في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في مشهد تاريخي غير مسبوق، تبدأ اليوم السبت امتحانات الشهادة السودانية في ظل ظروف قاسية تكاد تتجاوز التصور.
طالبة تقطع آلاف الأميال من تشاد، وآخرون يغامرون بحياتهم في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر قوارب بدائية، فقط للوصول إلى مراكز الامتحانات. جلسات تُعقد في مواقيت غير تقليدية، والانقطاع المستمر للإنترنت يُضيف عبئًا ثقيلًا على كاهل الطلاب. في خضم هذه الفوضى، يتصاعد الغضب وتنذر الاحتجاجات بعواقب وخيمة وسط انقسام حاد في صفوف الطلاب وأسرهم.
الشهادة السودانية أمام اختبار قاس لا يُشبه أي امتحان مرّ عليها في تاريخ البلاد.
ووسط دخان المعارك، حيث تصطف قاعات الامتحانات جنبًا إلى جنب مع ميادين القتال، يستعد 343,644 طالبًا لخوض امتحانات مصيرية في 2300 مركز امتحاني، يحيط بها الخوف والتشرد والدمار.
وبين هؤلاء، يقف 120,724 طالبًا يحملون قصصًا من الشتات، هربوا من الجحيم إلى واقع أقل قسوة، فقط ليجدوا أنفسهم في مواجهة اختبار لا يختبر المعرفة فحسب، بل يختبر أيضًا قدرتهم على الصمود.
ومع ذلك، تصر وزارة التربية والتعليم على إقامة الامتحانات رغم الانتقادات، وكأنها تصارع الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أملٍ يتلاشى.
ففي الدلنج بولاية جنوب كردفان، لم يكن الغضب مجرد كلمات، بل تحول إلى صرخات احتجاج مدوية. الطلاب هناك، المحرومون من الجلوس للامتحانات، يواجهون واقعًا مريرًا، حيث فشلت السلطات في توفير أبسط متطلبات العملية التعليمية.
هذا الفشل امتد ليشمل 60% من الطلاب على مستوى البلاد، وفقًا لبيان لجنة المعلمين السودانيين، مع حرمان تام في 8 ولايات، وحرمان جزئي في 3 ولايات أخرى. إنه مشهد يعكس حجم التصدع الذي أصاب جسد السودان التعليمي.
ومع كل هذا الظلام، تبرز قصص مضيئة تُعيد الأمل إلى النفوس.
الطالبة شمس الحافظ عبد الله، التي قطعت 2662 كيلومترًا من أبشي التشادية إلى الدامر السودانية، أصبحت رمزًا للجرأة والتحدي.
قصتها ليست مجرد رحلة، بل شهادة على أن التعليم في السودان لا يزال يقاوم حتى في زمن الانكسار.
لكن قصة شمس ليست الوحيدة. ففي القطينة، قرر طلاب تحدي الطبيعة والحرب معًا، فركبوا قوارب بدائية لعبور مياه النيل الأبيض الهائجة، متحدين خطر الغرق للوصول إلى الدويم وأداء امتحاناتهم.
وعلى مدار يومين، كانت رحلتهم مغامرة أشبه بفصول من ملحمة بطولية، حيث اختلطت مشاعر الخوف بالأمل في مستقبل أفضل.
وفي خطوة تحمل أبعادًا غير مألوفة، قررت وزارة التربية والتعليم تعديل توقيت الامتحانات لتبدأ عند الساعة الثانية والنصف ظهرًا وتنتهي في الخامسة مساءً. هذا التغيير، الذي جاء في ظروف استثنائية، رافقه قرار آخر بقطع الإنترنت يوميًا في وقت الامتحانات، مما زاد من تعقيد حياة الطلاب وأسرهم، وأثار موجة من التساؤلات حول تأثيره على المشهد التعليمي برمته.
ومع كل هذا الصخب، يبقى سؤال واحد بلا إجابة:
هل يمكن لطلاب السودان أن يكتبوا مستقبلهم وسط هذه الكارثة، أم أن هذه الامتحانات ستظل مجرد فصل آخر في ملحمة الألم والمعاناة، حيث يواجه التعليم حربًا لا تُرحم؟