لا تزال قضية مقتل الشابة الجزائرية رحمة عياط في بلدة هيمنغن قرب هانوفر تثير الجدل، إذ لا تزال النيابة العامة في المدينة تشير إلى أن الاحتمالات بشأن سبب الجريمة التي يشتبه في ارتكابها من قبل جارٍ لها، ألماني الجنسية، تعود غالبا إلى خلافات بين الجيران، بينما تؤكد عائلتها أن لا تفسير لجريمة الطعن المروعة، التي وقعت يوم الرابع من يوليو/تموز 2025، سوى ارتداء ابنتها للحجاب.
تشدد أم رحمة، واسمها زهرة بنسليمان على اعتقادها أن السبب عنصري يتعلق بحجاب ابنتها ولا يوجد سبب آخر مقنع لما قام به المشتبه به، وهو نفس ما ذكرته لمجلة دير شبيغل الألمانية، كما تؤكد الأم أنها ذكرت هذا الأمر خلال مكالمة مع الشرطة الألمانية، بحضور محامية وعضوة من الجمعية الألمانية الجزائرية للثقافة بالإضافة إلى مترجم محلف.
وتقول الأم لـDW عربية ردا على تصريحات المتحدث باسم النيابة العامة، إن المشتبه به طرق ذات مرة على باب شقة ابنتها بشدة وقوة، مما أثار فزع رحمة وخوفها، إذ أتى للشكوى من رائحة السجائر، لكنها أكدت له أنها لا تدخن نهائيا ولا توجد أي رائحة سجائر منبعثة من شقتها. لكن الأمر لم يتوقف، بل كان الشاب يضرب بقوة على السقف احتجاجا على ما يعتبره ضجيجا منبعثا من شقة رحمة حسب رواية أمها، مؤكدة أن ابنتها لم تتواصل مع المشتبه به سابقا إلا مرة أو مرتين لإلقاء التحية.
صبيحة يوم الرابع من يوليو 2025، سمع الجيران في مبنى مكون من عدة شقق، في بلدة هيمنغن القريبة من مدينة هانوفر، أصوات استغاثة فلما هرعوا إلى سلم هذا السكن المشترك وجدوا الشابة الجزائرية رحمة، البالغة من العمر 26 عاما، وهي مضرجة في دمائها، إذ تبين أنها تلقت عدة طعنات إحداها كانت على مستوى القلب وكانت طعنة قاتلة . ورغم محاولتهم إنقاذها وتقديم الإسعافات الأولية، إلا أن الراحلة فارقت الحياة في عين المكان قبل أن تصل إلى المستشفى.
وجهت أصابع الاتهام بشكل رئيسي إلى الألماني ألكسدنر، خصوصاً وأن التحقيقات بينت وجود دم الضحية على ملابسه في صبيحة ذلك اليوم. يخضع المشتبه به الآن رهن الحبس الاحتياطي في انتظار استكمال التحقيقات وإصدار الأحكام بشأن هذه القضية.
وتضيف أم رحمة، أن ابنتها الأخرى، آمال، كشفت بدورها للشرطة أن رحمة كانت تشكو لها من نظرات الشاب المخيفة وشكوكها فيه، وأنها كانت تتساءل "لماذا أنا فقط في هذا المبنى من تتلقى هذه النظرات الغريبة؟"، كما ذكرت آمال، وفق رواية أمها، أن الشاب كان يطرق الباب والسقف مرات عديدة، وليس مرة أو مرتين فقط. وأضافت الأم أن رحمة لم ترغب بإخبار والديها بما يجري لها بحكم أنهما يعانيان من أمراض مزمنة، لذلك اكتفت بتقديم هذه التفاصيل لأختها.
وفي تعليق منه على الأقوال الجديدة للأم، ذكر المتحدث باسم النيابة العامة في هانوفر، أن التحقيقات الجارية حول دافع الجريمة لا تزال جارية، وأن المتهم لم يدل بأي تصريحات بخصوص الأمر إلى غاية الآن (30 يوليو 2025)، كما يشددّ على جوابه الأول، بالقول إن "الاستجوابات التي تم إجراؤها، فضلاً عن تحليل الأدلة، لم يؤكدا وجود خلفية معادية للإسلام، وأنه لا توجد (حتى الآن) وقائع ملموسة تشير إلى دافع عنصري "، مضيفا أن "النيابة العامة تواصل التحقيق".
أمام المبنى حيث كانت تسكن رحمة. فهل الدوافع خلافات عادية بين الجيران حقا؟صورة من: Privatوربطت وسائل إعلام ألمانية منها مجلة "دير شبيغل" بين النقاش الدائر حول مقتل رحمة وبين مقتل الصيدلانية المصرية مروة الشربيني، في عام 2009 خلال جلسة محاكمة في محكمة دريسدن المحلية بدوافع تأكد أنها معادية للإسلام، في واقعة أثارت ضجة واسعة حول الإسلاموفوبيا في ألمانيا.
كما وقعت الجريمة المروعة بحق رحمة في وقت تؤكد فيه تقارير ألمانية، منها تقرير لـ"تحالف مكافحة الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين" (CLAIM) ارتفاعا كبيرا لجرائم العنصرية بحق المسلمين ، خصوصا النساء المسلمات، فيما تؤكد منظمات حقوقية في هانوفر أن الجريمة بحق رحمة هي مثال لجرائم العنف ضد النساء، مطالبة باتخاذ إجراءات أقوى لحمايتهن.
وعادت دير شبيغل إلى منشورات المشتبه به، واسمه ألكسندر، يبلغ من العمر 31 عاما، ويعمل كاختصاصي تكنولوجيا معلومات في شركة في هانوفر، إذ توقف عن النشر على فيسبوك منذ 2011، أي منذ أن تلميذا، لكن منشورا كتبه حينها، مباشرة بعد مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن ، يثير الجدل.
إذ استخدم حينها لغة راديكالية للغاية وكتب أنه "يجب استخدام الأوغاد أمثاله كأهداف في معسكرات مكافحة الإرهاب وحرق بقاياهم علناً"، لكنها أكدت ما ذكرته وسائل إعلام ألمانية أخرى من أن الشهود قالوا إنه يحمل أفكارا تميل نسبيا إلى اليسار، ولم يعرف عنه توجهات يمينية متطرفة في الآونة الأخيرة.
رحمة، وهي مهندسة معمارية في الأصل، كانت على أعتاب إنهاء عمل تطوعي في مستشفى قريب من محل سكانها في هيمنغنصورة من: Privatوكانت رحمة، وهي مهندسة معمارية في الأصل، على أعتاب إنهاء عمل تطوعي في مستشفى قريب من محل سكانها في هيمنغن، وذكرت والدتها لـDW عربية أن ابنتها تمكنت من الحصول على عقد لتدريب مهني رسمي في المستشفى ذاته لتصبح ممرضة، وكان من المفترض أن تبدأ هذا التكوين في شهر آب/ أغسطس هذا الصيف.
وقد وصلت رحمة عياط إلى ألمانيا يوم 20 سبتمبر/ ايلول 2023، بعد حصولها على تأشيرة مربية أطفال، عبر برنامج يسمح لشباب بعض الدول منها الجزائر بإقامة مؤقتة في ألمانيا والعيش مع أسرة مضيفة في ألمانيا لفترة محددة، تصل إلى 12 شهرا، وبعد انتهاء البرنامج، قررت بدء برنامج التطوع حتى تتمكن من تمديد إقامتها في ألمانيا.