آخر الأخبار

توثيق الزواج العرفي في مصر ـ "مرونة" قضائية بسُلطة تقديرية

شارك
تواجه قرارات المحاكم المرنة في مصر بشأن الزيجات "غير المسجلة" عقبات اجتماعية ودينيةصورة من: R. ElSayed

يعد الزواج العرفي أو السري من الظواهر الاجتماعية التي أثارت جدلاً واسعاً في المجتمع المصري رغم أنها ظاهرة ليست جديدة أو طارئة، ولكن مازالت تحمل أثارا مجتمعية ممتدة في ظل عدم التعامل معها بشكل جذري على المستوى القانوني والمجتمعي.

ورغم أن هناك عدة حالات يتم اللجوء فيها إلى هذا الزواج لأسباب قد تكون مبررة مثل الخوف من خسارة الولاية التعليمية على الأبناء أو الحرمان من معاش الأب والأم إذا تم تسجيل الزواج رسمياً إلى غير ذلك من الأسباب، بينما يلجأ إليه آخرون لمجرد المتعة لتظهر المشاكل مع الحصول على أطفال يصعب إثبات نسبهم الأمر الذي يسهم في ضياع حقوق الوالدين والأطفال بحسب كل حالة.

تطور قضائي يراعي الإكراهات الاجتماعية

ورغم أنه في السابق كانت هناك صعوبات بالغة في إثبات هذا الزواج بجانب الانتقادات المجتمعية وغياب الشجاعة لدى بعض السيدات في اللجوء إلى القضاء لإثبات هذا الزواج، ولكن حدثت انفراجة جزئية في التعامل مع هذا الملف في ظل تغير نظرة بعض القضاة للتعاطي مع بعض الحالات والنظر إليهن بـ "عين الرحمة"، خاصة ممن لديهن أطفال، فضلا عن التغيرات المجتمعية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع المصري.

وفي هذا السياق أصدرت محكمة الأسرة حكما قضائياً مؤخراً بإثبات علاقة الزواج العرفي لمصرية من أجنبي، وإثبات النسب، وهذا الحكم سبقه أحكام أخرى مماثلة أنصفت المرأة وأعادت لها حقوقها.

تواجه قرارات المحاكم المرنة بشأن الزيجات "غير المسجلة" عقبات اجتماعية ودينيةصورة من: R. ElSayed

وهذا التطور القضائي رهنه أحمد مختار، محامي في مؤسسة قضايا المرأة المصرية بتوافر الأوراق والشهود، وكذلك بالسلطة التقديرية للقضاة إذ تختلف نظرة كل قاضٍ للقضية، وذلك بسبب عدم وجود قانون موحًد ينظم هذه الحالات. ولفت مختار في حواره مع DW إلى مسألة رفض بعض القضاة النظر في قضايا إثبات الزواج بدون أوراق رسمية دون حتى إبداء الرأي سواء بالرفض أو القبول، وهو ما أعتبره "فكر ذكوري رافض لهذا الزواج دون أوراق أو شهود".

(ع.ص.) فضلت عدم الكشف عن هويتها اضطرت إلى أن تتزوج بشكل سري بسبب رفض الأهل للزوج، وهذا الزواج نتج عنه طفل، ولكن تخلى الزوج عنها ورفض الاعتراف به. وتابعت في حوارها مع DW شعرت بالندم على هذا الزواج، ولم أكن أخطط لإنجاب طفل لذلك حاولت التخلص من الجنين بداية الحمل.

وأضافت (ع.ص.) بنبرة حزن "لم يبقَ أمامي حينها إما التخلص من حياتي أو أن أخوض معركة قضائية إلى النهاية، وتمكنت بفضل محامين بارعين من الحصول على اعتراف بالزواج بعد إثباته من خلال الشهود". واختتمت (ع.ص.) قائلة: "رغم انتزاعي لهذا الاعتراف إلا أنني لست سعيدة لأنني تسببت في جلب وصمة لطفلي ستظل تلاحقه سنين طويلة".

