آخر الأخبار

بين الضغوط والتهويل.. هل يصبح سحب سلاح حزب الله أمرًا واقعًا؟

شارك
مع مرور عام على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي لم ينتج عنه عمليًا سوى انكفاء " حزب الله "، الذي وجد نفسه للمرة الأولى واقفًا "خلف الدولة"، وليس أمامها، في المواجهة مع العدو الإسرائيلي ، بات واضحًا أنّ إسرائيل التي فصّلت تلك الهدنة التي يصحّ وصفها بـ"الهشّة"، على مقاسها، حين شرّعت لنفسها ما وصفته بـ"حرية الحركة" لإزالة "أي تهديد"، لن تتوقف قبل أن تقضي فعلاً على "عنصر التهديد"، أي سلاح "حزب الله".

فها هو الجنوب بعد عامٍ من اتفاق كان يفترض أن يرسي وقفًا لإطلاق النار، يعود بموجبه السكان إلى قراهم بسلام وأمان، يعود إلى صدارة المشهد، على وقع التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة بتوسيع نطاق المعركة، ولكن أيضًا على وقع الترجمات الميدانية، مع تسجيل سلسلة غارات عنيفة استهدفت قرى وبلدات عدّة، بالتوازي مع حديث الإعلام العبري عن "حتمية الحرب" إذا لم يتمّ تنفيذ القرار 1701، وفق الشروط والمعايير الإسرائيلية.

وها هي الدبلوماسية تتحرك من بعد عام على إرساء هدنة، من أجل محاولة تثبيت هدنة جديدة، تقوم هذه المرّة على مبدأ سحب سلاح "حزب الله"، مع تسجيل "تقاطع" بين الجانبين المصري والأميركي في الحديث عن "مهلة" لإنجاز هذا الملف، تمتدّ حتى نهاية العام فقط، قد لا يبقى بعدها "لجم إسرائيل" ممكنًا، وهو ما تلقفه رئيس الحكومة نواف سلام بخطاب هاجم فيه "سردية" الحزب حول سلاحه الذي "لم يردع العدو ولا نصر غزة"، على حدّ قوله، فهل يقترب هذا الملف من لحظة مفصلية، قد تكون حاسمة في سياق الصراع ككلّ؟

ضغط خارجي متعدّد الجبهات

هكذا إذًا، تتسارع التطورات على خط الجبهة اللبنانية ، وتتسارع معها الاتصالات والوساطات في محاولة لتفادي الحرب التي يعتبرها الإسرائيليون حتمية. يبرز في هذا الإطار الحراك المصري تحديدًا، خصوصًا بعد زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي التي تجمع الأوساط السياسية على أنها غير عادية، وأنّ الرجل حمل معها رسالة تحذير عالية السقف تدعو إلى تطبيق "حصرية السلاح" من أجل منع إسرائيل من توسيع الحرب.

في خلفية المشهد، تظهر الولايات المتحدة ، التي "احتكرت" الوساطات خلال الأشهر الماضية، إذ تشير المعلومات إلى أنّ الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس تستعدّ بدورها لزيارة بيروت ، بعد الكثير من التأجيل والمماطلة، ووسط تسريبات عن أنّ مهمتها تتصل بآلية نزع السلاح جنوب الليطاني، خصوصًا في الإعلام الإسرائيلي عن "مهلة" أعطتها واشنطن لبيروت لنزع سلاح "حزب الله" من جنوب الليطاني وشماله، تمتدّ حتى نهاية العام.

وحتى لو تعاملت السلطات الرسمية اللبنانية مع هذه المهلة على أنّها جزء من أدوات الضغط أكثر مما هي إنذار رسمي، إلا أنها في نهاية المطاف تعكس مزاجًا أميركيًا يميل إلى التشدّد، كما أنها تُستخدَم إسرائيليًا لتبرير رفع سقف التهديد بالعملية العسكرية إذا لم يتحقّق المطلوب دبلوماسيًا. ولعلّ الانتهاكات الإسرائيلية هذا الأسبوع تندرج في هذا السياق تحديدًا، حيث ترسل تل أبيب من خلالها رسالة واضحة مفادها أنها تملك "الغطاء" الأميركي والدولي للتحرك.

"رسائل" لبنان الرسمي إلى الغرب

وسط هذا الكمّ من الضغوط الخارجية المتصاعدة، يخرج رئيس الحكومة نواف سلام بخطاب لافت من موقعه، إذ يهاجم مباشرة "سردية حزب الله" عن السلاح، ويقول إن هذا السلاح "لم يردع العدو، ولم يحمِ قادة الحزب ولا اللبنانيين وممتلكاتهم، ولا نصر غزّة"، في إشارة واضحة إلى أنّ الشرعية السياسية والأخلاقية التي استند إليها الحزب لعقود باتت موضع تشكيك من رأس السلطة التنفيذية، بالنظر إلى الظروف التي تغيّرت في هذه المرحلة.

وإذا كان سلام أعاد بهذا الكلام فتح النقاش القديم الجديد حول جدوى السلاح، من موقع السلطة، وليس من موقع خصم سياسي تقليدي للحزب، فإنّ خطابه "الحاد" تجاه الحزب قد يكون بحدّ ذاته "رسالة" إلى المجتمع الدولي، تكمّلها الرسالة التي وجّهها رئيس الجمهورية، الذي جدّد التذكير بأنّ لبنان قدّم مبادرات متعدّدة لتثبيت الاستقرار في الجنوب، وأنّه لم يتلقَّ حتى الآن أي رد فعل عليها، إلا إذا كانت الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية هي الردّ.

بكلام آخر، يحاول لبنان الرسمي "طمأنة" الغرب إلى أنّ لبنان ليس هو من يشوّش على اتفاق وقف إطلاق النار، ولا على مبدأ "حصر السلاح" الذي أقرّته الحكومة، بل إسرائيل التي تواصل احتلال نقاط لبنانية استراتيجية مهمة، وتستكمل اعتداءاتها بوتيرة يومية. لكن هل يعني ذلك أنّ "حزب الله" قد يذهب إلى حد التجاوب مع المسار المطروح؟ لا تدلّ المؤشرات على ذلك، إذ يرفض الحزب الدخول في أي نقاش عملي حول أي ملف قبل تطبيق إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار.

بين التهويل الإسرائيلي المتزايد بالحرب، مدعومًا برسائل الضغط الأميركية، وسقف "حزب الله" المرتفع، يحاول الخطاب الرسمي طمأنة الغرب من جهة، وتبديد هواجس الحزب من جهة أخرى، إلا أنّ مشكلته تبقى بغياب خارطة طريق داخلية تنتج تفاهمًا واقعيًا مع الحزب، يؤجّله الأخير إلى ما بعد الحرب التي لا يمكن لأحد التكهّن بنتائجها، فيبقى الثابت الوحيد أنّ الجنوب معلّق على حافة هدنة لا تُشبه السلام ولا تشبه الحرب الكاملة.
فهل تتحوّل لحظة الضغط الراهنة إلى فرصة لإعادة صياغة علاقة الدولة بسلاح حزب الله، أم إلى ذريعة إضافية لدفع لبنان نحو مواجهة جديدة يُراد له أن يدخلها وهو أكثر انقسامًا وضعفًا من أيّ وقت مضى؟
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا