شهدت السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا لفنّ الوشم في العالم العربي عمومًا ولبنان خصوصًا، حيث بات كثيرون يرونه مساحة حرّة للتعبير عن الذات أو رمزًا لذكرى خاصة. غير أنّ هذا الفنّ الذي بدا لسنوات طويلة مجرّد خيار
جمالي ، بدأ يدخل اليوم دائرة التساؤلات العلمية، خصوصًا بعد دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة لوند السويدية، كشفت عن احتمال ارتباط الوشم بزيادة خطر الإصابة بسرطان الجلد، وبخاصة الميلانوما.
تأتي هذه الدراسة في سياق سلسلة أبحاث تزداد عامًا بعد عام، تسعى إلى تحليل تأثير أحبار الوشم في الجسم. ففي العام الماضي، نُشرت دراسة أخرى من الجهة نفسها، أشارت إلى احتمال علاقة بين الوشم وسرطان الغدد الليمفاوية. ومع توالي هذه النتائج، يُطرح سؤال جوهري: هل ما نرسمه على أجسادنا قد يترك أثرًا أبعد ممّا يظهر على الجلد؟
اعتمد باحثو جامعة لوند على تحليل بيانات آلاف المرضى الذين شُخّصوا بسرطان الجلد في الفئة العمرية بين العشرين والستين. وأظهرت النتائج أنّ 22٪ من المصابين بالميلانوما كانوا من أصحاب الوشم، مقابل 20٪ في المجموعة غير المصابة. وبعد ضبط المتغيّرات المختلفة، مثل نمط التعرض للشمس، والعوامل الوراثية، ونمط الحياة توصّل الباحثون إلى أنّ الأشخاص الذين يحملون وشمًا تزداد لديهم احتمالات الإصابة بسرطان الجلد بنسبة تقارب 29٪ مقارنة بغيرهم.
ويرى العلماء أنّ بعض الأحبار تتغيّر وتُنتج مواد غير صحية عندما تتعرض للشمس أو الليزر ، وتنتج مواد كيميائية سبق أن أُثير حولها الكثير من الجدل بسبب خصائصها المسرطنة. كما بيّنت الدراسات أنّ جزيئات الحبر تنتقل تدريجيًا عبر الجهاز اللمفاوي إلى الغدد الليمفاوية، ممّا يثير تساؤلات حول تأثيرها التراكمي طويل الأمد.
في
لبنان ، يصعب الحصول على أرقام رسمية دقيقة حول نسبة انتشار الوشم، غير أنّ المؤشرات الاجتماعية تُظهر أنّ الظاهرة واسعة، خصوصًا بين الفئات العمرية الشابة. وفي ظل وجود مئات الصالونات غير الخاضعة لرقابة صحية صارمة، يصبح التنبّه لجودة الحبر ومصدره أمرًا بالغ الأهمية.
وإذا قارنا لبنان بالعالم، نجد أنّ نسب انتشار الوشم عالميًا تتراوح بين 25٪ إلى 30٪ في
أوروبا وأميركا، بينما تقدّر مؤسسات بحثية أنّ النسبة بين الشباب في المنطقة العربية قد تتراوح تقديريًا بين 10٪ و20٪ وهي نسبة تزداد سنويًا مع انتشار الثقافة البصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويمكن تلخيص أبرز أربع نقاط ينبغي أن ينتبه لها كل من يحمل وشمًا أو يفكر في رسمه:
. نوع الحبر عامل حاسم: مشكلة الوشم ليست في العملية نفسها بقدر ما هي في تركيبة الحبر، إذ تحتوي بعض الأنواع على معادن ثقيلة، وصبغات عضوية قد تتحلّل إلى مواد خطرة عند ملامستها الشمس.
. نظافة المكان لا تقل أهمية: كثيرًا من الصالونات تعمل دون معايير واضحة للتعقيم، ما قد يعرّض الجلد للالتهاب أو العدوى البكتيرية والفيروسية.
. التفاعل مع الشمس خطر إضافي: التعرض المكثف للأشعة فوق البنفسجية قد يزيد فرصة تحلل الحبر في الجلد، وبالتالي تعزيز خطر حدوث أمراض أو تغيّرات خلوية غير طبيعية.
. ضرورة المتابعة الطبية الدورية: يجب على كلّ شخص يحمل وشمًا على مراقبة بشرته بدقة، ومراجعة الطبيب عند ظهور أي تغيّر في لون الجلد، أو بقعة جديدة، أو نمو غير طبيعي.
لا تهدف هذه الدراسات إلى بثّ الذعر، لكنّها تفتح بابًا واسعًا أمام التفكّر. فالوشم مهما بدا بسيطًا هو إدخال مواد غريبة إلى الجسم تظلّ مستقرة فيه لسنوات طويلة. وقد يكون معظم الناس محظوظين ولا يعانون أي مضاعفات، لكنّ الأبحاث الحالية تؤكد أنّ الحذر واجب، والمراقبة ضرورة.
لذلك، من يرغب في وشمٍ جديد، يُستحسن أن يُجري بحثًا شاملًا قبل الإقدام على القرار. فبين
التعبير عن الذات والحفاظ على الصحة مساحة دقيقة، تستحقّ أن تُؤخذ بجدية كاملة.