اعتراف مشروط من المؤسسات الدينية

وتمسكت المؤسسات الدينية برفض إضفاء صيغة شرعية لهذا الزواج إلا بشروط، إذ أعلن مفتي مصر في عام 2024، أن هذا الشكل من الزواج مخالف للنصوص الشرعية التي تدعو إلى "الإشهاد على النكاح وإعلانه بين الناس لأنه يترتب عليه إهدار للحقوق وتعريض الأنساب للجحود". وتربط بعض المؤسسات الدينية الزواج العرفي بشروط مثل الإشهار ورضا الطرفين، ووجود شهود، وموافقة ولي الأمر.

وهي الشروط التي اتفق معها الشيخ علي المطيعي، من علماء الأزهر، في حواره مع DW عربية مؤكداً أن غيابها ينتج عنه زواج باطل وغير معترف به. وأضاف "عندما ينتج عن هذا الزواج المحرًم أطفال يكونوا أطفالا غير شرعيين ناتجين عن علاقات زنا ولا يحق لهم الحصول على حقوق وميراث". وأعرب عن مخاوفه من أنه إذا تم الاعتراف بهذا الزواج سيفتح المجال لانتشاره مع ظهور "مطالب أخرى محرًمة مثل المساكنة".

ورغم أن البعض يطالب المؤسسات الدينية بالإصلاح الديني وأن تكون أكثر مرونة في التعامل مع متطلبات العصر، إلا أن الشيخ المطيعي لا يعتبر تقبل الزواج العرفي إصلاحا دينيا، لأن "الإصلاح الديني يتحقق عبر مساعدة الشباب لتغيير أخلاقهم والتوعية بمخاطر هذا الزواج وليس تقنينه" على حد تعبيره.

الشيخ علي المطيعي، شيخ الأزهر الشريفصورة من: Ali El Moteai

غياب قانون موحًد للأحوال الشخصية

بلغ عدد عقود الزواج العرفي التي تم توثيقها بشكل رسمي إلى نحو 95 ألف، وهي لنساء لم يسبق لهن الزواج حسب بيانات إحصائية في عام 2022، وهذا العدد ليس قليلاً في ظل وجود حالات عديدة لا توثق هذا الزواج.

وأشادت عزة كامل، الكاتبة والناشطة المدافعة عن حقوق المرأة في حديثها مع DW بالأحكام القضائية التي تنصف حقوق المرأة رغم اعتراضها على فكرة الزواج العرفي لأنه يهدر حقوقها. وترى أن المشكلة تكمن في عدم اهتمام مؤسسات الدولة بما فيها البرلمان للتصدي لتلك المشكلات.

لذلك، تعتبر كامل أن الحل يكمن في صدور قانون للأحوال الشخصية مع تغيير القوانين الحالية التميزية، وفتح حوار مجتمعي للتعامل مع هذه الظاهرة، وإخضاع الأطفال نتاج هذا الزواج لتحليل "دي إن إي" (DNA) لإثبات نسبهم.

وترى كامل أن هذا الزواج متجذًر في ثقافة المجتمع المصري، وهناك عدة أسباب اقتصادية كرغبة السيدات في مواصلة الحصول على معاش من الحكومة بافضافة غلى الوضع الاقتصادي الذي يجعل من الزواج الرسمي أمراً في غاية الصعوبة في ظل ارتفاع تكاليف الزواج.

وصمة مجتمعية ممتدة

ولا تقتصر المشكلات الناتجة عن هذا الزواج في الشق القانوني فقط، بل أيضًا في البعد المجتمعي، إذ يُنظر إليه في الكثير من الأحيان على أنه زواج غير مكتمل مما يؤدي إلى مشاكل اجتماعية تؤثر على سمعة المرأة أو العائلة ككل.

الأمر الذي علًقت عليه هند فؤاد، أستاذة علم الاجتماع المساعد بالمركز القومي للبحوث في حوارها مع DW عربية بأن نظرة المجتمع تجاه الزواج العرفي مرتبطة بالعادات التي تنظر اليه بوصمة للزوجة وللأبناء الناتجين عنه، وهي نظرة لن تتغير بحكم قضائي مرتبط بقضية او حالات فردية. وأردفت فؤاد "تزداد تلك النظرة المجتمعية السلبية في الأرياف والمدن الصغيرة، لذلك نجد أبناء منسوبين للأجداد من جهة الأم أو للأخوال بسبب صعوبة إثبات نسبهم، ما يؤثر على حالتهم النفسية.

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار