كتب الصحافي ماريو نوفل عبر حسابه على منصة "أكس":
"بحسب مصادر متعدّدة وموثوقة في وزارة الخارجية الأميركية، فإنّ مقوّمات الحفاظ على حالة الجمود البطيئة في لبنان تتلاشى سريعاً، فيما تزداد القناعة داخل الدوائر الأميركية بأنّ إسرائيل تتجه للحصول على دعم واسع لشنّ حملة قصف محدودة ولكن شديدة ضد ما تبقّى من القدرات العسكرية لـ" حزب الله ".
وفي الأسابيع المقبلة، وبعد وقت قصير من زيارة البابا، من المتوقع أن ترتفع وتيرة الغارات الجوية بما لا يقل عن عشرة أضعاف .
ما يعقّد المشهد هو معلومات استخباراتية حديثة تؤكّد أنّ "حزب الله " نجح في تعطيل عمليات التفتيش ونزع السلاح، وسجّل تقدّماً مقلقاً في إعادة بناء مخازنه وترسانته، خصوصاً في مجال الطائرات المسيّرة الرخيصة والفعّالة .
ورغم التحذيرات المتكرّرة، تمّ تجاهل المخاوف الإسرائيلية إلى حدّ كبير… حتى الآن .
الإجماع في واشنطن هو أنّه لم يعد بالإمكان ردع إسرائيل عن شنّ حملة عسكرية تهدف إلى القضاء على التقدّم الأخير الذي حققه "حزب الله". لقد نفد صبر واشنطن رسميًا.
الغضب الأميركي سببه أنّ القيادة اللبنانية – باستثناء رئيس الحكومة نواف سلام – لم تُظهر فهماً لحجم الخطر، ولم تتعامل مع المعلومات الاستخباراتية حول إعادة تسلّح حزب الله بالجدّية أو السرعة المطلوبة أميركياً .
والسخرية المريرة هي أنّ الشرق الأوسط اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق سلام فعلي .
فقد نجح جاريد كوشنر بشكل مفاجئ في جمع الولايات المتحدة وقطر والإمارات والسعودية وتركيا لدفع "اتفاقات أبراهام" نحو توسعة غير مسبوقة.
وقد عُرض على لبنان "صفقة العمر": دعم غير محدود للجيش والرئاسة، حزم إعادة إعمار ضخمة، وحلول للأزمة المصرفية والفساد .
كل ما يُطلب من لبنان هو الدخول في مفاوضات مباشرة ومقصودة مع الإسرائيليين .
إنها أفضل فرصة يحصل عليها لبنان على الإطلاق، أفضل حتى من مفاوضات حقول الغاز التي صبّت لمصلحة إسرائيل بشكل كبير .
لكن مجموعتين متطرفتين تحرقان كل شيء :
1. إيران التي تستخدم الفوضى للحفاظ على نفوذها، وتضغط على "حزب الله" وعلى قوى لبنانية لرفض أي تفاوض مع إسرائيل، رغم أن القبول سيجعل لبنان مزدهراً .
إيران لا تريد حلاً، بل حرباً دائمة تُبقي نفوذها قائماً .
2. وزراء اليمين المتطرف في إسرائيل – سموتريتش وبن غفير – يمسكون برقبة نتنياهو ويمنعونه من أي تسوية .
قبل يومين، دخل نتنياهو إلى جنوب سوريا دون دعوة، متصرفاً وكأنه يملك المكان، في خطوة استفزازية بينما يحاول كوشنر الحفاظ على التوازنات الهشّة .
في المقابل، يظهر زعيم سوريا الجديد شَرَعَة انضباطاً وتقدماً لافتين، رافضاً التصعيد رغم الانتهاكات الإسرائيلية. وهو ملتزم أمام ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي أردوغان ببدء صفحة جديدة والانفتاح والبحث عن السلام بأي ثمن، بما يشمل محادثات مباشرة مع نتنياهو .
لكن ماذا ينال بالمقابل؟ إهانة كاملة من جماعة الحرب الدائمة في إسرائيل .
سوريا اليوم ملتزمة بأن تكون شريكاً مسالماً في أي إطار سلام إقليمي. وبالتزامن، تدفع الولايات المتحدة وفرنسا ودول الخليج والأمم المتحدة لبنان بقوة نحو مفاوضات مباشرة مع إسرائيل .
غالبية اللبنانيين، انطلاقاً من مصالحهم الاقتصادية ورغبتهم في الاستقرار، تؤيد ذلك .
حتى جزء من الشيعة صار يشكّل "كتلة صامتة" داعمة لخيار السلام. لكن إيران تعرقل كل خطوة .
أما المفارقة القاسية فهي أنّ كوشنر، عبر مبعوثَيه ستيف ويتكوف وتوماس باراك، نجح في تقريب القطريين والسعوديين والإسرائيليين المعتدلين والفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى.
هناك إطار حقيقي لحلّ الدولتين .
لكن الأقلية الإسرائيلية الرافضة لقيام دولة فلسطينية، وإصرار إيران على صراع لا ينتهي، يدمّران كل شيء .
والآن، تستعد إسرائيل لتصعيد عسكري هائل في لبنان، ما قد يطيح شهوراً من الجهود الدبلوماسية الدقيقة .
لا شيء يعبّر عن "نوايا السلام" مثل الاستعداد لقصف الجار بعنف… بالتزامن مع قطع كل قنوات التواصل الدبلوماسي".
المصدر:
الجديد