كشفت دراسة حديثة أجراها مركز فريد هاتشينسون للسرطان أن الأجسام المضادة من نوع IgG، التي تنتقل من الأم إلى رضيعها عبر حليب الثدي خلال الأسبوع الأول من الحياة، تلعب دورًا محوريًا في ضبط الجهاز المناعي للأمعاء على المدى الطويل.
الدراسة، التي أُجريت على نماذج من الفئران ونُشرت في مجلة Science، أوضحت أن وجود هذه الأجسام المضادة في الأيام الأولى يحمي صغار الفئران من الاستجابات المناعية المفرطة بعد الفطام ، خاصة ضد الميكروبات المعوية والمستضدات الغذائية. في المقابل، غيابها يؤدي إلى نشاط مفرط لخلايا مناعية في الأمعاء، وزيادة القابلية لالتهابات القولون والحساسيات الغذائية.
يرى الباحثون أن الفترة ما بعد الولادة مباشرة تُعد مرحلة حساسة لتطور الجهاز المناعي لدى الثدييات، إذ يجب على الجسم التكيف مع الميكروبات المكتشفة حديثًا والمستضدات البيئية. ويُسهم حليب الأم في هذه العملية بتزويد الرضيع بكائنات دقيقة حيّة، وأوليجوسكريات انتقائية للبكتيريا، وخلايا أمومية، ووسائط مناعية، أبرزها الأجسام المضادة.
ورغم أن معظم الدراسات ركزت سابقًا على دور IgA في الدفاع المناعي، إلا أن الباحثين وجدوا أن IgG، الذي يتواجد بوفرة في الحليب، يقوم بدور أكثر عمقًا في الجهاز المناعي للرضيع.
اعتمد الفريق البحثي على تجارب مع فئران وُلدت في بيئات مختلفة: بعضها تربى بوجود الأجسام المضادة الأمومية، فيما حُرم البعض الآخر منها. كما تم تبديل بعض الصغار بين أمهات بديلات للتحكم في توقيت التعرض للأجسام المضادة.
إضافة إلى ذلك، جرى إطعام صغار الفئران بجرعات نقية من IgG مأخوذة من الحليب أو الدم خلال الأسبوع الأول، واستخدام بيئات خالية من الجراثيم أو معالجة بالمضادات الحيوية لاختبار دور بكتيريا الأمعاء.
أظهرت النتائج أن مجرد حصول الرضع على جرعات ضئيلة جدًا من IgG كان كافيًا ل ضبط جهازهم المناعي . فقد ارتبطت هذه الأجسام المضادة مباشرة بالبكتيريا في الأمعاء، خصوصًا عبر الأنماط الفرعية IgG2b وIgG3، وشكلت معقّدات فعّلت مستقبلات الاستشعار المناعي وبروتينات المتممة.
أما الفئران التي افتقدت هذه الأجسام المضادة، فطوّرت لاحقًا استجابات مناعية مبالغًا فيها واضطرابات في الأمعاء. كما أثبتت التجارب أن IgG ساعد على تقليل قابلية الإصابة بالتهاب القولون والحساسيات الغذائية.
خلص الباحثون إلى أن الأجسام المضادة الأمومية لا تقتصر وظيفتها على حماية المولود من العدوى، بل تعمل أيضًا كـ "موجّه حيوي" يعلّم الجهاز المناعي كيف يتسامح مع الميكروبات والمواد الغذائية، مما يقلل خطر الأمراض التحسسية والالتهابية مستقبلًا.
لكنهم شددوا على ضرورة الحذر في إسقاط النتائج على البشر، نظرًا لأن حليب الفئران يحتوي على مستويات أعلى نسبيًا من IgG مقارنة ب حليب الإنسان .