باتت منصة "تيك توك" من المنصات الأكثر شعبية وجذبا لمئات الملايين حول العالم، فلم تعد تلك المنصة الشهيرة وسيلة للتعبير عن الرأي وحسب، لكنها أضحت طريقا سريعا لجذب الأموال، ما ضاعف من أعداد مستخدميه إلى ما يزيد على نحو مليار شخص على مستوى العالم شهريا، ممن يطلقون عليهم "المستخدمون النشطون"، الذين يتنوعون ما بين فئات عمرية متعددة، بغض النظر عن مدى صلاحية المحتوى أخلاقيا وتأثيره على المجتمع.
وتلك المنصة التي لاقت رواجا منذ ظهورها، قبيل نحو 8 سنوات، أصبحت وسيلة يستغلها الناس بطرق متعددة حسب أهدافهم واهتماماتهم، ولم تعد وسيلة للتواصل الاجتماعي فقط، بل أصبحت مصدرا للربح وملجأ للمال، وهو ما يسهم في خروج الكثير من مستخدميه عن النص والتقاليد وسياق المجتمع الخاص به بدافع العائد المادي، عبر طرق عديدة من الوسائل المسموح بها داخل منصة تيك توك، وهو ما عزز من الجرائم ترأستها قتل النفس، ولكن كيف كانت بدايات هذا التطبيق، وكيف يعمل؟.
ما هو تيك توك؟
تيك توك هو تطبيق من تطبيقات الوسائط الاجتماعية التي ذاع صيتها بشدة رغم حداثة عهده فهو وليد العام 2016.
وكان اسم التطبيق هو نفسه اسم الشركة التي طورته وهو "ميوزيكال إل واي" (Musical.ly) وتحول اسمه إلى تيك توك في عام 2018 عندما استحوذت عليه شركة "بايت دانس" الصينية. وبالتالي يعتبر تيك توك نسخة من منصة دويون (Douyin) الصينية.
ويختص التطبيق بمشاركة مقاطع الفيديو حصرا، حيث إنه يتيح للمستخدمين إنشاء ونشر مقاطع الفيديو، وقد شاع استخدامه على الهاتف المحمول، رغم توفر منصة خاصة به على غوغل.
ويوفر التطبيق، تسجيل الفيديوهات، وتحميلها على الموقع مع عدد من المرشحات (الفلاتر) والموسيقى الخلفية، بالإضافة إلى المؤثرات الصوتية والمرئية.
وسيلة لغسل الأموال
في أميركا، وهي التي تتصدر دول العالم استخدامًا لتلك المنصة بنحو 150 مليون شخص، وبحسب ما نقلت "نيويورك تايمز"، يواجه تطبيق "تيك توك" دعوى قضائية في ولاية يوتا الأميركية تزعم أن التطبيق عرف منذ فترة طويلة بأن ميزة البث المباشر للتطبيق تشجع على استغلال القُصر.
هذه الميزة سهلت كذلك من جرائم غسيل الأموال وسمحت للمستخدمين ببيع المخدرات وتمويل الإرهاب، بحسب تقرير لوكالة "بلومبرغ".
ورفع مدعون عامون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري من أكثر من 12 ولاية في الولايات المتحدة الخريف الماضي دعوى قضائية ضد "تيك توك"، متهمين التطبيق باستغلال القُصر ماليًا وجنسيًا.
واستشهدت الدعاوى القضائية بتحقيق استقصائي لمجلة "فوربس" وجد أن الرجال البالغين يستخدمون البث المباشر بانتظام لإقناع الفتيات المراهقات بالقيام بأعمال غير محتشمة، وقد تكون جنسية في بعض الأحيان، مقابل "هدايا" رقمية يمكن استبدالها بالمال.
لماذا أصبح تيك توك وسيلة للكسب غير المشروع؟
محمد حسين الخبير التكنولوجي، يقول إن المنصة أصبحت وسيلة للكسب غير المشروع في بعض الحالات، مفندًا أسباب ذلك لضعف الرقابة على المحتوى، ما يجعل من السهل الترويج لأنشطة مشبوهة أو غير قانونية، وكذلك الترويج لمنتجات أو خدمات وهمية أو بيع بضائع مغشوشة، عبر إنشاء مقاطع فيديو تظهر منتجًأ وهميًأ أو استخدام مؤثرين لتقديم شهادات مزيفة.
