آخر الأخبار

ترامب ولبنان: صراحة بلا تهديد صريح

شارك

اتجهت الأنظار بالأمس الى اللقاء الذي جمع في اميركا، الرئيس الأميركي دونالد ترامب وضيفه رئيس الوزراء ال إسرائيل ي بنيامين نتنياهو ، لمعرفة الصورة المرتقبة للشرق الأوسط والبلدان المعنية ومنها بطبيعة الحال: لبنان . قدّم ترامب إشارات واضحة حول مقاربته للملف اللبناني، تختلف جوهرياً عن أسلوبه الحاد تجاه حركة "حماس". وعلى الرغم من صراحته المعهودة وابتعاده عن اللغة الدبلوماسية الناعمة، إلا أنه لم يطلق التهديدات المباشرة نفسها التي وجهها إلى "حماس"، حين طالبها بنزع سلاحها خلال فترة مقبولة ومعقولة وإلا فتحت أبواب الجحيم عليها.

لم يتردد ترامب في وصف الحكومة اللبنانية بأنها "في موقف ضعيف نسبياً" أمام حزب الله ، مضيفاً أن الحزب "كان يتصرف بشكل سيئ". لكن عندما سُئل عما إذا كان يؤيد توجيه إسرائيل ضربة عسكرية جديدة للبنان، اكتفى بالقول "سننظر في ذلك"، وهي عبارة تحمل في طياتها إبقاء الباب مفتوحاً أمام الخيارات الدبلوماسية، على عكس لهجته الحازمة والقاطعة تجاه غزة و"حماس". هذا التمايز في الخطاب يشير إلى أن المسار الدبلوماسي في لبنان لم ينتهِ بعد في حسابات البيت الأبيض، وأن إدارة ترامب لا تزال تراهن على إمكانية التوصل إلى ترتيبات أمنية مع لبنان من دون اللجوء إلى الحل العسكري الشامل.

صحيح ان هناك من سيروّج بعد هذا الكلام، للحرب التي ستكون "على الأبواب"، فيما سيخرج آخرون للقول ان الدبلوماسية هي التي ستسود، ولكن النظرة الموضوعية والمعطيات الواردة من اكثر من مصدر تشير الى ان الخطوات اللبنانية الأخيرة تظهر جدية في التعاطي مع المطالب الأميركية والإسرائيلية. فقد أسرع لبنان إلى تعيين السفير السابق سيمون كرم لترؤس الوفد اللبناني في لجنة "المكيانيزم". هذه الخطوة، التي جاءت بعد ضغوط أميركية وتنسيق بين الرئيس العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام ، تظهر استعداد الحكومة اللبنانية للانخراط بجدية في العملية التفاوضية. والأهم من ذلك، أنه يوفر لإدارة ترامب مساراً قابلاً للتطوير نحو ترتيبات أمنية مستدامة، من دون الحاجة إلى عملية عسكرية واسعة النطاق قد تجر المنطقة إلى دوامة جديدة من العنف. في المقابل، تبقى إسرائيل محتفظة بأفضليتها في توجيه الضربات المتفرقة ضد حزب الله وعناصره، وهو ما يمارسه الإسرائيليون فعلياً منذ دخول وقف الاعمال العدائية حيز التنفيذ.

كما لا يجب اغفال الدور الأساسي الذي يلعبه السفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى في هذه المعادلة، خصوصاً وانه يتمتع بعلاقة وثيقة جداً بترامب وبفهم عميق للواقع اللبناني، وهذا ما جعله يتسلم الملف اللبناني وحصره فيه، وأظهر انفتاحاً ملحوظاً على المقاربة الرئاسية اللبنانية في التعاطي مع ملف حزب الله وسلاحه. هذا التوافق بين عيسى والمسؤولين اللبنانيين، لا سيما الرئيس عون، يُشكل عنصراً مهماً في تعزيز المسار الدبلوماسي. وحتى الآن، يبدو ان السفير الأميركي يفهم تعقيدات الداخل المحلية والإقليمية، ما يمكّنه من نقل صورة أكثر واقعية إلى واشنطن حول إمكانيات الحل الدبلوماسي وحدوده. وبالنظر إلى قربه من ترامب، يمكن لعيسى أن يؤثر على القرارات الأميركية بشأن لبنان، مرجحاً كفة الدبلوماسية على العمل العسكري، على الأقل في المدى المنظور.

يبدو واضحاً أن ترامب يعتمد مقاربة متمايزة بين غزة والجنوب اللبناني، وبين "حماس" وحزب الله، رغم أن هدفه واحد من الاثنين: نزع السلاح وتحييد التهديد على اسرائيل. ففي حين يتعامل مع حماس بلغة الإنذارات الحادة والمهل الضيقة، يترك الباب مفتوحاً نسبياً في لبنان أمام مسار تفاوضي يأخذ في الحسبان حراجة الحكومة اللبنانية، ويراهن على مساعدتها سياسياً لتولي المسؤولية. هذا التمايز في المقاربة لا يعني بالضرورة أن ترامب قد استبعد الخيار العسكري، بل لا شك انه يحتفظ به كورقة ضغط اخيرة. لكنه في الوقت نفسه يُظهر استعداداً لمنح المسار الدبلوماسي فرصة حقيقية، خاصة في ظل وجود سفير أميركي يحظى بثقته ويفهم الواقع اللبناني، وفي ظل استجابة لبنانية تبدو جادة في التعاطي مع المطالب الأميركية.

وبينما يواصل ترامب الحديث عن "ما سنراه" في لبنان، لا بد من تحقيق نتائج ملموسة على الصعيد الدبلوماسي يعطي لواشنطن وتل ابيب ما يريدان، ويجنّب البلد مواجهات امنية وعسكرية هو في غنى عنها.

النشرة المصدر: النشرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا