أعلن الجيش الإسرائيلي في نهاية مايو/أيار الماضي، تشغيل ما وصفه بـ "منشأة طبية ميدانية متنقلة" في قرية حضر، إحدى القرى الدرزيّة في مرتفعات الجولان السورية، لـ"تقديم العلاج الطبي لسكان المنطقة ولدعم أبناء الطائفة الدرزية في سوريا".
وقال مصدر عسكري في الجيش الإسرائيلي لبي بي سي نيوز عربي، إن المشفى عبارة عن كرفان به بعض الغرف والأجنحة التي تقدم خدمات طبية في عدة تخصصات، كما أنه "يقدم الإسعافات الأولية وبعض العلاج، ولا تُجرى داخله عمليات جراحية، ويوجد به طبيبة أمراض نساء وطبيب أسرة وطبيب أطفال".
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، "أن المرضى الذين يعانون من أمراض حرجة، يُعالجون داخل إسرائيل بعد تقييم حالتهم، ثم يعودون مرة أخرى إلى قريتهم".
أدهم (اسم مستعار)، أحد سكان قرية حضر السورية، قال لبي بي سي نيوز عربي إنه لم يكن هناك تنسيق مسبق بين إسرائيل وشيوخ الدروز في القرية لبناء هذا المشفى، وهو ما أكده الجيش الإسرائيلي لبي بي سي.
ويقول أدهم إنه لم يتم التنسيق قبل بناء المشفى، لأن الدوافع كانت "إنسانية".
ويستدرك قائلاً: "كنا بحاجة هذا المشفى، لأنه لا يوجد حالياً أي مستشفى في القرية. لدينا في قريتنا طبيبان فقط، لفحص المرضى".
ليس هذا فحسب، بل يوضح أدهم أن هذين الطبيبين ليسا مؤهلين لإجراء عمليات جراحية، إذ إنهما يقدمان فقط خدمات طبية، مضيفاً أنه "لا توجد معامل أو مراكز لإجراء التحاليل والأشعة"، داخل قرية حضر.
ووفقاً لأدهم، فإن أقرب مستشفى لقرية حضر الدرزية، هو مستشفى الجولان الوطني الحكومي في محافظة القنيطرة، وقد "أصبح شبه خالٍ من الأطباء والأجهزة الطبية، وحتى إذا أراد أي من سكان القرية إجراء فحوصات أو تحاليل بداخله، فإنهم يشترون بعض المستلزمات الطبية".
ويضيف أنه في حال احتاج أي شخص لإجراء عملية جراحية، فإنه يذهب إلى العاصمة دمشق.
وقال محمد سعيد، مدير مديرية الإعلام في محافظة القنيطرة لبي بي سي، إن النظام السوري السابق "كان له دور كبير في تهجير العقول والكوادر الطبية من المنطقة بسبب الضغط الأمني أو تدني الأجور، مما جعل مستشفى الجولان يعمل بالحد الأدنى من إمكانيته".
ويستدرك بالقول إنه "عندما تولت الحكومة الجديدة إدارة حكم البلاد، بدأت في ترميم بعض الأقسام كقسم الإسعاف وأمراض النساء، وتوفير بعض المعدات الطبية في ظل نقص كبير في أعداد الأطباء".
ويوضح محمد سعيد أن "وزارة الصحة تسعى لسد العجز في الكوادر الطبية والمعدات الضرورية اللازمة".
وحضر هي إحدى القرى السورية الدرزية بجبل الشيخ في مرتفعات هضبة الجولان، وتبعد عن دمشق حوالي 75 كيلومتراً باتجاه الجنوب الغربي على الحدود السورية الإسرائيلية.
كما أنها تقع ضمن نطاق المنطقة العازلة المحاذية لهضبة الجولان المحتلة.
وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2024، في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، أعلن الجيش الإسرائيلي عن انتشار قواته في تلك المنطقة العازلة.
وكان الجيش قد قال حينها في بيان له، إن دخوله تلك المنطقة كان بسبب: "دخول مسلحين" إليها، وبناء على "تقييم للأحداث الأخيرة في سوريا".
وقد أدانت وقتها بعثة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (أوندوف)، التي تتولى مسؤولية مراقبة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا منذ عام 1974، دخول الجيش.
إذ قال حينها متحدث باسم البعثة إنهم لاحظوا "تحركات للجيش الإسرائيلي وعمليات بناء في أربعة مواقع في منطقة جبل الشيخ، ورفع أعلام إسرائيلية في ثلاثة مواقع داخل منطقة الفصل".
يقول محمد السعيد، مدير مديرية الإعلام في محافظة القنيطرة السورية لبي بي سي إن الجيش الإسرائيلي لم ينسق مع الحكومة الإسرائيلية، قبل بناء المشفى.
ويضيف أن "الحكومة السورية تدين أي تدخل اسرائيلي داخل أراضيها، بما في ذلك الخطوة غير القانونية المتمثلة في بناء مشفى متنقل في قرية حضر".
ووصف سعيد بناء المشفى بأنه "انتهاك صارخ للسيادة السورية والقانون الدولي وهو جزء من محاولات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة لتبرير وجوده غير الشرعي في المنطقة".
بينما قال مصدر في الجيش الإسرائيلي لبي بي سي: "بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول [2023]، أدرك جيش الدفاع الإسرائيلي أنه من أجل حماية المواطنين الإسرائيليين، عليه أن يتحرك بشكل استباقي للدفاع عنهم، وأن يكون حاجزاً بين الإرهابيين وسكان إسرائيل".
وأضاف المصدر أنه أيضاً، بعد سقوط نظام الأسد ومع غياب الاستقرار في سوريا، "أنشأت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي منطقة عازلة بالقرب من الحدود الإسرائيلية، لتكون بمثابة طبقة حماية بين الإرهابيين وسكان إسرائيل".
وكانت أسر قد نزحت إلى قرية حضر قادمة من مدينة أشرفية صحنايا، في 30 أبريل/ نيسان الماضي، بعيد اشتباكات بين مسلحين مرتبطين بالسلطات والدروز، تخللها قصف إسرائيلي.
ويقول أدهم في حديثه لنا إن عملية النزوح هذه، زادت الوضع الإنساني داخل قريته سوءاً.
يقول المصدر بالجيش الإسرائيلي إنه بسبب ذلك النزوح تم بناء المشفى في قرية حضر بالتحديد لمساعدة المدنيين السوريين الدروز الذين فروا من اشتباكات أشرفية صحنايا إليها، وقد توافد الكثير منهم إلى مناطق تمركز قوات الجيش القريبة منها.
وأضاف المصدر: "طلب المصابون [من المدنيين الفارين] المساعدة منا لعلاجهم، ولذلك كان من الملائم والمفيد جداً بناء المشفى هناك ولم يكن من المنطقي بناؤه في أي مكان آخر"، مضيفاً أن إسرائيل لديها مسؤولية تجاه أبناء الطائفة الدرزية، الذين لديهم عائلات يعيشون بداخلها.
وقد أكد أحد شيوخ الدروز في قرية حضر لبي بي سي توافد الفارين من أشرفية صحنايا إلى المناطق التي تنتشر بها القوات الإسرائيلية طلباً للمساعدة، وطلب عدم ذكر اسمه.
وقد قدم هذا المشفى"المتنقل" حتى الآن العلاج لأكثر من 500 مدني سوري دخل قرية حضر السورية، بحسب الجيش الإسرائيلي.