مع دخول لبنان عتبة العام الجديد، يجد نفسه مجددا عند تقاطع استحقاقات كبرى لا تحتمل مزيدا من التأجيل أو المناورة. فالبلاد تقف أمام اختبار ثلاثي الأبعاد، تتداخل فيه العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية، تحت أنظار المجتمع الدولي وضغط المهل الداخلية. بين ملف السلاح الذي يتقدّم على الأجندة الإقليمية والدولية، ومسار الإصلاح المالي الذي يعد شرطا إلزاميا لأي دعم خارجي، والاستحقاق الانتخابي الذي يهدده ضيق الوقت والانقسام السياسي، تبدو المرحلة المقبلة حاسمة في رسم ملامح مستقبل الدولة وقدرتها على استعادة الحد الأدنى من الاستقرار والثقة.
وفيما يترقب لبنان نتائج اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي
دونالد ترامب ورئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يتقدّم ملف سلاح "
حزب الله " إلى واجهة الاهتمام الدولي، باعتباره بندًا أساسيًا على جدول البحث. وتتركّز الأنظار على الخطوة
اللبنانية المنتظَرة مطلع العام الجديد، والمتصلة ببدء تفكيك السلاح شمال نهر الليطاني، والتي تُعد شرطًا أميركيًا لاحتواء أي تصعيد إسرائيلي واسع وتأجيله في المرحلة الراهنة.
وفي هذا الإطار، تفيد معطيات دبلوماسية بأن نافذة تفاوض ما تزال مفتوحة أمام لبنان، تتيح له معالجة هذا الملف عبر لجنة "الميكانيزم" ومن خلال قنوات التنسيق القائمة، بما يجنّب المنطقة الانزلاق إلى تصعيد كبير شبيه بالمواجهات السابقة.
ميدانيا، وضمن آلية التعاون المعتمدة لمعالجة البلاغات والشبهات الأمنية، نُفّذ كشف مشترك من قبل الجيش وقوات اليونيفيل في بلدة بيت ياحون، شمل تفتيش منزل جرى الاشتباه باحتوائه على سلاح. وجاء هذا الإجراء بناءً على طلب لجنة "الميكانيزم"، ووفق مسار محدّد يبدأ بإحالة المعلومات أو الشكاوى، ثم تحديد نقاط الاشتباه، وصولًا إلى التحقق الميداني بالتنسيق مع الجيش وبمواكبة اليونيفيل عند الحاجة، بهدف التثبّت من الوقائع وطمأنة الأهالي.
وفي هذا السياق، أكدت بلدية بيت ياحون أنها واكبت عملية الكشف بناءً على تواصل من الجيش ، مشددة أمام الرأي العام على أن المنزل المعني خالٍ من أي أسلحة، في خطوة هدفت إلى تبديد الالتباسات ومنع أي توتر محلي.
على خطّ موازٍ، برز الموقف الفرنسي الذي أدان إطلاق النار الذي نفّذه الجيش الإسرائيلي قرب دوريات «اليونيفيل»، داعيًا إلى وقف الانتهاكات المتكررة لقرار مجلس الأمن الرقم 1701، وإلى الالتزام بوقف إطلاق النار الصادر في 26 تشرين الثاني 2024. كما شددت باريس على ضرورة ضمان حماية قوات حفظ السلام وسلامة أفراد
الأمم المتحدة وممتلكاتها ومقارها، وفقًا للقانون الدولي، مثنية في الوقت نفسه على مهنية وشجاعة عناصر «اليونيفيل» ومؤكدة دعمها الكامل لتنفيذ ولايتهم.
إقليميا، جدّد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التأكيد على ثبات موقف بلاده في دعم لبنان ومساندته في مختلف المحطات، في ظل ما يواجهه من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية.
أما على الصعيد الإصلاحي، فتتجه الأنظار إلى تحرّك فرنسي مرتقب بعد بداية العام الجديد، في إطار استكمال الجهود الرامية إلى إقرار "قانون الفجوة المالية"، الذي يشكّل أحد المفاتيح الأساسية لمعالجة الأزمة الاقتصادية. وفي هذا السياق، شدد رئيس الحكومة نواف سلام على أن إقرار
مجلس الوزراء لمشروع هذا القانون يمثّل مدخلًا فعليًا للإنقاذ والإصلاح، ويأتي ضمن مقاربة شفافة تهدف إلى استعادة حقوق المودعين بعد سنوات من الانتظار، معتبرًا أن الكرة باتت اليوم في ملعب مجلس النواب، مع احترام مختلف الآراء المطروحة.
إلى ذلك، يتوقع أن يتصدّر ملف الانتخابات النيابية جدول أعمال أول جلسة لمجلس الوزراء بعد رأس السنة، حيث سيضع
وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار الحكومة أمام واقع ضيق المهل، محذرا من تعذّر إجراء الاستحقاق في أيار المقبل ما لم يُحسَم قانون الانتخاب الذي ستجرى على أساسه العملية الانتخابية. وفي حال استمرار المراوحة، سيطرح خيار التمديد التقني للمهل حتى تموز.