ازدادت في الاونة الاخيرة نسبة الحوادث في سجن رومية، من الانتحار الى الوفاة نتيجة تراجع الخدمات الطبية، ما اعاد هذا الملف الى الواجهة، حيث باتت تُشكّل السجون في
لبنان واحدة من أكثر الملفات إلحاحًا في الدولة، بعدما تحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى قنابل اجتماعية وصحية وأمنية موقوتة، نتيجة الاكتظاظ الكارثي، وتدهور البنى التحتية، وتعثر النظام القضائي.
ومع أن مشكلة السجون ليست جديدة، إلا أن تحوّلها إلى عبء وطني يتطلّب "خطة طوارئ" بات اليوم مطلبًا لا يحتمل التأجيل،
يبلغ عدد السجون في لبنان 25 سجنًا إضافة إلى 229 نظارة موزّعة على مختلف المناطق. وتشير آخر البيانات المحدثة لدى نقابة المحامين حتى 26 أيلول 2025 إلى وجود نحو 8845 سجينًا، بينهم 6132 في السجون المركزية و2713 في النظارات. أما نسبة الموقوفين غير المحكومين فتصدم بواقع مرير اذا ان 83% من السجناء خلف القضبان من دون محاكمة بعد، على ما يؤكد مسؤول لجنة السجون في نقابة المحامين في
بيروت ، الأستاذ
جوزف عيد في حديث لـ"
لبنان 24 ".
هذا الواقع أدّى إلى نسبة اكتظاظ خيالية تبلغ 340%، ما يجعل من سجون لبنان أماكن غير صالحة إنسانيًا أو صحيًا أو أمنيًا، خصوصًا مع نقص التجهيزات، وتراجع الخدمات الطبية، وغياب برامج التأهيل، وتكرار حالات التمرّد.
وشدد عيد على الدور الأساس الذي تضطلع به نقابة المحامين في بيروت، اذا ان مهمتها تتمحور حول ضمان احترام القوانين وحقوق السجين وفق المواثيق الدولية، ومتابعة الأوضاع القانونية والصحية والحياتية داخل السجون، إضافة الى التعاون مع الهيئات الرسمية والدولية لتعزيز المعايير الإنسانية في أماكن الاحتجاز.
ولفت عيد إلى أن تنظيم السجون يخضع للمرسوم الاشتراعي 1430/1949، المعدّل لاحقًا، والذي يضع السجون تحت سلطة
وزارة الداخلية ، مع تحديد صلاحيات دقيقة تتعلق بالإدارة، والرعاية الطبية، وتشغيل السجناء وتأهيلهم.
وتظهر البيانات أن 48% من السجناء في لبنان هم من غير اللبنانيين، بينهم:
30% سوريون (2637 سجينًا)
6.6% فلسطينيون
5.5% جنسيات أخرى
أما في ما يتعلق بطبيعة الجرائم، فيبرز رقم لافت: 2550 موقوفًا بملفّات مخدرات بينهم 80 امرأة.
ويشير عيد بوضوح إلى أن "المشكلة الأساسية هي الاكتظاظ". لكنه يحدّد سلسلة أسباب مترابطة أدّت إلى تفاقم الأزمة، منها بطء العملية القضائية والتأخير في إصدار الأحكام، وعدم تطبيق أصول المحاكمات الجزائية المتعلقة بإخلاءات السبيل، إضافة الى النقص في عدد القضاة وضعف الاستقلالية القضائية، هذا فضلاً عن الأزمات الاقتصادية والصحية والإضرابات التي شلّت الدولة، و غياب البنية التحتية المناسبة وهرم مؤسسات السجن.
وكشف عن أكثر من 1000 طلب إخلاء سبيل لم يُبتّ بها رغم التعاميم القضائية، ما يفاقم الاكتظاظ ويطيل بقاء الموقوفين غير المحكومين.
وعليه، اقترح عيد سلسلة إجراءات تشكّل، بحسب وصفه، خطة طوارئ قضائية – أمنية – إنسانية لإنقاذ السجون، تبدأ من تعزيز استقلالية
القضاء وزيادة عدد القضاة وتحسين ظروف عملهم، إضافة الى إنشاء أربعة سجون نموذجية كان قد تمّ التخطيط لها سابقًا، لكن تعطّل المشروع بفعل الكيديات السياسية، والعمل على توسيع برامج التأهيل النفسي والمهني وتفعيل الإفراج المشروط وتطبيق قانون تخفيض
العقوبات ، إضافة الى استخدام التكنولوجيا في إدارة السجون والمراقبة والتقاضي عن بُعد، و تعزيز الشفافية والتعاون بين الوزارات والأجهزة الأمنية والنقابات والمنظمات الدولية.
إنّ واقع السجون في لبنان ليس قضية قطاعية ولا ملفًا إداريًا فحسب، بل هو معيار لمدى احترام الدولة لحقوق الإنسان. وما تطرحه نقابة المحامين اليوم، ليس مجرد توصيات مهنية، بل دعوة وطنية عاجلة لإعادة الاعتبار لكرامة الإنسان، وضمان محاكمات عادلة، وتوفير بيئة إصلاحية تقلّل نسبة الجريمة بدل أن تعمّقها.
فالسجون، ليست أمكنة انعزال، بل مؤسسات يُفترض أن تعيد إنتاج الأفراد كمواطنين صالحين… إلا أنّ ذلك لن يتحقق إلا بإرادة سياسية جامعة، وقرارات جريئة، ورؤية إنسانية تضع العدالة قبل أي اعتبار آخر.