آخر الأخبار

تصويب بوصلة العلاقات اللبنانية – الإيرانية لا يعني عدائيةً

شارك
على رغم نفي أكثر من مسؤول إيراني التدّخل في الشأن اللبناني الداخلي فإن موقف وزير الخارجية يوسف رجي برفضه تلبية دعوة نظيره الإيراني عباس عراقجي لزيارة طهران واستعداده للقائه خارج الحدود الإيرانية أعاد إلى دائرة الضوء العلاقات اللبنانية – الإيرانية غير السوية، والتي تدخل في مرحلة دقيقة للغاية.
ويأتي الحديث عن ضرورة تنقية العلاقات بين بيروت وطهران من كل الشوائب ليعيدنا بالذاكرة إلى السجال الذي أثاره رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف بتصريحاته عن استعداد طهران للتفاوض مع الولايات المتحدة حول لبنان ، فجاء موقف الرئيس نجيب ميقاتي يوم كان رئيسًا لحكومة تصريف الأعمال حازمًا وواضحًا، ومعبّرًا عن الحدّ الأدنى من الإجماع الوطني.
فقد شدّد الرئيس ميقاتي يومها على أن لبنان ليس ورقة تفاوض ولا صندوق بريد بين الدول، رافضًا بشكل قاطع أي حديث عن إدراجه في بازار المفاوضات الإقليمية أو الدولية. وأكّد أن القرار اللبناني شأن سيادي بحت، يُتخذ حصراً من قبل الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية، وليس من حق أي جهة خارجية، مهما كان حجمها أو موقعها، أن تتحدث باسم اللبنانيين أو تقايض على مستقبلهم.
كما لفت ميقاتي إلى أن لبنان، الذي يعاني أزمات غير مسبوقة، يرفض أن يكون ساحة أو أداة في صراعات الآخرين، داعيًا إلى احترام سيادته واستقلال قراره الوطني، وإلى التعاطي معه كدولة ذات سيادة كاملة لا كملف ملحق بتفاهمات إقليمية.
وجاء هذا الموقف في حينه بمثابة رسالة مزدوجة إلى الخارج بأن لبنان ليس مطروحًا على طاولة المقايضات، وإلى الداخل بأن الحدّ الأدنى من حماية السيادة يبدأ برفض الوصاية السياسية مهما كان مصدرها.
فموقف الرئيس ميقاتي في حينه يُعتبر محطة مفصلية لإعادة فتح ملف العلاقة اللبنانية – الإيرانية من زاوية مختلفة، وهي أن لبنان ليس ساحة، وأن السيادة اللبنانية لن تكون عبر المحاور. وهذا الموقف من شأنه أن يعيد رسم سياسة خارجية واضحة في ما يتعلق بالالتباس التاريخي بين بيروت وطهران في سلسلة من العلاقات غير المتكافئة.
تاريخيًا، لم تكن العلاقة اللبنانية – الإيرانية علاقة بين دولتين بالمفهوم الكلاسيكي المتكافئ. فمنذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، دخل لبنان تدريجيًا في الحسابات الاستراتيجية لطهران، لا عبر القنوات الديبلوماسية التقليدية، بل من خلال الاستثمار السياسي – العسكري في الساحة اللبنانية، وخصوصًا بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
وعلى مدى عقود، بقي الحضور الإيراني في لبنان مرتبطًا أكثر بمحور المقاومة وبـ " حزب الله " تحديدًا، فيما ظلّ التواصل الرسمي بين الدولتين محدودًا أو خاضعًا لاعتبارات إقليمية أوسع. وفي مراحل معينة، وخصوصًا بعد اتفاق الطائف، بدا أن الدولة اللبنانية تغضّ الطرف عن هذا الخلل في التوازن، إما عجزًا أو مسايرة للوقائع المفروضة.
غير أن الإشكالية الأساسية لم تكن يومًا في وجود علاقات ديبلوماسية بين بيروت وطهران، بل في طبيعة هذه العلاقات. فهل هي علاقة دولة بدولة، أم علاقة نفوذ بدولة هشّة؟
في هذا السياق، قُرأ موقف الرئيس ميقاتي في حينه على أنه محاولة لكسر نمط تاريخي قوامه الصمت أو المواربة. فرفض زيارة وزير الخارجية زيارة طهران لم يكن خطوة عدائية، بل رسالة سياسية واضحة مفادها أن لبنان يرفض أن يُستدرج مجددًا إلى لعبة المحاور، أو أن يُستخدم كورقة تحسين شروط في مفاوضات لا ناقة له فيها ولا جمل.
والأهم، أن هذا الرفض أتى في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، حيث تتقاطع ملفات غزة، وجنوب لبنان، وسوريا، والملف النووي الإيراني، ما يجعل أي حركة ديبلوماسية غير محسوبة قابلة للتفسير على أنها تموضع سياسي لا زيارة بروتوكولية.
الرسالة التي خرجت من بعبدا والسراي ووزارة الخارجية لا تقول بقطع العلاقة مع إيران، بل بإعادة تعريفها، وهي علاقة يُفترض أن تقوم على احترام السيادة اللبنانية،
وعدم التحدث باسم لبنان أو التفاوض عنه، والتعامل معه كدولة لا كساحة نفوذ.
وهي رسالة، وإن جاءت متأخرة، إلا أنها تعكس تحوّلًا في مقاربة جزء من الدولة اللبنانية، التي يبدو أنها أدركت أن الحياد في زمن الانفجارات الإقليمية لا يكون بالصمت، بل بتسمية الأشياء بأسمائها.
في الخلاصة، ما بين موقف ميقاتي وقرار رجّي، ثمّة محاولة خجولة، ولكن ضرورية لاستعادة منطق الدولة في السياسة الخارجية. محاولة قد لا تغيّر موازين القوى، لكنها على الأقل تعيد رسم الخط الديبلوماسي الأحمر. فلبنان ليس ملفًا إيرانيًا، ولا بندًا تفاوضيًا، بل دولة تبحث عن خلاصها خارج صراعات الآخرين. ولكن الفرق بين الموقفين أن الأول انطلق من مقاربته للموضوع من خلفية سياسية لتصويب مسار العلاقات. أمّا خلفية الثاني فيرجّح أن تكون منطلقاتها عدائية لدولة لم يقرّر لبنان قطع علاقته بها، وإن كان يشوبها بعض الالتباس.
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا