشكل ملحوظ بعد أعمال شغب في ساوثبورت بشمال غربي إنجلترا الصيف الماضي، إثر جرائم طعن أودت بحياة ثلاثة أطفال خلال فصل لتعليم الرقص، الأمر الذي أثار احتجاجات استندت إلى معلومات مضللة على منصات التواصل الاجتماعي ادّعت أن المشتبه به مهاجر غير شرعي.

وشددت إبنر على الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم سرديات اليمين المتطرف، مشيرةً إلى ميل خوارزميات هذه المنصات لتعزيز المحتوى المتطرف، ما يتيح انتشار المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة بوتيرة أسرع مقارنة بالصحافة القائمة على تقديم أدلة.

وتقول إبنر: "أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً أساسياً للأخبار لدى كثيرين، وقد أسهمت الخوارزميات في تهيئة بيئة معلوماتية متحيزة، كي تحظى المصادر والرسائل الأكثر تطرفاً بأعلى قدر من الانتشار".

"مخاوف بشأن الهجرة"

مصدر الصورة

يتفق خبراء على أن تنامي التأييد اليميني المتطرف مدفوع بمزيج معقد من العوامل، من بينها فقدان الثقة بالأحزاب التقليدية، وتشدد الخطاب العام بشأن الهجرة، والاهتمامات الاقتصادية، كما كان لتزايد قدوم المهاجرين إلى المملكة المتحدة عبر القوارب الصغيرة أثره البارز في هذا الجدل.

ويقول ستين فان كيسل، أستاذ السياسة المقارنة في جامعة كوين ماري بلندن: "يدرك الناس اتساع الفجوة في مستوى المعيشة، وتراجع الخدمات العامة في بعض المناطق، ويخشون من أن تكون أوضاعهم أسوأ خلال عشر سنوات".

وأضاف في حديثه مع بي بي سي: "يسود شعور بالتشاؤم الاقتصادي، وغالباً يربط الناس هذا الوضع بقضية الهجرة. والرسالة التي يروّجها اليمين المتطرف هي أنه من أجل حماية فرص العمل ونظام الرعاية الاجتماعية، لابد من وقف الهجرة".

وكان الجدل المتعلق بالفنادق التي تستضيف طالبي اللجوء، قد احتل مؤخراً صدارة الأخبار في المملكة المتحدة، إذ رفعت المجالس المحلية دعاوى قضائية للطعن في استخدامها، ونظّم المجتمع احتجاجات بدافع القلق بشأن سلامتهم وتكاليف هذه الإقامات.

ووفقاً لبيانات حكومية، بلغ عدد طالبي اللجوء في المملكة المتحدة خلال العام المنتهي في يونيو/حزيران 2025 إجمالي 111 ألف شخص، وهو يمثل زيادة بنسبة 14 في المئة مقارنة بالعام السابق.

ويقول فان كيسل: "كان بإمكان السياسيين التصريح بقولهم (نحتاج إلى تنظيم أفضل للهجرة أو اللجوء، وفي ذات الوقت، نحن بحاجة إلى مهاجرين لتلبية احتياجات قطاع الرعاية الصحية)، إلا أن هذا الحجة الأخيرة باتت نادرة الاستخدام اليوم".

وتلفت إبنر إلى أن تنامي خطاب اليمين المتطرف ليس فقط بسبب الجدل الدائر بشأن الهجرة.

وتقول: "الأمر يشمل كذلك قضايا متعلقة بالنوع الاجتماعي وحقوق مجتمع الميم، والإجراءات الخاصة بمواجهة تغيّر المناخ، وحرية الرأي والتعبير. فثمة مجموعة كاملة من القضايا التي يختار فيها اليمين المتطرف دائماً الموقف المضاد للوضع القائم".

صعود حزب "إصلاح المملكة المتحدة"

مصدر الصورة

يشكّل صعود حزب "إصلاح المملكة المتحدة" بزعامة نايجل فاراج بعداً إضافياً للنقاش الدائر بشأن إذا كان التيار اليميني المتطرف يعزز نفوذه في المملكة المتحدة.

فعلى الرغم من حرص فاراج على الابتعاد عن تومي روبنسون وعن تصنيف اليمين المتطرف، إلا أن موقف حزب "إصلاح المملكة المتحدة" المتشدد تجاه قضية الهجرة يبرز في كثير من التصريحات المماثلة لهم.

وكان الحزب قد نجح في الحفاظ على صدارة مريحة في استطلاعات الرأي، إذ أظهر استطلاع أجرته شركة إبسوس خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين أن تأييد التصويت للحزب بلغ 34 في المئة، متقدماً بتسع نقاط على حزب العمال الحاكم.

ويشير النجاح الانتخابي لحزب "إصلاح المملكة المتحدة"، الذي شمل الانتصارات الأخيرة في الانتخابات الفرعية والمكاسب الكبيرة في انتخابات المجالس المحلية الإنجليزية، إلى اتساع ميول الرأي العام نحو بدائل للأحزاب التقليدية.

ويقول توني ترافرز، المحلل السياسي في كلية لندن للاقتصاد: "كانت الهجرة العامل الأساسي، مثل أي عامل آخر، ساهم في صعود حزب (إصلاح المملكة المتحدة)"، لافتاً إلى أن استياء المواطنين من الأحزاب السياسية القائمة كان له تأثيره أيضاً.

ويضيف: "أعتقد أن نتائج استطلاعات الرأي توحي بأن العديد من الأشخاص الذين يصوتون لحزب (إصلاح المملكة المتحدة) أصابهم الملل من حزب المحافظين وحزب العمال، الحزبان المتصدران للمشهد السياسي البريطاني لما يقارب القرن".

"اعتياد المجتمع سياسات اليمين المتطرف"

مصدر الصورة

يلفت فان كيسل الانتباه إلى أن المناخ السياسي الراهن يسهم في اعتياد المجتمع على سياسات اليمين المتطرف، إذ تتبنّى الأحزاب السائدة مواقف ورسائل متطرفة بشكل متزايد في محاولتها لاستعادة قاعدة الناخبين.

بيد أنه حذر من أن هذه الاستراتيجية تنقلب على أصحابها في كثير من الأحيان.

ويضيف: "السعي للمنافسة على أرضية اليمين المتطرف، ومحاولة تقديم صورة صارمة بشأن الهجرة، لن يؤدي إلا إلى إبقاء قضية الهجرة في صدارة جدول الأعمال السياسي، الأمر الذي سيعود بالنفع في نهاية المطاف على التيار اليمين المتطرف".

ويشير إلى أنه "يمكن للسياسيين، أصحاب السلطة، أن يسعوا إلى تحسين السياسات المتعلقة بالهجرة دون اقتباس لغة اليمين المتطرف الحادة".

وتؤكد إبنر أن مواجهة التيار اليميني المتطرف تستلزم أكثر من مجرد ضبط الخطاب، بل تتطلب فهماً عميقاً للشكاوى والدوافع التي تؤدي إلى دعمه.

وتقول: "هؤلاء الأفراد (المؤيدون لليمين المتطرف) يأتون من خلفيات مختلفة، ويجب علينا التعامل مع اهتماماتهم دون تكرار المواقف الراديكالية".

كما تدعو إبنر إلى إصلاح النظام البيئي الرقمي.

وتشير إلى أنه "من الضروري جداً دعوة منصات التكنولوجيا إلى الشفافية والمساءلة".

وتضيف: "يمكن للحكومة القيام برفع وعي لدى الأفراد كي يصبحوا مواطنين رقميين مسؤولين، وأرى أن الوعي بعلم النفس في القنوات الإلكترونية أمر بالغ الأهمية للتفكير العميق في تأثير ذلك على هوياتنا، وديناميكيات المجموعات، والمجتمع بوجه عام".

"مفتاح النمو الاقتصادي"

لكن ماذا لو استمر تصاعد تيار اليمين المتطرف في المملكة المتحدة؟ هل سيظل الوسط السياسي متماسكاً؟

تسلط إبنر الضوء على خطرين أساسيين هما: العنف السياسي وانحلال المؤسسات الديمقراطية.

ويقول ترافرز إن النمو الاقتصادي ربما يكون الوسيلة الأكثر فاعلية لمواجهة تصاعد اليمين المتطرف.

وأضاف: "المشكلة الأساسية تكمن في قلة أو انعدام النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة. الحكومة لا تستطيع زيادة الاقتراض، ولا فرض مزيداً من الضرائب على المواطنين، فيما يشعر الناس بتراجع دخولهم المتاحة".

وأشار قائلاً: "هنا يكمن الحل الفعلي. السياسة كلها محلية بطبيعتها".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا