آخر الأخبار

لهذا قررت اليابان غزو جيرانها بوحشية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 1937، استولى الجيش الإمبراطوري الياباني لتوه على مدينة نانجينغ عاصمة الصين آنذاك، خلال الحرب الصينية اليابانية التي سبقت الحرب العالمية الثانية . وقتها، وقف القائد العام الياباني ماتسوي إيوان موجها الأوامر لجيشه المنتصر بتدمير المدينة تماما، وخلال الأسابيع التالية، نفذ الجيش أوامر قائده بحذافيرها، وبأبشع الصور الممكنة.

كانت نتيجة ذلك مأساة مكتملة الأركان: ما بين مائة ألف إلى ثلاثمائة ألف قتيل بحسب الموسوعة البريطانية "بريتانيكا"، والأخير هو الرقم المعتمد رسميا في بكين، إضافة إلى عشرات الآلاف من حالات الاغتصاب للنساء فضلًا عن تدمير ثلث مباني المدينة وإحراق البلدات المحيطة، إلى غير ذلك من الفظائع المروعة.

لم يكن الصينيون وحدهم ضحايا الفظائع اليابانية خلال تلك الحقبة من الزمان، فخلال الفترة منذ عام 1932 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 تورطت اليابان في اختطاف الكثير من النساء والتغرير بأخريات من أماكن متعددة أبرزها كوريا التي كانت مستعمرة يابانية آنذاك واحتجازهن في بيوت دعارة سميت "محطات المتعة" (comfort stations) تقوم على فكرة العبودية الجنسية حيث تقدم فيها تلك النساء "الخدمات الجنسية" لجنود الجيش الياباني وفق ما أوردته الموسوعة البريطانية، وبلغ عدد الضحايا في تلك المراكز أكثر من 200,000 امرأة واجهت من قاومت منهن الاغتصاب والضرب وربما القتل.

تخبرنا هذه الوقائع بطرف حول إحدى أقسى الصفحات المنسية للتاريخ الاستعماري في القرن الـ20. ففي حين يتركز الضوء غالبا على الأحداث والفظائع التي ارتكبتها الجيوش الأوروبية، غالبا ما يُغفل عن ذاكرة الاستعمار الياباني الزاخرة بالتجارب البيولوجية والعبودية الجنسية والتعذيب المروع والعمل بالسخرة والمذابح الجماعية بعدما تمكنت البلاد مع نهاية القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20 أن تتوسع وتضم تايوان الحالية وكوريا ومعظم مناطق جنوب شرق آسيا. فكيف تحولت اليابان إلى هذا الوحش الإمبريالي الذي ملأ الدنيا دماء في النصف الأول من القرن الـ20، بعد أن كانت تعيش في عزلة شبه تامة طوال قرنين كاملين سابقين؟ وكيف جمعت بين العداء للغرب واعتناق أفكاره وتصوراته في الوقت ذاته؟

مصدر الصورة لم يكن الصينيون وحدهم ضحايا الفظائع اليابانية خلال تلك الحقبة من الزمان (شترستوك)

روسيا وأميركا والأفيون.. لماذا فكرت اليابان في التوسع؟

في بحثه الأكاديمي بعنوان "الإمبريالية اليابانية كآلية للدفاع عن النفس"، يشير ماثيو بونون إلى ما توصل إليه عديد من الباحثين من أن التحول الياباني تجاه الإمبريالية والتوسع كان منطلقه الأساسي هو الخوف من الأعداء الغربيين في ظل ظروف دولية شرسة. فحتى النصف الثاني من القرن الـ19، لم تكن اليابان على النحو الذي نعرفه موجودة، إذ كانت عبارة عن مجموعة من المجتمعات الممزقة والمجزأة، تعيش فوق مجموعة من الجزر المتجاورة، مع اختلافات ثقافية ولغوية عديدة بين سكانها.

