في الأسابيع الأخيرة عاد
النقاش بشأن موعد الانتخابات النيابية إلى الواجهة، وخصوصًا بعد بروز مواقف تعبّر بصراحة عن عدم ارتياحها لإجراء الاستحقاق. ومع ذلك، يبقى ثابتًا أن هذا الاستحقاق لن يُرحّل إلا إذا وقع حدث كبير يفرض نفسه، كضربة عسكرية إسرائيلية واسعة أو اندلاع حرب تخلط الأوراق الداخلية بالكامل.
فالتأجيل، رغم تمنيات بعض القوى، ليس خيارًا متاحًا بسهولة في الظروف الحالية.
واللافت أنّ عدداً من الدول الإقليمية يملك حساباته الخاصة حيال هذا الملف، وهي حسابات لا تنطلق فقط من مقاربات تقنية مرتبطة بالاستحقاق، بل من شبكة مصالح أوسع تتعلق بالتوازنات
اللبنانية ، وخصوصًا في البيئة
الشيعية .
هذه الدول ترى أن رئيس مجلس النواب الحالي
نبيه بري يشكل عنصر توازن حقيقي داخل النظام السياسي، وأن أي اهتزاز كبير في موقعه سيؤدي إلى نتائج لا يمكن ضبطها بسهولة. ولذلك، فهي لا تميل إلى الدفع نحو معركة انتخابية قاسية قد تُضعف موقعه أو تجعله عرضة لمواجهة سياسية تخرج عن السيطرة.
وعلى الرغم من أن العلاقة بين
بري وحزب الله راسخة على المستويين التنظيمي والسياسي، إلا أن القوى الإقليمية التي تتواصل مع "
الثنائي " ترغب في الحفاظ على هامش معيّن من الاستقلالية بينهما. لا تريد هذه القوى أن يظهر الحزب في موقع من يملك الشرعية الشعبية الكاملة وغير القابلة للنقاش داخل الشارع
الشيعي ، ولا أن يُترجم حضوره عبر صناديق الاقتراع بصورة قد تزيد من قدرته على الإمساك بالتفاصيل الداخلية بشكل مطلق.
فالتوازن داخل البيئة الشيعية بالنسبة لهذه الدول ليس رفاهية سياسية، بل عنصر أساسي لضبط إيقاع العلاقة اللبنانية–الدولية في المرحلة المقبلة.
من جهة أخرى، هناك قناعة لدى بعض العواصم بأن التأجيل، ولو لبضعة أشهر، قد يسمح بتبريد الغضب المتراكم في البيئة الشيعية، ويخفف من اندفاع شريحة من الجمهور نحو الحزب. هذا التأجيل المحتمل لا يُنظر إليه كمكسب لأي طرف، بل كوسيلة لتمرير مرحلة حساسة، ريثما تتضح صورة المفاوضات الجارية على أكثر من خط.
ومع ذلك، يبقى الأكيد أن القرار النهائي بشأن الانتخابات لا يُحسم بالرغبات وحدها. فحتى اللحظة، لا يوجد مناخ يسمح بتأجيل خالٍ من الأكلاف السياسية. ما لم تقع صدمة كبرى، تبقى الحرب العنوان الوحيد
القادر على قلب الطاولة وفرض تغيير في المواعيد. أما دون ذلك، فلبنان يتجه نحو استحقاق ثقيل، يحمل في طياته توازنات دقيقة وحسابات معقدة، ستظهر نتائجها تباعًا في الأسابيع المقبلة.