في مدينة جبيل ، مهد الحضارة الفينيقية وأحد أقدم المرافئ في تاريخ البحر المتوسط ، تستعد مبادرة ثقافية وسياحية جديدة لأن ترى النور، حاملةً معها مقاربة معاصرة لسرد التاريخ اللبناني. مشروع "الرحلة الكبرى للفينيقيين" ليس مجرد عرض فني أو معرض تقليدي، بل تجربة غامرة تمزج بين الفن والثقافة والتكنولوجيا، وتطمح إلى إعادة إحياء الذاكرة البحرية للبنان بأسلوب يواكب العصر ويخاطب الأجيال الجديدة.
المشروع، الذي أُنشئ وأُنتج من قبل شركة Hybrid Xperience بالتعاون مع بلدية جبيل وتحت رعاية وزارة السياحة ، يعتمد على تقنيات الإسقاط الرقمي والصوت والسرد القصصي، ليحوّل التاريخ إلى تجربة حسية متكاملة. فبدلاً من الاكتفاء بالكتب أو اللوحات الجامدة، يُدعى الزائر إلى خوض رحلة متعددة الحواس عبر القرون، تستعرض براعة الفينيقيين، شبكاتهم التجارية، وانتشارهم الثقافي الواسع في حوض البحر الأبيض المتوسط .
وقد أُعلن عن إطلاق المشروع خلال مؤتمر صحافي عُقد في بلدية جبيل، بحضور وزيرة السياحة لورا لحود ورئيس البلدية جوزف الشامي، في وقت يبحث فيه لبنان عن سبل جديدة لإعادة تنشيط القطاع السياحي، بعيداً عن النماذج التقليدية التي لم تعد كافية لجذب الزوار في ظل المنافسة الإقليمية والعالمية.
بحسب المنظمين، لا يقتصر هدف "الرحلة الكبرى للفينيقيين" على تقديم محتوى تاريخي، بل يسعى إلى تعزيز الشعور بالفخر الوطني، وتسليط الضوء على قدرة لبنان على إنتاج مشاريع ثقافية مبتكرة ذات بعد عالمي. فالفينيقيون، الذين انطلقوا من شواطئ هذا البلد الصغير، أسسوا واحدة من أوسع شبكات التبادل التجاري والثقافي في العالم القديم، وتركوا إرثاً لا يزال حاضراً في الأبجدية والملاحة والفنون.
في هذا السياق، يوضح روي قزي، مؤسس ومدير الإبداع في Hybrid Xperience ، أن المشروع "لا يتحدث فقط عن الماضي، بل يعكس رؤية للمستقبل". فبحسب قوله، يُظهر هذا العمل كيف يمكن للبنان أن يكون رائداً في مجال الابتكار الثقافي، عبر تقديم تجارب تجمع بين التاريخ والفن والتكنولوجيا بلغة عالمية يفهمها الجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية.
أهمية هذا المشروع تكمن أيضاً في موقعه. فجبيل، المدرجة على لائحة التراث العالمي، تشكل بيئة مثالية لاحتضان تجربة كهذه، حيث يلتقي التاريخ العريق مع التقنيات الحديثة، في حوار بصري وسمعي يعيد تعريف العلاقة بين الزائر والمكان. ومن شأن هذا النوع من المبادرات أن يطيل مدة إقامة السياح، ويجذب فئات جديدة من الزوار المهتمين بالتجارب الثقافية التفاعلية.
ومن المقرر أن يبصر هذا المعرض النور في ربيع عام 2026، ليكون محطة ثقافية وسياحية بارزة، وربما نموذجاً يُحتذى به في مدن لبنانية أخرى.
في بلد غني بتاريخه لكنه مثقل بتحدياته، تبرز مثل هذه المشاريع كرسالة أمل، تؤكد أن الاستثمار في الثقافة والإبداع قد يكون أحد مفاتيح النهوض وإعادة وصل لبنان بالعالم.
المصدر:
لبنان ٢٤