إعلان

خضعت هذه المجتمعات للنظام السياسي المعروف باسم "التوكوغاوا"، الذي استمر لنحو 260 عاما (1603-1863)، وكان يقوم على فكرة الإقطاعية المركزية بحيث يكون الإمبراطور في كيوتو مجرد حاكم رمزي يمثل الشرعية الدينية، ولكن من دون صلاحيات تنفيذية. ظل الوضع كذلك حتى جاءت إصلاحات الإمبراطور ميجي الشهيرة (1868) لتعيد السلطة المركزية للإمبراطور وتفكك الحكم الإقطاعي، وتدشن بدلا منه نمطا من الحكم المركزي الذي أدخل البلاد "عصر التحديث". وبالتزامن مع ذلك، شهدت اليابان تحولا اجتماعيا كبيرا، إذ بدأ الشعور بالهوية الوطنية يتعزز وبدأت الحكومة تنشر الوعي بالقومية والمعنى العميق لأن يكون الشخص يابانيا.

غير أن اليابان، التي كانت بالكاد تطرق أبواب التحديث وتعيد التعرف على نفسها مع نهاية القرن الـ19، وجدت الأخطار تحدق بها من كل جانب. فمن ناحية، كانت هناك الإمبراطورية الروسية التي توسعت شرقا وصولا إلى جزيرة سخالين القريبة من اليابان والتي مارست ضغوطا كي تفتح اليابان أبوابها التجارية أمامها. ومن ناحية أخرى، كان اليابانيون يشاهدون ما فعلته القوى الأوروبية في الصين حين نشرت تعاطي الأفيون بين سكانها ، ويعاينون كيف ارتكبت فرنسا وبريطانيا مجازر مروعة بحق الصينيين في حرب الأفيون الثانية، وكيف أرغمتا الصين على إعطائهما امتيازات تجارية كبيرة. إضافة إلى ذلك، وضعت اليابان نصب أعينها الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تتمدد غربا وتزداد قوة وتثير كثيرا من المخاوف لدى الدولة الآسيوية الصاعدة للتو.

في ظل هذه الأجواء الملبدة، وبينما كانت إصلاحات ميجي وخطوات اليابان نحو التحديث تسابق الزمن، أرسلت الإمبراطورية الناشئة بعثتها الأشهر إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بين عامي 1871 و1873 والمعروفة باسم "بعثة أيواكورا" (Iwakura Mission) نسبة إلى قائدها أيواكورا تومومي، وهو من أبرز مهندسي إصلاحات ميجي. تألفت البعثة من نحو 50 عضوا، من ممن أصبحوا في ما بعد نخبة اليابان الجديدة، برفقة 50 طالبا، زاروا 120 مدينة في 12 دولة، حيث بذلوا جهودا جادة للتعرف على كل جانب من جوانب الحضارة الغربية، من السياسة والإدارة إلى الجيش والدبلوماسية والاقتصاد والصناعة والتعليم والدين والنقل والاتصالات والثقافة والترفيه، كما تشاوروا مع الملوك ورؤساء الوزراء وقادة الأعمال وكبار الأكاديميين.

مصدر الصورة جنود من جيش التحرير الشعبي الصيني يشاركون في إحياء ذكرى مذبحة نانجينغ عام 2012. (وكالة الأنباء الأوروبية)

كان الهدف الرئيسي للبعثة اليابانية هو دراسة التجارب والأنظمة والفكر السياسي والصناعي والعسكري والتعليمي في الغرب بغية محاولة تقليده، وقد انتهت تلك البعثة -التي كان لها عميق الأثر على الحداثة اليابانية- إلى أنه على اليابان أن تركز اهتمامها على بناء نظام تعليم متقدم وجيش نظامي واقتصاد غني وهوية وطنية مدعومة بمشاعر قومية جياشة. وكان ذلك يعني أن على اليابان أن تجمع ظاهريا بين نقيضين: مخاوفها من التمدد الغربي في محيطها، ورغبتها في خوض غمار التحديث على النمط الغربي في الآن ذاته.

إعلان

هذا المزيج الغريب بين المخاوف الجيوسياسية والحس القومي المتزايد بسبب التحديث سرعان ما ولّد رغبة ملحة في التوسع لدى اليابانيين. وحسب الباحث ماثيو بونون، فإن الخوف الشديد من أن تتعرض اليابان للاستعمار دفع الإمبراطورية إلى التعلم بسرعة شديدة من الإمبراطوريات القائمة آنذاك وتطوير الوسائل اللازمة لحماية نفسها، ومن ثم كانت هناك علاقة شرطية بين بناء الدولة القومية وبروز الحس الإمبريالي في البلاد.

لقد كان على اليابان، بينما تجري تغييرات جذرية في سياستها الداخلية والخارجية في أعقاب إصلاحات ميجي، أن تتكيف مع النظام العالمي الواسع، الذي كان قائما على أن القوي عليه أن يتوسع وإلا فإنه سوف يؤكل. هذا المنظور الذي أخذته اليابان عن الغرب وغذته مخاوفها من الغرب نفسه في الآن ذاته، دفعها لإعادة اكتشاف نفسها من خلال التوسع جغرافيا حتى ينظر إليها على أنها دولة عظيمة لا تقل في عظمتها عن الدول الغربية الاستعمارية. وهكذا سارعت اليابان إلى احتلال تايوان عام 1895، وضمت كوريا عام 1910، ودشنت مسيرتها الطموحة لتكون قوة استعمار شرقية آسيوية على الطراز الغربي.

في ضوء ذلك، يخلص ماثيو بونون إلى أن التوسع الإمبريالي الياباني كان مدفوعا بـ"أسباب نفسية" في المقام الأول، ففي ذلك الزمن رأت اليابان أن الدولة التي لا تتوسع خارج حدودها الجغرافية لا يُنظر إليها باحترام، ومن ثم كان إخضاع كوريا وتايوان للمركزية اليابانية طريقة لإظهار القوة اليابانية ولكسب احترام القوى الإمبريالية الأخرى، التي سيكون عليها أن تفكر مرتين قبل أن تقدم على غزو اليابان.

ويمكن القول باختصار إن هوس اليابان بكسب الاحترام الغربي لعب دورا كبيرا في نمو حسها الإمبريالي، وإن الاعتراف الذي حصدته بقوتها من العالم الغربي خاصة بعد تفوقها على الصين في الحرب الصينية اليابانية الأولى عزز لديها هذا التوق لنيل الاعتراف بالجدارة أكثر وأكثر. حتى إن اليابان، مع انتصاراتها المتتالية في آسيا ومع الاعتراف الغربي بقوتها ومع تطورها التحديثي، بدأت تستبطن الرؤية الفكرية الغربية في تصور العالم من حولها إذ باتت تنظر لنفسها باعتبارها مركزا متحضرا وسط غابة من البدائيين.

وجاء انتصار اليابان على روسيا في الحرب الروسية اليابانية (1904-1905)، ليزيد انتباه الغربيين إلى القوة اليابانية الصاعدة ويعزز في الوقت ذاته من شعور اليابان بالاعتراف الغربي بها كقوة كبيرة استطاعت أن تخرج من "براثن الجهل الآسيوية" إلى عالم الحداثة والتطور. وبدأت اليابان تشعر بالأمان نسبيا من القوى الإمبريالية الأخرى التي رأتها للتو تنتصر وتتفوق على قوة بيضاء وهي روسيا في حادثة فريدة من نوعها.

والأكثر من ذلك أن هذا الانتصار شجع عديدا من القوميين الآسيويين الآخرين ممن لم تتعرض بلادهم بعد للاحتلال الياباني إلى المناداة بزعامة اليابان لآسيا، وأنها ينبغي أن تكون المهيمن الطبيعي على القارة. وفي ما بعد -حين انضمت اليابان للقافلة المنتصرة في الحرب العالمية الأولى- استطاعت أن تزيد من توسعها في آسيا، إذ مُنحت الأراضي التي كانت تستعمرها ألمانيا بما في ذلك مدينة تشينغداو الواقعة ضمن مقاطعة شاندونغ الصينية، إضافة إلى الجزر التي كانت تحت سيطرة ألمانيا سابقا في منطقة ميكرونيزيا في المحيط الهادي.

وحسب "بي بي سي"، فإن اليابان بدأت آنذاك تستمتع بوجودها ضمن نادي القوى الكبرى الآمنة وبدأت تركز على نموها الداخلي وتبنت الليبرالية الاقتصادية باعتبارها المفتاح السحري للتنمية. لكنها اصطدمت مرة أخرى بالقوى الاستعمارية التقليدية، التي أغلقت أبواب التجارة في وجهها وحمت أسواقها الاستعمارية من البضائع اليابانية، ومن ثم كشفت لها أن القيم الليبرالية الاقتصادية وحرية الأسواق مجرد وهم، بل ووصل الأمر إلى غلق الأبواب أمام الهجرات اليابانية إلى الغرب، وذلك وفقا لقوانين مناهضة هجرة الآسيويين في عشرينيات القرن الماضي. وهكذا باتت اليابان تقتنع أكثر وأكثر بأن فكرة السلام العالمي وعصبة الأمم مجرد أوهام تُساق حين تكون في مصلحة القوى الإمبريالية الغربية وتُنسى حين تصب في مصلحة البلدان الأخرى.

إعلان

أمام هذه الحقائق التي رأتها اليابان من خلال تجربتها، عادت لصياغة سياستها التوسعية في آسيا من خلال هجومها على منشوريا عام 1931 من أجل فتح الطريق المسدود أمام الاقتصاد الياباني، خاصة في ظل ندرة المواد الخام في اليابان وإغلاق الغرب أبوابه التجارية أمامها، إلى جانب نمو عدد سكانها بشكل كبير. وبحلول بداية عام 1936، باتت اليابان تفكر بشكل كامل من خلال عدستها العسكرية، إذ باتت المؤسسة العسكرية في البلاد ذات قوة هائلة وتمارس سيادتها على مجلس الوزراء المدني وتمتلك "حق الفيتو" في البلاد.

تلخص الباحثة والمؤلفة إيري هوتا -مؤلفة كتاب "اليابان 1941: العد التنازلي للعار"- تنامي الحس الإمبريالي لليابان في تلك الفترة بالقول إن فرص الحواجز التجارية الحمائية على اليابان دفع الإمبراطورية الآسيوية للاعتقاد أن خطواتها التوسعية لا بد منها، وأنها جزء من مشروع توفير الرخاء المشترك لشرق آسيا الكبرى والنظام الآسيوي الجديد، بل إن اليابانيين بدؤوا يعطون للأمر مسحة دينية، فكما اقتنعوا بأن إمبراطورهم يمثل رمزا إلهيا، فإنهم آمنوا بأن سيطرتهم على جنوب شرق آسيا مهمة إلهية أيضا.

جيوسياسيا، أصبح اليابانيون يرون أن التصدي للغرب أمر لا غنى عنه ليس فقط لتحقيق مصالح اليابان، ولكن لضمان الاستقرار في آسيا بأسرها. وبلغ هذا الإحساس الياباني ذروته في نهايات عام 1941، حين اختارت اليابان الرد على الخطوات التصعيدية للولايات المتحدة الأميركية المتمثلة في قطع شحنات الحديد والصلب ووقود الطائرات، من خلال دخول الجيش الإمبراطوري للهند الصينية الفرنسية، ومن خلال أيضا تعزيز تحالفها مع ألمانيا النازية.

هذه الخطوات التصعيدية أدت لتجميد الأصول اليابانية في الولايات المتحدة وقطع النفط الأميركي عن اليابان، لتشرع اليابان بدورها في غزو الهند الشرقية الهولندية، ووصول الأمر في النهاية إلى توجيه اليابان لأسطول من 353 طائرة على متن 6 حاملات طائرات في البحر من أجل تدمير قاعدة الأسطول الأميركي في بيرل هاربور، وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة للانضمام رسميا إلى قافلة الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية.

"نانشين-رون".. الضحية الذي أصبح جلادا

منذ مطلع عصر ميجي، كانت لدى اليابان إستراتيجيتان سياسيتان أساسيتان تسميان "نانشين-رون" (التقدم نحو الجنوب) و"هوكوشين-رون" (التقدم نحو الشمال). ورغم الحمولة التوسعية التي توحي بهما الكلمتان، فإن دلالتهما الأولى دارت بشكل أساسي حول التجارة، خاصة فكرة التقدم نحو الجنوب "نانشين-رون"، التي كانت تشير إلى توسيع التجارة مع جزر المحيط الهادي وأستراليا وأميركا الشمالية والجنوبية. لكن سرعان ما اتخذت الكلمتان معنى عسكريا أكثر فأكثر مع تضافر العوامل التي دفعت اليابان للجنوح الإمبريالي.

لقد كانت اليابان، التي نجت من الاستعمار في القرن الـ19 واستطاعت مع إصلاحاتها أن تصبح إمبراطورية مهيبة لا تقل قوة بكثير عن الدول الغربية الاستعمارية، تتطور بشكل مطرد، ومع هذا التطور بدأت تصيغ مفهوما جديدا لدورها في آسيا وهذا الدور هو "تحرير الآسيويين من الاستعمار والإمبريالية الغربية والدفع بهم من التخلف إلى التطور ليلحقوا بركب اليابان" ومن ثم تصبح آسيا "ملكا للآسيويين".