"استغلال الأطفال والمراهقين لجذب المشاهدات بطرق غير أخلاقية أو مخالفة للقانون"، يراها الخبير التكنولوجي كذلك أحد الوسائل غير المشروعة للتكسب والتربح، بالإضافة إلى نشر محتوى غير لائق لإثارة الجدل أو بالمخالفة للقيم.
ويؤكد في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية"، أن غسيل الأموال عبر التطبيق يتم من خلال استغلال الإعلانات والبث المباشر لغسل الأموال أو تحويلها بطرق غير قانونية، عن طريق شراء الهدايا الافتراضية باستخدام أموال غير مشروعة، حيث تُرسل هذه الهدايا لحسابات تابعة للمجرمين، حيث يتم تحويلها إلى أموال نقدية بعد خصم نسبة المنصة، وبهذه الطريقة يتم "تنظيف" الأموال وإضفاء الشرعية عليها.
جرائم قتل بشعة حول العالم
أعلنت ألبانيا حظر تطبيق "تيك توك" لمدة عام، بعد مقتل طالب يبلغ من العمر 14 عامًا.
ويأتي قرار الحظر بحسب ما نقلت "سي إن إن " بعد أن طعن تلميذ زميله البالغ من العمر 14 عاما حتى الموت في نوفمبر الماضي، وإصابة آخر في شجار بالقرب من مدرسة في جنوب تيرانا، والذي تعود جذوره إلى مواجهة على منصة "تيك توك".
وفي الجزائر، شهدت ولاية الوادي الواقعة على الحدود التونسية جريمة قتل بشعة ، في سبتمبر الماضي راح ضحيتها شاب في العشرينات من العمر على يدي شقيقتين لهما شهرة كبيرة على المنصة، بعد أن أضرمتا بجسده النار حتى فارق الحياة.
وفي مصر، تم اكتشاف قاتل "متسلسل" للفتيات، وهو "تيكتوكر" شهير ويحمل الجنسية الأميركية في القضية المعروفة باسم "سفاح التجمع"، في واقعة قتل فتيات وإلقاء جثثهن في مناطق صحراوية، والذي كان يتصيد ضحاياه عبر الحساب الذي يضم مئات الآلاف المتابعين.
وقبل شهر شهدت منطقة إمبابة بمحافظة الجيزة المصرية حادثًا مأساويًا، حيث أقدم صغيران على قتل صديقهما بعد تقييده في أحد الأماكن وتركه لمدة 3 ساعات، بعد اتفاق جرى بينه وبين أصدقائه بتقييده من أجل كسب المشاهدات وإذاعتها على منصة "تيك توك" فتحولت إلى كارثة.
تأثير منصة "تيك توك" على الصحة النفسية
الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، يقول إن الاستخدام الطويل لمنصة "تيك توك" تؤثر على المخ وبالأخص الأطفال، والذي يقلل من الانتباه والتركيز لديهم مما يؤدي إلى فرط حركي، وبالطبع سوف يؤثرعلى المستوى التعليمي.
وأضاف فرويز، في معرض حديثه لـ"سكاي نيوز عربية"، أن الصورة المتحركة الخاصة بمنصة "تيك توك" ترتبط بثلاثة أشياء هي الصورة وحركة اليد و ذهن المتفرج، ومع مرور الوقت يؤدي هذا الثلاثي إلى قلة الانتباه والتركيز والتأثير بالسلب على الصحة النفسية لدى المتفرج وخصوصًأ كلما زادت عدد ساعات المشاهدة.
وأكمل حديثه بالقول: إن هذا الروتين يؤدي بالشخص إلى الانفصال التام عن المجتمع والتعايش مع العالم الافتراضي الخاص به، مما قد ينتج عن كوارث وذلك بحسب المحتوى الذي يشاهده، وقد يؤثر عليه بالإقدام على أفعال جنائية .
بحسب فرويز، فإن هناك العديد الفتيات يستخدمن المنصة عن طريق تقديم محتوى غير لائق أخلاقيًا من أجل زيادة المشاهدات والربح المادي، مما يؤدي إلى انخفاض تقدير الذات وفي النهاية يؤثر بشكل كبير على أخلاقيات ودرجة قبول الخطأ عند المجتمع، حيث أنه مع تكرار الخطأ أمام المشاهد يصبح ذلك الشيء تقليديًا بسبب دخوله على منطقة في المخ تدعى الخلفية الذهنية، ومع التكرار يصبح شيئًا طبيعيا.