مع كل منخفض جوي قوي يضرب
لبنان ، تعود الثلوج لتغطي الجبال والمرتفعات، حاملةً معها مشهداً شتوياً جميلاً يخفي في طياته واقعاً معقّداً. فالثلج، الذي يُعدّ مصدر فرح للبعض، يتحوّل في الوقت نفسه إلى عبء ثقيل على آخرين، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وغياب البنى التحتية القادرة على التخفيف من حدّة العواصف. وبين هذا وذاك، يقف المزارعون على خط التماس بين الخسارة والفائدة، منتظرين ما سيحمله البياض من نتائج.
يقول توفيق اسماعيل مزارع في
سهل البقاع "إن للثلج وجهين متناقضين. فمن جهة، يسبّب الصقيع أضراراً مباشرة لبعض المحاصيل الحساسة، خصوصاً الخضار الشتوية والأشجار الصغيرة غير المحمية، ما يؤدي إلى خسائر مادية قد لا يتمكّن المزارع من تعويضها". ويضيف "كما أن تراكم الثلوج قد يعيق الوصول إلى الأراضي الزراعية، ويؤخر عمليات الريّ أو القطاف، فضلاً عن تأثيره السلبي على البيوت البلاستيكية التي قد تتضرر بفعل ثقل الثلج أو الرياح القوية".
في المقابل، يؤكد اسماعيل "أن للثلج فوائد لا يمكن إنكارها على المدى المتوسط والبعيد. فالثلوج تساهم في تغذية التربة بالمياه بشكل تدريجي، وتزيد من مخزون المياه الجوفية التي يعتمد عليها القطاع الزراعي خلال فصول الجفاف. كما يساعد الصقيع على
القضاء على عدد من الآفات والحشرات الزراعية، ما يخفف الحاجة إلى استخدام المبيدات الكيميائية في المواسم اللاحقة".
ويشير إلى "أن الثلج يلعب دوراً مهماً في تحسين بنية التربة، إذ يمنحها فترة راحة طبيعية بعد موسم زراعي طويل، ويعيد إليها التوازن الحراري والرطوبي. لذلك، يرى العديد من المزارعين في العواصف الثلجية عاملاً أساسياً لاستدامة الزراعة، شرط أن تكون ضمن معدلات طبيعية وغير مدمّرة".
في الخلاصة، يبقى الثلج في لبنان ظاهرة تحمل تناقضاتها الخاصة، فهو نقمة حين يكشف هشاشة الواقع المعيشي وضعف الاستعداد الرسمي، ونعمة حين يُنظر إليه بعين الأرض والمواسم المقبلة. وبين الخسارة الآنية والفائدة المؤجّلة، تبرز الحاجة إلى سياسات زراعية داعمة، وخطط وقائية تحمي المزارعين وتحوّل الثلج من خطر محتمل إلى مورد طبيعي مستدام.