في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الفاشر- في مشهد يلخص عمق المأساة التي تعيشها مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور غرب السودان اضطر سكان حي "الدرجة الأولى" إلى دفن عشرات القتلى داخل ساحة مسجد استُهدف فجر الجمعة بطائرة مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع ، أثناء أداء المصلين صلاة الفجر.
ولم يكن هذا القرار خيارًا، بل ضرورة فرضها الحصار الجوي الذي أحكمته الطائرات المسيّرة على المدينة، مانعة الأهالي من الوصول إلى المقابر العامة، وفق مصادر محلية وميدانية.
العدد الموثق حتى مساء الجمعة بلغ 65 قتيلا ، وفقًا لوزارة الصحة بشمال دارفور، التي أكدت أن الرقم مرشح للارتفاع بسبب وجود جثث تحت الأنقاض، وصعوبة التعرف إلى بعضها.
وأوضحت أن دفنهم داخل المسجد جاء بعد أن تحولت المقابر العامة إلى أهداف عسكرية، حيث باتت الطائرات المسيّرة تقصف أي حركة باتجاهها.
وفي شهادة مؤلمة، قال الناجي محمد آدم للجزيرة نت، إن سبب القصف كان "إضاءة هاتف" خلال الصلاة.
وأضاف: "كنا نقرأ سورة يس، وكان المسجد مظلمًا، وفجأة أضاء أحدهم هاتفه، وبعد لحظات سقطت القذيفة فوق رؤوسنا.
وأضاف النور الصغير كان كافيًا ليجلب الدمار. تحولت لحظة التدبر إلى جحيم.
أحد المتطوعين الذين شاركوا في عملية الدفن الجماعي، قال للجزيرة نت -مفضلًا عدم ذكر اسمه- إنهم اضطروا إلى حفر القبور داخل ساحة المسجد، بعد أن أصبحت المقبرة العامة هدفًا للطائرات المسيّرة.
وأضاف: "دفنّا الأب والابن والأخ معًا في قبر واحد. لم نعد نميز بين الجثث، فقط كنا نسارع بالدفن قبل أن تستهدفنا الطائرات. لقد انتهكت حرمة حياتهم، ولم نستطع حتى الحفاظ على حرمة موتهم".
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، قالت مدير عام وزارة الصحة بشمال دارفور خديجة موسى ، إنهم سجلوا اليوم 65 قتيلا جراء القصف على المسجد، مشيرة إلى أن العدد مرشح للارتفاع.
وأضافت "كثير من الجثث لم يُتعرف إليها بعد، وبعضها لا يزال تحت الأنقاض. المشهد لا يختلف عن المجازر التي شهدتها دارفور منذ عقود، لكن بأدوات أكثر فتكًا ودقة".
المقابر العامة في الفاشر، التي امتلأت بآلاف القتلى خلال أشهر الحصار، باتت هدفًا للطائرات المسيّرة، ما دفع السكان إلى خلق مقبرة جديدة وسط المدينة.
هذا التحول القسري في طقوس الدفن يعكس حجم الانهيار في البنية الإنسانية، ويعيد إلى الأذهان مشاهد من الحروب التي مزقت الإقليم في سنوات سابقة.
ما جرى في مسجد حي الدرجة الأولى بحسب مراقبين يُعد انتهاكًا مزدوجًا للحرمات: أولًا، باستهداف المصلين داخل بيت من بيوت الله، وثانيًا، بتحويل المسجد إلى مقبرة جماعية .
وقد وصف المراقبون ما حدث بأنه سابقة لم تشهدها المدينة من قبل، حيث أجبر السكان على خرق كل الأعراف الدينية والاجتماعية المتعلقة بالموت، في ظل غياب أي حماية أو ممرات إنسانية.
ولم يعد المسجد مجرد مكان قتل فيه مصلون، بل أصبح شاهدًا صامتًا على حالة الحصار الشامل التي تعيشها الفاشر. جدرانه التي كانت تردد آيات القرآن، باتت تحتضن جثثًا لم تجد مأوى سوى بين أركانه. هذا التحول من محراب إلى مقبرة يترك أثرًا نفسيًا عميقًا على الناجين، الذين يعيشون تحت وطأة الخوف، والحرمان، والصدمة.
وتأتي هذه المجزرة في ظل تصعيد عسكري متواصل تشهده مدينة الفاشر، حيث تسعى قوات الدعم السريع إلى توسيع نطاق سيطرتها داخل المدينة، وسط مقاومة شرسة من الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح.
ووفق مراقبين، فإن استهداف المسجد قد يكون جزءًا من إستراتيجية الضغط على الأحياء التي تشهد تماسكًا شعبيًا ومقاومة مدنية متزايدة.
ومنذ العاشر من يونيو/حزيران 2024، تعيش الفاشر تحت حصار خانق، تتضاءل فيه الإمدادات الطبية والغذائية إلى حد الانعدام.
وفي ظل غياب أي تدخل دولي، تتعالى نداءات السكان لكسر الحصار وفتح ممرات إنسانية تسمح بدفن الموتى بكرامة، وتوفير الحد الأدنى من الحماية للعزاء، مع إنقاذ الأحياء من جحيم لا يبدو أنه ينتهي.