يواصل مئات المستوطنين اقتحامهم للمسجد الأقصى لليوم الثالث على التوالي إحياء لما يسمى عيد الفصح العبري، بحماية شرطة وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي أطبقت حصارها على الأقصى ومنعت دخوله فترة الاقتحامات الصباحية.
ويؤدي المستوطنون خلال اقتحامهم صلوات وطقوسا تلمودية، في ظل دعوات جماعات… pic.twitter.com/X2WhHYKrO8— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) April 15, 2025
في عيد الفصح اليهودي هذا العام، وعلى مدار 5 أيام من العدوان على المسجد الأقصى ، حضرت أشكال الانتهاكات كافة على يد المستوطنين المقتحمين للمسجد بحماية شرطة الاحتلال، وغابت جميع أشكال التصدي لها قسرا مع تحويل مدينة القدس إلى ثكنة عسكرية، ومنع وصول المسلمين إلى أولى القبلتين، وتكريس التقسيم الزماني الذي فُرض بقوة الاحتلال.
وسُجّل هذا العام خلال عيد الفصح أضخم اقتحام للمسجد الأقصى في موسم واحد، إذ بلغ عدد المستوطنين الذين استباحوا الساحات 6768 متطرفا ومتطرفا، وشهد اليوم الخميس الذي صادف خامس أيام الاعتداءات اقتحام 2258 مستوطنا، وهو الرقم القياسي للاقتحامات الجماعية منذ انطلاقها عام 2003.
والعام الماضي، اقتحم المسجد الأقصى بهذه المناسبة 4345 متطرفا ومتطرفا، في حين كان العدد 3430 في عام 2023 الذي تزامن مع شهر رمضان المبارك.
ومن أبرز الانتهاكات التي سُجّلت في ساحات المسجد وأمام أبوابه، وفقا لتوثيق للجزيرة نت عبر رصدها ما نشرته صفحات منظمات المعبد المتطرفة ونشطائها:
وبالتزامن مع كل هذه الانتهاكات، ضيّقت شرطة الاحتلال على المصلين وأعاقت دخولهم إلى المسجد عبر حصاره بنصب سواتر حديدية في بداية الأروقة المؤدية إلى الأقصى وأمام أبوابه، وأخرجت عددا من الشبان خلال أيام العيد اليهودي من الساحات واحتجزتهم لفترات متفاوتة.
ويضاف إلى منع السواد الأعظم من المصلين من الدخول، فإن المئات من أهالي القدس والداخل الفلسطيني ممنوعون من دخول المسجد بأوامر إبعاد تتراوح مدتها بين 3 و6 أشهر تسلّمها معظمهم قبيل شهر رمضان المنصرم وخلاله.
وربطت صحيفة هآرتس الإسرائيلية سماح شرطة الاحتلال لـ200 مستوطن باقتحام الأقصى معا بمجموعة واحدة، بمساعي وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي قالت إنه "يُسرّع تغيير الوضع الراهن في جبل الهيكل"، وذلك بعدما كانت المجموعة الواحدة تضم بين 30 إلى 45 مستوطنا بشكل عام.
وعلق مراسل الصحيفة نير حسون على هذه الخطوة قائلا إن "الانحراف عن سياسة الشرطة يندرج في إطار التغيير الشامل في الوضع الراهن في السنوات الأخيرة، وهو التغيير الذي تسارع بعد تعيين بن غفير وزيرا للأمن القومي".
وأضاف أن "الشرطة تسمح لليهود الآن بالصلاة والغناء والسجود بحرية شبه مطلقة، وهو أمر كان محظورا لسنوات طويلة، وفي يونيو/حزيران، صرّح بن غفير بأن سياسته هي السماح لليهود بالصلاة في الحرم جبل الهيكل، على عكس الوضع الراهن المتعارف عليه هناك".
وجاء في ردّ شرطة الاحتلال الذي أوردته الصحفية أن "عدد الزوار يُحدد في كل مجموعة وفقا للظروف، مع التركيز على قدرة الشرطة على تأمين وحفظ النظام العام للمجموعة".
مع تصاعدات انتهاكات الاحتلال والمستوطنين، وبلوغ ذروتها أيام عيد الفصح العبري، حذرت هيئات علمائية من خطورة الأوضاع التي آل إليها المسجد الأقصى، والتي تهدد الوضع القائم فيه بأنه مكان خالص للمسلمين وحدهم، وسط دعوات بضرورة شد الرحال إليه وحمايته من الأطماع التهويدية. pic.twitter.com/5RrbUZeeUI
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) April 16, 2025
وعلى إثر ذلك، حذر مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في مدينة القدس، في بيان له، من تصاعد انتهاكات الاحتلال والمستوطنين بحق المسجد الأقصى خلال عيد الفصح العبري، ووصفها بغير المسبوقة.
