تقارير عدة كشفت مؤخرًا عن محادثات تمهيدية غير معلنة بين الطرفين بوساطة أميركية، تستهدف رسم خارطة طريق تطبيعية تبدأ بضمانات أمنية وتنتهي نظريًا باعتراف متبادل. لكن على أرض الواقع، يبدو الجولان المحتل هو "الجدار" الذي قد يسقط كامل المشروع.
واشنطن تتوسط... وإسرائيل ترفض مناقشة الجولان
وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، صرح بوضوح بأن بلاده منفتحة على توسيع اتفاقات إبراهيم لتشمل دولا مثل سوريا ولبنان، لكنه شدد على أن الجولان "خارج أي تفاوض".
هذا الموقف الصلب يعكس إجماعًا سياسيًا داخل إسرائيل على رفض أي انسحاب من الهضبة الاستراتيجية، التي ضُمت رسميا منذ عام 1981، وتلقت اعترافًا أميركيًا بها في عهد دونالد ترامب.
الواقعية تفترض تنازلات من الجانبين
يرى الدكتور فراس النائب، رئيس مركز "استراتيجيا" للدراسات خلال حديثه الى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن النضج السياسي لدى الطرفين، بعد سنوات من "عاصفة الشرق الأوسط"، قد يخلق فرصة واقعية لسلام متدرج، شرط القبول بالتنازلات. لكنه يؤكد أن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، وعلى رأسها قضية الجولان.
ويضيف: "إذا أرادت الحكومة الإسرائيلية تحقيق مكسب كبير كهذا، فعليها أن تقدم تنازلات حقيقية"، مشيرا إلى أن أي سلام لا يتضمن استعادة الحقوق السورية سيظل هشًا وغير مقبول شعبيًا ولا إقليميا.
وبلهجة حذرة، اعتبر النائب أن الولايات المتحدة، لا سيما إدارة ترامب الحالية، قد تدفع باتجاه السلام لأسباب تتعلق بـ"الإرث السياسي"، وربما حتى طموحات نوبل، وفق تعبيره، وهو ما قد يخلق حافزًا أميركيًا للضغط على إسرائيل.
الهاجس الأمني الإسرائيلي يحكم النظرة إلى دمشق
من جهته، يحلل الدكتور أمير خنيفس، المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، العقل الإسرائيلي من زاوية الهاجس الأمني. ويؤكد أن إسرائيل، رغم تغير النظام في سوريا، لا تزال ترى في دمشق خصمًا غير مأمون الجانب. ويشرح: "الخطاب الإسرائيلي موحد تقريبًا من اليمين إلى اليسار: لا انسحاب من مواقع استراتيجية كالجولان. ما يُطرح هو 'سلام مقابل سلام' وليس 'أرض مقابل سلام'."
ويتابع خنيفس أن الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان عزز هذا الموقف، وأضاف ثقلًا دبلوماسيًا للمطالب الإسرائيلية. كما يشير إلى أن الوضع السوري الهش – سياسيا واقتصاديا وعسكريا – يزيد من صعوبة إقناع الجمهور الإسرائيلي بالتخلي عن "أصول استراتيجية".
لا سلام شامل... بل خطوات تراتبية تبدأ بعدم الاعتداء
أما الباحث في مركز الدراسات الدولية بسام بربندي، فيقدم قراءة أكثر براغماتية. بحسب رأيه، فإن الحديث عن اتفاق سلام شامل سابق لأوانه، مرجحًا أن يتم المسار عبر مراحل تبدأ بـ"عدم اعتداء"، بدعم وضمانات أميركية وخليجية. ويؤكد أن سوريا، كدولة خارجة من حرب أهلية طويلة، تسعى أولًا إلى إعادة بناء مؤسساتها وتحقيق استقرار داخلي، قبل الدخول في معاهدات دبلوماسية شاملة.
بربندي لا يستبعد إطلاق مسار سلام تدريجي، لكنه يعتقد أن مفتاح التقدم بيد إسرائيل، عبر "خطوات حسن نية" كوقف تجاوزات الخط الفاصل وفق قرارات الأمم المتحدة، أو الانسحاب من بعض النقاط المتنازع عليها في القنيطرة. ويضيف: "الجانب السوري هو من يحتاج لضمانات... وليس العكس. والسلام لن يتم بالقفز مباشرة نحو التطبيع".
هل تتكرر نماذج مصر والأردن؟ أم أن الحالة السورية مختلفة؟
رغم المقارنات التي تُعقد مع اتفاقات إسرائيل مع مصر أو الأردن، يصر بربندي على أن الوضع السوري أكثر تعقيدًا. فالعلاقات الإسرائيلية – العربية مرت بمراحل مختلفة من الانفتاح منذ مؤتمر مدريد وحتى اتفاقات إبراهيم، لكن سوريا تواجه واقعًا متشابكًا: نظام جديد لا يزال يفتقر إلى المشروعية الكاملة، بنية أمنية منهكة، وشكوك إقليمية ومحلية عميقة.
ويشير بربندي إلى أن حتى في عز الصراع السوري – الإسرائيلي، وافق خمسة رؤساء وزراء إسرائيليين من مختلف الأطياف على إعادة الجولان ضمن ترتيبات أمنية وضمانات أميركية، وهو ما يفتح الباب – نظريا – أمام "سيناريو مشابه"، إن توفرت الإرادة السياسية.
بناء الثقة أولًا... ثم النقاش حول الجولان لاحقًا
لا يختلف الموقف الإسرائيلي الرافض لبحث ملف الجولان كثيرًا عن مواقف سابقة. لكن ما يتغير، بحسب الخبراء، هو مستوى التداخل الأميركي – الإقليمي في فرض صيغة "سلام واقعي" يبدأ ببناء الثقة وينتهي، ربما، بتسوية سياسية. ورغم أن التطبيع الشامل يبدو بعيدًا، إلا أن هناك ما يشبه "النافذة الضيقة" لفتح مسار تفاوضي غير معلن، تبدأ أولى محطاته بضمانات أمنية وتفاهمات ميدانية.
لا يبدو أن الجولان سيُستعاد في القريب، ولا أن إسرائيل مستعدة للتخلي عن مكاسبها الاستراتيجية هناك، لكن المناخ الإقليمي، بعد اشتباكات طهران وتل أبيب، قد يُنتج تسويات غير مسبوقة، شرط أن تدرك جميع الأطراف أن السلام ليس إعلانًا... بل مسار طويل وشاق يبدأ من تحت الطاولة.