مع انتهاء زيارة
البابا لاوون الرابع عشر إلى
بيروت ، وما حملته من رسائل روحية وسياسية في آن، يدخل المشهد اللبناني مرحلة أكثر حساسية، خصوصًا مع اقتراب انتهاء المهلة الأميركية التي طُرحت كإطار زمني غير معلَن للبحث في ملف سلاح
حزب الله . هذا التقاطع بين الحدثين أعاد توجيه الأنظار مجددًا نحو احتمال حصول تصعيد إسرائيلي، إذ يرى متابعون أن الفترة المقبلة قد تكون اختبارًا لمدى قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على منع انزلاق الأمور نحو مواجهة واسعة.
وبحسب مصادر مطلعة على جوّ الاتصالات، فإن عودة مصر إلى لعب دور الوسيط ليست تفصيلاً عابرًا، بل خطوة تعبّر عن رغبة واضحة في احتواء التوتر. فالقاهرة تملك خبرة طويلة في التعامل مع الملفين اللبناني والفلسطيني، ولديها شبكة تواصل تسمح لها بفهم طريقة تفكير صانعي القرار في
تل أبيب . إلا أن هذه المصادر نفسها تؤكد أن رغبة مصر في التهدئة لا تعني بالضرورة أن
إسرائيل ستتجاوب، لأن الأخيرة — إذا وصلت إلى قرار نهائي بضرب حزب الله — لن تنتظر أحدًا، ولن تمنح الوقت لأي مسعى وساطة، بل ستذهب مباشرة إلى التنفيذ، تمامًا كما فعلت في محطات سابقة حين رأت أن الظروف تخدمها.
في المقابل، تبرز أهمية جولة مورغان اورتاغوس ، التي لا يمكن النظر إليها كتحرّك إعلامي أو بروتوكولي فقط. فالمعلومات التي ترد إلى دوائر سياسية في بيروت تشير إلى أن الزيارة تحمل طابعًا تقويميًا: أي أنها مخصّصة لفهم الوضع على الأرض، وقياس ردود الفعل المحتملة، وبناء تصور يسمح لواشنطن بتحديد ما إذا كان التصعيد يخدم مصالحها أو يضرّ بها. وبالتالي، قد تلعب هذه الجولة دورًا في فرملة أي اندفاعة إسرائيلية نحو ضربة واسعة، أو على الأقل في تأجيلها ريثما تتضح الصورة أكثر.
لكن النقطة الأكثر حساسية التي تكشفها المصادر شديدة الاطلاع، هي أن إسرائيل نفسها لم تحسم خياراتها بعد. فالنقاش داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية لا يزال مفتوحًا بشأن جدوى تغيير قواعد اللعبة الحالية. البعض يرى أن الاستمرار بالضربات المحدودة والعمليات المتقطعة كافٍ لإبقاء الضغط على حزب الله من دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة. في المقابل، هناك أصوات تدفع نحو رفع مستوى العمليات أو حتى فتح الباب أمام حرب واسعة إذا اعتُبر أن الظروف الدولية والإقليمية تسمح بذلك.
هذا التخبط الداخلي يُظهر أن كل ما يُحكى في الإعلام من سيناريوهات جاهزة، وكل موجات التهويل التي تُنشر بشكل يومي، تفتقد إلى الدقة ولا تعكس حقيقة ما يجري خلف الأبواب المغلقة. فالقرارات الكبرى لم تُتخذ بعد، والتوازنات لا تزال قيد
النقاش ، وملف التصعيد — بكل ثقله — ما زال معلّقًا على خيط المداولات وليس على ساعة العدّ التنازلي.