تحت هذا الإطار، رفعت اليابان شعار ضرورة تحرير الصين من نظامها المدعوم غربيا، وتحرير ماليزيا وبورما من الاستعمار البريطاني، والهند الصينية من الفرنسيين، وكذلك تحرير الفلبين من الاستعمار الأميركي. غير أن فكرة "نانشين-رون" وما تبعها من اعتقاد أن على اليابان واجبا إلهيا يتلخص في تحرير أشقائها الآسيويين من الاستعمار ووضعهم على طريق التقدم سرعان ما تحولت إلى نظرية للاستغلال الاقتصادي لتلك المناطق الآسيوية وليس تحريرها، حسب وصف الباحثة إيري هوتا، التي ترى أن الأمر كان أشبه بما فعله المستوطنون الأميركيون البيض مع السكان الأصليين في أميركا، الذين تم قتلهم والتنكيل بهم باسم المهمة الإلهية.

وحسب ورقة بحثية بعنوان "مقدمة: العرق والإمبراطورية في اليابان في عهد ميجي"، فإن مسيرة اليابان التحديثية ترافقت مع استبطان مفاهيم غربية أساسية حول التسلسل الهرمي والعلم والثقافة والعرق، ومن ثم تصاعدت حدة الخطابات العنصرية في اليابان نفسها، وأسهمت بشكل أساسي في تشكل الحس الإمبريالي الياباني، فقد ساد في اليابان الاعتقاد بأن أوروبا هي النموذج الذي يجب التطلع لمنافسته، في حين أن باقي الثقافات الآسيوية هي ثقافات بدائية وفاشلة، وذلك على الرغم من شعاراتها التحررية حول آسيا.

إعلان

وقتها، لعبت وسائل الإعلام دورا كبيرا في تعزيز التصور القائل بأن هناك فارقا ثقافيا كبيرا بين الياباني الأصلي المتطور وأولئك البدائيين الذين يعيشون على الأراضي التي تحتلها اليابان، بل وكان المسؤولون في إدارة ميجي يدعون إلى ترسيخ فكرة إبادة الجماعات البدائية المتخلفة من وجهة نظرهم في المناطق المحيطة باليابان، كما فعلت اليابان مع الآينو (أحد الشعوب الأصلية في شمال اليابان) في جزيرة إيزو (هوكايدو حاليا).

أما في تايوان وجزر ريوكيو وسخالين وحتى كوريا، فقد سعت الإدارة اليابانية إلى القيام بمهمة "تنويرية" من وجهة نظرها، وهي تثقيف شعوب تلك المناطق من خلال الثقافة والقيم اليابانية. باختصار كانت اليابان تتعامل مع جيرانها بوصفهم عاجزين ينبغي أن تتم مباركتهم بمسحة التنوير الياباني كي يتخلصوا من البدائية والعجز.

لقد ترافق تقدم اليابان مع صعود وسطوة الخطابين العرقي والعنصري في أرجاء العالم الغربي مخترقين باحات العلم والثقافة والسياسة والاقتصاد، وكان صعود اليابان يُنظر إليه غربيا بوصفه معجزة، إذ استطاعت تلك "الأمة الصفراء" -التي لا تنتمي إلى العرق الأبيض- أن تصل لمستويات من التطور تضاهي المستويات الغربية واستطاعت -حسب الخطاب العنصري الغربي- أن تخرج من عباءة تخلف الأعراق المحيطة بها.

والواقع أن اليابان قد تشبعت بهذا الخطاب واستبطنت هذا التصور حتى في الوقت الذي كانت تعادي فيه الغرب وتحاول فيه أن توقف تمدده وأن تناطحه رأسا برأس، فقد نظرت لنفسها بالفعل باعتبارها استثناء بين الأعراق الآسيوية الأخرى، وربما كان هذا مدخلا من المداخل المهمة لفهم كيف تحولت اليابان إلى جلاد للآسيويين من حولها، وكيف تورطت في أعمال عنيفة للغاية في حق قطاعات كبيرة من الشعوب المحيطة بها في القارة على الرغم من أن قصتها التوسعية بدأت تحت ذريعة تحرير آسيا ومواجهة الإمبريالية الغربية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا