الدوحة – في خطوة تعكس توجه قطر لترسيخ بيئة الابتكار وجذب الاستثمارات النوعية، انطلقت في الدوحة ، اليوم الاثنين، أعمال المؤتمر الدولي حول دور الوسائل البديلة لتسوية المنازعات وحماية الملكية الفكرية والابتكار في تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر من أجل التنمية المستدامة. ويستمر المؤتمر على مدار يومين، بشراكة إستراتيجية بين وزارة التجارة والصناعة القطرية، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية "الويبو"، وجامعة حمد بن خليفة، ورابطة القانون الدولي- فرع مجلس التعاون الخليجي .
المؤتمر الذي يضم نخبة من صناع القرار والخبراء الدوليين يؤكد أن الاستثمار في المعرفة والابتكار لم يعد خيارا تكميليا، بل ضرورة إستراتيجية للدول الساعية إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على حماية الحقوق الفكرية وتطوير القدرات الإبداعية. وانعقاده في الدوحة يترجم رؤية قطر في بناء اقتصاد معرفي تنافسي يرسخ مكانتها كبيئة استثمارية جاذبة.
ويتضمن برنامج المؤتمر 6 لجان تناقش محاور رئيسية أبرزها:
كما يشمل 6 جلسات نقاشية تتناول موضوعات متعددة، من بينها:
وفي كلمته الافتتاحية، أوضح وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية أحمد بن محمد السيد أن المؤتمر يأتي استكمالا للتعاون الناجح بين قطر ومنظمة "الويبو" بهدف ترسيخ موقع الدوحة كمركز إقليمي للابتكار والاستثمار المستدام.
وأكد أن إستراتيجية الوزارة تركز على رفع المساهمة الاقتصادية المباشرة، وتعزيز القدرة التنافسية والإنتاجية في القطاعات ذات الأولوية، ودعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص. كما تشمل الإستراتيجية تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير منظومة حماية الملكية الفكرية، بما يسهم في دفع النمو في المجالات القائمة على المعرفة والإبداع.
وشدد الوزير على أن قطر تعطي الأولوية للوسائل البديلة لفض المنازعات مثل التحكيم والوساطة، باعتبارها أدوات فعّالة وسريعة تعزز ثقة المستثمرين وتدعم بيئة الأعمال.
من جانبه، قال أحمد عيسى السليطي، رئيس رابطة القانون الدولي -فرع مجلس التعاون ورئيس المؤتمر، في حديث للجزيرة نت، إن الاقتصاد العالمي يشهد تحولا جذريا حيث أصبحت الملكية الفكرية الركيزة الأساسية للنمو المستدام.
وأشار إلى أن أحدث إحصائيات "الويبو" أظهرت تسجيل 3.5 ملايين طلب براءة اختراع عالميا في عام 2023، إلى جانب أكثر من 15 مليون طلب علامة تجارية، ونحو 1.5 مليون طلب تسجيل تصميم صناعي.
وأضاف السليطي أن هذه الأرقام تعكس ديناميكية متزايدة رغم التحديات الاقتصادية العالمية، موضحا أن قيمة الأصول غير الملموسة المملوكة للشركات بلغت 80 تريليون دولار عام 2024، مقارنة بـ6 تريليونات فقط في عام 1996. وأكد أن هذا التطور يثبت أن ثروات الدول لم تعد تُقاس فقط بالموارد الطبيعية ، بل بما تملكه من حقوق فكرية وقدرات ابتكارية.
لكن خلف هذه الصورة العالمية، تحاول قطر أن تترجم هذا الواقع عبر خطوات عملية تجعلها جزءا من منظومة الاقتصاد المعرفي. فبحسب السليطي، صعدت قطر 21 مرتبة في مؤشر الابتكار العالمي خلال 4 سنوات، من المرتبة 70 في عام 2020 إلى المرتبة 49 في عام 2024، وهو ما يتماشى مع رؤيتها الوطنية الرامية إلى جعلها مركزا رائدا في حماية الملكية الفكرية وتسوية النزاعات بوسائل سلمية وبديلة.
ولتأكيد أهمية هذه الوسائل، استعرض السليطي إحصائيات مركز "الويبو" للتحكيم والوساطة، التي أظهرت تعامل المركز مع 858 نزاعا في عام 2024، بزيادة نسبتها 25% عن العام السابق. ورأى أن هذا النمو يعكس الثقة المتزايدة لدى الشركات والمستثمرين بآليات التحكيم والوساطة لتسوية المنازعات.
وفي السياق القطري، أوضح مدير إدارة الملكية الفكرية بوزارة التجارة والصناعة عبد الباسط العجي أن بلاده أنشأت إدارة متخصصة لحماية الملكية الفكرية وفق معايير "الويبو". وقال للجزيرة نت إن هذه الإدارة تعطي الأولوية لحماية الأفكار والعلامات التجارية وبراءات الاختراع، لافتا إلى أن وجود محاكم متخصصة يعزز ثقة المستثمرين، إذ تضمن سرعة البت في القضايا المتعلقة بالتزييف أو انتهاك الحقوق الفكرية.
من جانبه، عبّر إغناسيو دي كاسترو، مدير مركز الوساطة والتحكيم في "الويبو"، عن تقديره للتعاون مع قطر، مشيرا إلى أن قضايا الملكية الفكرية تشهد نموا كبيرا عالميا، خاصة في حقوق الملكية الرقمية وبراءات الاختراع المرتبطة بالاتصالات وعلوم الحياة.
وأشاد بالجهود القطرية لتطوير آليات الوساطة والتحكيم بما يجعلها أكثر استجابة للتحولات التكنولوجية.
وفي السياق ذاته، أكدت سوزان كارامانيان، عميد كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة، أن الابتكار يمثل ركيزة أساسية لمستقبل قطر، مشددة على أن وجود نظام قانوني فعّال لحماية حقوق المبدعين والمستثمرين أمر جوهري لجذب الاستثمارات.
وأوضحت أن المؤتمر يناقش محورين رئيسيين:
العلاقة بين الملكية الفكرية والاستدامة في قطاعات حيوية كقطاع الطاقة، ودور القضاء والآليات البديلة في تسوية المنازعات.
وبهذا الزخم من الأرقام الدولية والتجارب الوطنية، يعكس المؤتمر الدولي في الدوحة رغبة قطر في تحويل حماية الملكية الفكرية إلى أداة إستراتيجية لدعم الابتكار، وتعزيز ثقة المستثمرين، وترسيخ موقعها كمركز إقليمي للابتكار والتسوية السلمية للمنازعات.
ويؤكد المشاركون أن نجاح قطر في هذا المجال لا يقتصر على جذب الاستثمارات الأجنبية فحسب، بل يشمل أيضا تمكين رواد الأعمال المحليين والشركات الصغيرة والمتوسطة، بما يجعل الملكية الفكرية رافعة للتنمية المستدامة على المستويين الوطني والدولي.