ودان المجلس تمكين شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمتطرفين المقتحمين، وإعطاءهم الحرية الكاملة للقيام بطقوسهم المختلفة داخل الأقصى، بالإضافة إلى استهدافها العاملين في دائرة الأوقاف وخطباء المسجد الأقصى، وملاحقتهم لقيامهم بمهامهم وواجباتهم الدينية والوظيفية داخل المسجد الأقصى، وإبعادهم عن المسجد لفترات متفاوتة.
وفي السياق، حذر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري من أن المسجد الأقصى المبارك بات مستباحا وتحت تصرف اليهود المتطرفين الذين يعربدون ويستفزون المسلمين، وقال إن مدينة القدس تحولت إلى ثكنة عسكرية.
وأضاف -في مقابلة مع قناة الجزيرة- أن اليمين المتطرف يلهو ويعربد كيفما شاء في رحاب الأقصى المبارك، وتجاوز الخطوط الحمراء في هذا العيد بإقامة الشعائر الدينية التي تخصهم، ليوهموا العالم بأن الأقصى تحت سيطرتهم.
وتعليقا على اقتحامات عيد الفصح هذا العام، قال المختص بشؤون القدس والمسجد الأقصى خالد زبارقة -في حوار مع الجزيرة نت- إن هذه الاقتحامات لم تعد مجرد زيارات فردية أو دينية، بل تحولت إلى أدوات سياسية تهدف إلى فرض واقع جديد في المسجد الأقصى، ولتكريس تقسيمه زمنيا ومكانيا، الأمر الذي يشكل خطرا كبيرا على الوضع القائم ويهدد بتصعيد خطير في المنطقة، وبالتالي فرض واقع جديد بالأقصى من خلال بناء كنيس تمهيدا لإقامة "الهيكل" المزعوم.
أما الأكاديمي ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى عبد الله معروف، فقال في قراءته لعيد الفصح اليهودي هذا العام إنه طرأ تطور كمّي ونوعي.
وأوضح أنه من حيث الكم "شهدنا اقتحام أكبر عدد في يوم واحد من أيام الفصح عندما تجاوز عدد المستوطنين حاجز 1700 في اليوم الثالث، بما يشكل زيادة 30% عن العام الماضي، وأكثر من 90% زيادة عن السنوات السابقة، وهذا يدّل على أن جماعات المعبد المتطرفة استفردت هذا العام ونجحت، مع الأسف، في تقديم صورتها باعتبارها المسيطرة على الأقصى".
أما من حيث النوع، فإن اقتحامات هذا العام كانت -وفقا لمعروف- في غاية الخطورة بسبب طبيعة التصرفات التي قام بها المستوطنون، "فلأول مرة شهدنا وجود أكثر من 600 في اللحظة نفسها داخل الأقصى يؤدون طقوسهم العلنية، بالتزامن مع منع الاحتلال للحراس والعاملين في دائرة الأوقاف والمسلمين من الوصول إليه".
وتبقى قضية أداء القرابين الحيوانية وهي أهم طقوس هذا العيد قضية عالقة حتى هذه اللحظة لدى الجماعات المتطرفة، وفقا للأكاديمي معروف، بسبب عدم تمكنها من تنفيذ هذا الطقس داخل الأقصى.
وأضاف معروف "لكن ينبغي أن نعلم أن هذا الأمر ليس بسبب منع السلطات الأمنية وتحديدا جهاز الشاباك لهذه العملية، وإنما بسبب الخلافات الداخلية بين أفراد هذه الجماعات والمؤسسة الحاخامية الرسمية التقليدية حول طبيعة وكيفية أداء هذا الطقس، وإمكانية أدائه في الوقت الحالي من الناحية الدينية الفقهية".
فالمسألة انتقلت -وفقا لمعروف- من قضية التخوف من رد الفعل العربي والإسلامي إلى الخلافات الداخلية الفقهية بين أقطاب التيارات الدينية الإسرائيلية فقط.
وهذا يعني بحد ذاته "أننا أمام تحول خطير بطريقة تعاطي جماعات المعبد المتطرفة والحكومة الإسرائيلية مع قضية ردود الفعل العربية والإسلامية، إذ لم تعد سلطات الاحتلال تحسب حساب رد فعل العالمين العربي والإسلامي الرسمي والشعبي على تصرفاتها داخل الأقصى، وهذه حقيقة مؤلمة تجلت هذا العام ولا بد أن نعترف بها".
وهذا يعني أنها متى ما حُلّت قضية الخلافات الفقهية الداخلية، فإن هذه الجماعات يمكن أن تقوم بعمل كبير في المسجد كبناء كنيس أو اقتطاع جزء منه أو أي شيء من شأنه أن يغير شكل المسجد، دون أن تحسب حساب أي ردود فعل، وهنا مربط الفرس ونقطة التخوف الكبرى، لأن المسجد الأقصى كما يبدو لم يعد على رأس سلم أوليات الشارعين العربي والإسلامي الذي لم يرد على ما يجري فيه بالطريقة التي تتماشى مع حجم الاعتداءات.